ليس العشق هو عشق البنات الجميلات والصبايا الفاتنات والسيدات الفضليات فقط، إنما العشق أنواع وألوان، هناك عشق الفن من موسيقى إلى التشكيل إلى المسرح إلى السينما، وهناك عشق الرياضية والكرة، وعشق العلوم والآداب، كذلك تسمع عن يعشق البسبوسة والبيرة والكباب وغير ذلك.
أما الانسان الناجح الفالح الفاهم فهو من يعشق الحياة كلها على بعضها بحلوها ومرها، بمرحها وضيقها، بوجهها المشرق والآخر العابس أحياناً.
العشق هو درجة عالية من الحب، أو أقل هو حب متفانٍ لا يعرف الفتور وهو المتوهج دائماً، هو حب يعتمد على العطاء لا يطلب المصلحة الشخصية بقدر عمله وطلبه للمصلحة العامة، هو حب يتخلص تماماً من الأنانية ويسعد ويتلذذ بالعطاء، وليست هذه الكلمات مبالغة أو غير واقعية، لكننا هنا نتحدث عن العشق الحقيقى، ومن هنا يقول علماء الاجتماع وكذلك يقول فنان فرنسا أوجست رودان Rodin: (نحن نحتاج إلى موظفين وعاملين يعرفون معنى العشق).
لأن العاشق معطاء مضحٍّ يبحث عن المصلحة العامة، ولذلك فإن العاملين العشاق سيقدمون كل ما عندهم ويبذلون أقصى جهدهم من أجل عملهم، حتى يكون فى أحسن صورة وأجمل أداء.
الفنانون المبدعون هم أصدق صورة لعمل العشاق، لأنهم يعملون بجد وحب من أجل فنهم، ولا يهتمون بالماديات بل قد ينفقون على عملهم من جيوبهم، لأن هدفهم الحقيقى هو الإبداع والإضافة إلى الحياة.
العاشق لا يفكر ولا يعيش إلا من أجل عشقه، فالفنان عاشق الفن لا يفكر إلا في فنه، والعالم عاشق العلم لا يفكر إلا في علمه، وهكذا حتى عاشق النساء لا يفكر إلا فى معشوقته من هنا نقول أن العشق جنون أحياناً. فنان عصر النهضة:Michel Angelo مايكل أنجلو الذي عاش بين السنوات 1475- 1564، كان مؤمنًا بفنه وعبقريته ولم يهتم بشيء في الدنيا إلا فنه فأبدع في رسم سقف (الكابيلاستينا) فى الفاتيكان، وقدم لنا روائعه التي مازال أهل الفن مبهورين بها.. تماثيل.. الرحمة وموسى وغيرهما.
عشق مايكل أنجلو الفن ونسي حياته فعاش يبع، ويعاني من أجل هذا الإبداع لدرجة أنه استمر أربع سنوات وأكثر يرسم وهو راقد على ظهره حتى يرسم سقف الكنيسة، وهو وضع جسمي صعب على أي إنسان، لكنه العشق..
عاش مايكل أنجلو لفنه وعشقه الوحيد، وظل كذلك حتى وصل إلى سن الستين، وفي هذه السن طرق الحب باب قلبه فتعجب من هذا الشعور الذي لم يشعر به في شبابه كيف يأتي في هذا العمر وأخذ يطارده؟ لكن عشق الحياة مع الفن بدأ يسيطر عليه فعاش محباًّ وأخذ يقيم سنوات حياته وعاد إلى الإيمان بالله والحب وعشق الحياة ككل.
وفي مجال عشق العلم نذكر العالمة (Maria Curieماري كوري) البولندية الأصل والتي عاشت بين السنوات “1867-1934” عشقت العلم منذ طفولتها ووضعت خطة لحياتها بأن تدرس العلم فى فرنسا مهد الحضارة والتقدم، ومن أجل تحقيق حلمها وعشق حياتها عملت خادمة ومربية، وعانت من الفقر والجوع حتى استطاعت الوصول إلى باريس في عربة بضاعة؛ حيث أنها لا تملك ثمن تذكرة القطار أو الأتوبيس.
وفي كلية السوربون بدأت تحقيق حلمها، انكبت على دراسة الأبحاث وقراءة الكتب، وإجراء التجارب المعملية، كان كل اهتمامها يدور حول عشقها للعلم ومعرفة المزيد، كانت تأكل الخبز الأسود وعروق الفجل، واذا أسرفت جداًّ تشترى لنفسها بيضة أو بيضتين كل أسبوع، وأعجب بها أستاذها بيير كوري، كان يكره النساء لكنه وجد فيها إنسانة فاضلة متميزة، تقدم لها وتزوجها، الطريف أن عشق ماري كوري لعلمها تنسى ساعة زفافها وهي في المعمل فتأخرت في الذهاب إلى عرسها!
ماري كوري العالمة العاشقة للعلم استطاعت اكتشاف مادة الراديوم Radium الذي يعالج به مرضى السرطان، وحصلت على جائزة نوبل مرتين 1903، 1911 بل وحصلت ابنتها إيرين أيضاً على نفس الجائزة 1935.
الأمثلة كثيرة لعشق الفن والعلم والحياة، ونحن نذكر الفنانين والعلماء العشاق دائماً، والذكرى حياة ثانية، وبذلك فهم يعيشون مرتين وثلاث ولآخر الزمان، ألم أقل لك: عش عاشقاً تحيا مرتين.. أجدادنا الفراعنة عشقوا الحياة وتقدموا في الفنون والعلوم بفضل هذا العشق، وعشقهم للحياة جعلهم يؤمنون أن الموت ليس النهاية، بل إن هناك حياة حياة بعد الموت وخلود للنفس.. ولأن العاشق يعيش مرتين وأكثر فإن العالم كله مازال يذكر قدماء المصريين وتقدمهم في العلوم والفنون.
الشعب الفرنسى يعشق الحياة ومن هنا فهو يقول أن الحياة قصيرة، وقصيرة جداًّ، ويجب أن نستمتع بها ولا نقضيها في الأحزان والمشاكل والمشاغبات بل في العشق والحب والعمل.
وقد يسأل البعض: كيف أعشق الحياة؟
والحكاية بسيطة حاول أن تنظر إلى الدنيا بالتفاؤل وتحب كل ما حولك ومن حولك، حب الطبيعة وتمتع بشروق الشمس عندما يأتي الفجر وينشر خيوط الضوء والنور وتدب الحياة في الأرض، تمتع بالغروب وروعته عندما تودعنا الشمس يومياًّ وتذهب إلى نصف الكرة الأرضية الثاني، أن مظر الغروب وشمس الأصيل، والنهار يميل إلى النهاية لهو رائع فعلا لو تأملته، حب عملك مهما كان بسيطاً وحاول أن تبدع فيه وتغيره للأفضل، اكتشف مواهبك واستعدادك وتأكد أنك تملك الكثير لكن للأسف لم تحاول أن تتعب نفسك وتكتشف مواهبك، الخالق العظيم خلق مليارات من البشر وجعل لكل واحد بصمه خاصة ومع البصمات وزع أيضاً المواهب والعبقريات، وعلى الأقل الأستعداد المعين.
حب كل الناس وحب الحياة وهذه أولى درجات العشق، لا تتوقف أمام أي مشكلة فلكل مشكلة حل مهما صعبت أوكبرت، وعاشق الحياة يؤمن بذلك، جرب ولن تندم وحاول أن تطبق هذا الشعار:
عش عاشقاً تحيا مرتين.