مرت في الأسبوع الماضي ذكرى السابعة والعشرون لرحيل كمال الملاخ الكاتب الصحفي، عالم الآثار، الفنان والرسام، الشخصية الكاريزمية التي أحبها الناس وأحبه القراء جميعا ونجوم الفن والفكر والعلم، وكانوا يسعون إليه ليروه ويتمتعوا بفكره وثقافته وآرائه المستنيرة.
عمل الملاخ كصحفيٍّ بدار أخبار اليوم وكان يكتب ويرسم ويصور، ثم طلب منه الأستاذ حسنين هيكل أن يعمل معه فى جريدة الأهرام، انتقل كمال الملاخ الى الأهرام وابتكر باباً جديدا هو ” من غير عنوان” وهو الباب الموجود حتى الآن فى آخر صفحة، ومازال خط يده فى العنوان حتى الآن. وقد أقبل القراء على قراءة هذا الباب الثقافي الفنى والعلمي والخبري، ومن هنا قال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين: إن كمال الملاخ جعل الناس تقرأ جريدة الأهرام من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الأولى بعكس الطريقة العادية.
بمناسبة الحديث عن طه حسين فإنه هو الذي شجع كمال الملاخ على دراسة الآثار والتخصص فيها، واستجاب الملاخ لدعوة العميد، ودرس الآثار وحصل على درجة الماجستير فيها حتى أصبح عالماً في الآثار، واكتشف فى عام 1954 مركب خوفو المعروفة مراكب الشمس، وأدى هذا الاكتشاف إلى ضجة إعلامية عالمية زادت من شهرة الملاخ، قال أنيس منصور الكاتب الكبير وزميل الملاخ في الصحافة، وصديقه الشخصي أنه كان يقابل الصحفيين الأجانب ومراسلي وكالات الأنباء كأنه الملاخ ويجيب على أسئلتهم لكثرة انشغال الملاخ بعد الاكتشاف.
كان قدر الملاخ أن يعمل في الآثار والصحافة في وقت واحد، وساعده على ذلك طموحه الكبير ونشاطه الموفور وتفرغه للعمل، لأنه لم يتزوج.
اهتم كمال الملاخ بالسينما وأفلامها وكتابها فأنشأ جمعية كتاب ونقاد السينما المصرية سنة 1977، وقد أنشأت أول مهرجان سينمائي دولي في القاهرة سنة 1978، كان الملاخ رئيساً للمهرجان، كما أنشأ وأسس مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط، كما اهتم بإقامة مهرجان في أسوان للسينما الأفريقية.
كان كمال الملاخ مفكرأ أيضاً صدر له 37 كتاباً في المكتبة العربية منها: أغاخان، خمسون سنة فن، حكايات صيف، صالون من ورق وقد فاز هذا الكتاب بجائزة الدولة فى أدب الرحلات سنة 1972، ومن كتبه أيضاً: قاهر الظلام عن قصة حياة الدكتور طه حسين، النار والبحر، بيكاسو المليونير الصعلوك، الحكيم بخيلاً عن حياة توفيق الحكيم، حول الفن الحديث، هؤلاء دخلوا التاريخ، صقر الحرية، جمال السجيني عن حياة الفنان التشكيلي المعروف جمال السجيني، سويسرا، التيه، ذهب توت عنخ آمون، هذا الكتاب فاز بلقب الكتاب الأول المباع في أمريكا سنة 1979 وترجم إلى اللغات الفرنسية والألمانية والإيطالية واليابانية والسويدية، وكتاب كنوز النيل.
أصدر كمال الملاخ أيضاً عدة كتب للأطفال منها: عروس النيل، حديقة الحيوان، أحمس قاهر الهكسوس، تحتمس الرابع، الناصر صلاح الدين، أم كلثوم. قبل رحيله طلب مني كمال الملاخ أن أستعد بجهاز التسجيل لنذهب إلى الأديب نجيب محفوظ لنسجل قصة حياته كما يرويها لنا.
لم يمهل العمر كمال الملاخ لتسجيل هذا العمل وإصداره في كتاب، فقد رحل عنا في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر 1987، الطريف أن يحصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 188 أي بعد وفاة الملاخ بعام، وكأن الملاخ كان يتنبأ له بالجائزة العالمية، وقد حضر نجيب محفوظ جنازة الملاخ في كنيسة السيدة العذراء بالمرعشلي بالزمالك، وعندما اقتربت منه في الكنيسة لأجلسه مع كبار المعزين في الصفوف الأولى رفض وجلس في الصفوف الخلفية.
كان من الطبيعي أن يفوز الملاخ بجائزتي الدولة التشجيعية في الأدب والتقديرية في الفن، ونال تقديراً عالميا من أكثر من دولة، فقد اختاره علماء الآثار الألمان عضواً فخرياًّ في رابطتهم عام 1982، في عام 1983 منحته جامعة واسيدا اليابانية شهادة تقدير في مناسبة عرض مجموعة من الآثار المصرية هناك، وفي عام 1985 منحه علماء الآثار بدولة تشيكوسلوفاكيا- التي كانت موحدة آنذاك – الزمالة الفخرية لرابطتهم، وبناء على طلب جامعة كلورادو في أمريكا وافق مركز أبحاث الفضاء على اطلاق اسم كمال الملاخ على أحد النجوم وذلك بمناسبة مرور أربعين عاماً على بدء اشتغاله في الدراسات والحفائر الأثرية.
احتفل كمال الملاخ في 26 أكتوبر1987 بعيد ميلاده التاسع والستين، وبعد ثلاثة أيام رحل عنا وهو في مجده الفكري والأثري والإنساني.
كان متحف مراكب الشمس التي اكتشفها كمال الملاخ يحتفظ بتمثال له ومن عجب أن اختفى التمثال بعد موته.. وعجبي!