انسحب الرجل بمنتهى الجدية ، جدية لا تتفق مع حس اللهو المفرط الذىكان يمارسه منذ دقائق ، تبعه صديقه الذى كان يشاركه المتعة منذ قليل ، شابان يتبادلان القفز فى حمام السباحة،ولا يترددان فى خطف النظرات إلى الجميلات اللاتى يرتدين أقل ما يمكن من ملابس السباحة ، اتجه الرجلان نحو ركنٍ خال فى الحديقة المحيطة بالحمام الموجود فى النادىالشهير ، وقفا وقد التف كل منهما بمنشفة حول خصره ، وافترش أُخرى أمامه، وقفا بخشوع واستقبلا “القبلة” التى وللصدفة كانت فى اتجاه مجموعة من الفتيات اللاتى ترتدى كل واحدة منهن “بكينى“يعبر عما قل ودل من أجسامهن ، نظر الشابان أمامهما وارتفع صوتيهما : الله أكبر !.
المشهد العبثى ليس خيالياً على الإطلاق ، بل حدث بالفعل فى نادى من أغلى نوادى القاهرة ، والذى يخصص أحد حمامات السباحة فيه لفوق سن الثامنة عشر ، ويتيح لزواره ارتداء المايوهات دون التعرض للمضايقة ، ودون السماح بارتداء “المايوه الشرعى” والذى يسمح با
المفارقة ..أنه وبرغم أن النادى يضم ضمن مبانيه مسجداً كبيراً ؛إلا أن الشابين اللذين اختارا عدم تضييع الوقت فى الذهاب إلى المسجد،قررا الصلاة على حمام السباحة ،دون الشعور بأدنى حرج ،ودون التأثر بالاندهاش الشديد البادى على وجوه رواد الحمام الذين يستلقون جميعهم بملابس السباحة،ودون الإحساس بأن ثمة شيئاً خاطئاً يجرى،بسبب الجمع بين الخشوع المفترض فى الصلاة والحفاظ على قدسيتها، وبين المكان المخصص للهو و الاستمتاع، لكن الشابين اللذين أرادا عدم تضييع الوقت ،قررا سن سنةً جديدة ، بجعل أحد الأركان “زاوية” للصلاة،حتى ولو كانت قبلتها فى مواجهة فريق كامل من الفاتنات يتقافزن بالبكينى !.
السُنة الجديدة اتبعها شاب آخر، فعل ما سبقه إليه الصديقان اللذان بمجرد الانتهاء من “الصلاة” ،خلعا المنشفتين ،وعادا للقفز فى المياه ، اعترض بعض رواد الحمام ، واعتبروا أن الفعل غير لائق، وينذر بأن الحمام سيتحول إلى ما يشبه بركة مياه شعبية كما حدث مع باقى حماماتالنادى،الذى يدفع أعضاؤه الكثير للتمتع بالخصوصية، لكن رجل الأمن المسئول قال بأنه لا يستطيع منع شخص من الصلاة أينما يريد ،وعلى المتضرر اللجوء للإدارة .
ما فعله الشابان بدافع الاستسهال، لم يكن عارضاً ؛بل يشبه تماماً خياراتنا اليومية ، نحن شعب يحب الحياة ويخجل منها ، يرغب فى المتعة ثم يكفر عنها فى أول فرصة ، يحافظ كثيرون منه على الصلاة فى أوقاتها ،دون أن يحافظ على معناها وقدسيتها،ودون أن يعرف حقيقتها ولا الهدف منها ، وهذا هو تحديداً ما دفعنا إلى نقف الآن أمام مساراتٍ تبدو فى ظاهرها ملتبسة؛ما يدفعنا لاتخاذ خيارات مرتبكة، مع أننا لو وقفنا مع أنفسنا قليلاً،وأعطينا التفكير قبل اتخاذ القرارات ما يستحق من وقت، لأعطينا كلشىءٍ حقه، ولاخترنا لأنفسنا ولأوطاننا الأفضل، ولرسمنا مستقبلاً يليق بأحلامنا ، فالشخص الذى لا يدرك الفرق بين مكانٍ مخصص ٍ للسباحة ومكان يحتفى بالصلاة ، هو شخص غير كامل الأهلية لاتخاذ قرارات تخص وطنه.
إنه الارتباك يا سادة ..وهو أشد وجوه الفتنة قسوة .