على مدى 40 عاماً ، حرصت كنيسة مارمرقس بشبرا على تقديم أعمال مسرحية ، مقتبسة عن أعمال عالمية وتمصيرها بما يلائم واقعنا المعاش ، ولعل ذلك كان الانتقاد الوحيد الذى يوجه اليهم بعدم ابداع عمل ذاتى يعبر عن افكار الفرقة المسرحية الكنسية ذات التاريخ الطويل والابداع الفنى الذى حاز ومازال يحوز اعجاب كل من يتابعه .
ولكن كيف يمكن تقديم عمل كبير مثل مسرحية ( سكة السلامة ) – وهو أحد أبرز روائع الكاتب الراحل الكبير سعد الدين وهبة – بصورة تعكس الواقع الذى عاشته مصر فى السنوات الثلاث الاخيرة . كان هذا هو التحدى الصعب الذى واجه شباب الكنيسة ، والذى نجحوا في اجتيازه ببراعة واقتدار مقدمين عملاً ينبىء بجيل واعد متميز.
وعن نص سكة السلامة تحديداً ، فان الثابت أن هذا العمل تم التخطيط لعرضه بشكل رسمي عام ٩٦ ، الا أن ظروف تقديم الفنان محمد صبحى لهذا العمل فى ذلك الوقت ، حالت دون خروجها الى النور ، لتكون هذة المرة هى الاولى التى تعرض للجمهور .
ومع ذلك، فقد تفوق شباب مارمرقس على نفسه – الذين تراوحت أعمارهم بين 21 و22 سنة ، مدعومين بعدد قليل من ذوى الخبرة – بتقديم (سكة السلامة ) بصورة معبرة عن واقع نعيشه ونحياه ، بل ونعانى من تبعاته ، ويحسب لهذا الجيل دأبه وجديته بالاستعداد لتقديم هذا العمل قبل 4 شهور ، باجراء بروفات مابين (ترابيز) وحركة واضاءة وصوت ، لتخرج فى النهاية عملاً متكاملاً يؤرخ لفترة من اهم فترات مصر.
فى المشهد الأول يقوم كل فرد بتعريف نفسه ، من هو ومن أين أتى ومن أى نمط ينتمى فى المجتمع ، أما فى المشهد الثانى فنرى صراع هذه الأنماط بينهم ، وأنهم لم يتفقوا على شيئ وهو ما عاصرناه فى فترة من الفترات ما بين صراعات حزبية و طائفية ، كما نجد أيضا أمريكا حاضرة – من خلال الشاب الأمريكى- وتدخلها فى المصالح ومنع المساعدات أو وقف التعامل ، والأمر الأخير ، عندما جاء عويس (أو الميكانيكى ) بسيارة – كان من الممكن أن تنقذهم- ولكن كنتيجة للصراعات فان واحد منهم أشعل هذه السيارة ليعودوا لنقطة الصفر ليبحثوا عن حل آخر ، خاصة أنهم ساروا كثيرا فى الصحراء دون أن يجدوا حلاً .
وفى الفصل الثانى بدأ الشخص الأمريكى يبحث عن مصلحته بشكل عملى ، فأخذ البوصلة وتركهم ومشى حتى ظهر الرجل المجذوب الذى يمثل القتل والجهل والأرهاب ، لتتصاعد الأحداث حتى تم التضحية بالصحفى الذى يمثل الفكر وإعمال العقل ليكون حافز لثورة جديدة.
من جانبه اوضح ريمون زكى – أحد أعضاء الفريق القدامى- أن اختيار مسرحية سكة السلامة جاء فى هذا التوقيت وما تمثله من الصراع بين الجهل ، موضحاً أن لكل ورق وقته ، وهذا هو وقت هذه المسرحية، مضيفاً ” لما نستخدم عرض قديم كما هو بل نحدث عليه تعديلات تواكب العصر ، ويكون هناك ورشة اعداد لكى يلاءم الأحداث التى نعيشها “.
اضاف ذكى ، إن فريق الشباب الذى جسد الأدوار هذا العام تميز بالاداء الرائع ، وبخصوص تبادل الخبرات بين الجيل القديم والجيل الحديث ، أوضح “نحاول بقدر ما تسمح ظروفنا ان نتواجد معهم ونساعدهم فى أى مجال يحتاجون فيه ، عدا الثلاث سنوات الماضية نتيجة الظروف التى مرت بها مصر” .
وعن عرض المسرحية خارج الكنيسة، قال زكى “عرضنا على مسرح (الهناجر) وفي (ساقية الصاوى) وأتمنى أن نخرج بهذه العروض لكل مكان، ولكن هذا يتوقف على ظروف الممثلين خاصة أنهم طلبة وعليهم ألتزامات”
وعن النقاط السلبية قال ” لا أرى نقاطاً سلبية ، لكن هذا الفريق هم جيل جديد ولا يصح مقارنته بجيل يعمل منذ خمس سنوات – مثلا – ، وبطبيعة الحال فان عامل الخبرة عليه معول كبير ، لكنى اتمنى لهم مزيد من الخبرة والتميز”.
أما ألبير وجدى – وهو أحد أعضاء الفريق من جيل الممثلين القديم – فقال ” جميع الأمكانيات اكتفاء ذاتى سواء المكياج أو الملابس”، موضحا أن جميع الخامات أصلية لتكون أقرب إلى الواقعية وتعطى للمتلقى مصداقية .
وعن دورهم كجيل أقدم قال ” هذا العام، عملنا دعم كبير للشباب وقمنا بعمل بروفات معهم لنقل خبراتنا لهم فى الشخصيات ، وأعطيناهم 12 محاضرة قدمنا فيها خبرتنا التى اكتسبناها نحن أيضا من الجيل القديم ، وبالتالى انعكس ذلك على ادائهم ، وقد حرصنا على التواجد معهم فى معظم البروفات وأثناء العرض لتدعيمهم وأعطاءهم الثقة “.
وعن تأليف قصة جديدة ودراما حديثة قال وجدى ” هذا الموضوع صعب جدا بالنسبة للفريق فى الوقت الحالى ، ويأخذ وقتا طويلا جدا ، لكن قمنا مرة واحدة من قبل وقدمنا مسرحية باسم (أبيض وأسود ..تنويعات على أوتار هاملت) واخذنا فقط الفكرة الأصلية لكن التأليف والسيناريو جميعها من تأليفنا ، الا أنها أخذت أكثر من خمس سنوات بين تنقيح الورق وإعادته وهكذا حتى يخرج بالشكل الذى خرج عليه ، اما الآن فلكى أقوم بتأليف وإعداد وإخراج مسرحية من جانبنا فهذا يحول دون عرضنا عمل العام المقبل ، وهذا الأمر يختلف معنا جدا أن تسقط سنة دون تقديم عرض للجمهور الذى ينتظر أعمال فريق كنيسة مارمرقس ، لذا سقوط عام بلا عرض يفرق معنا ومع الممثلين- أيضا- مما يستتبعه مجهود مضاعف “.
ويعلق أمير غبريال – مخرج العرض- بأن اختيار مسرحية “سكة السلامة” جاء لربطها بالأحداث الحالية من الصراع بين الجهل والدم واعمال العقل والتقدم من اجل مستقبل نتمناه ، من خلال شخصيات تمثل كل أطياف المجتمع المصري، موضحاً أنه أراد التركيز على أن الظلم او الرجعية مهما طال أمدها لها نهاية .
وعن مقتل الصحفي في نهاية المسرحية والذي كان يمثل العقل والتفكير في المسرحية ، وما اذا كان له مدلول معين ام لا، قال غبريال: ” لا حرب ولا ثورة بلا خسائر، وقتل الصحفى كان اول شرارة تطلق في سبيل العلم والتقدم لتبدأ مرحلة التنوير والتى من خلالها يتعافى المجتمع فى كل المجالات”.
وعن دور آباء الكنيسة من العرض ، قال غبريال” ان الفريق كان متخوف جداً من رد فعل الآباء خاصة اننا نعرض لكل الجوانب منها جوانب قلما تعرض على مسرح كنسى ، لكننا وجدنا تفهماً من الآباء الكهنة فى الكنيسة وتم مراجعة النص من جانبهم ، ومن الأنبا انجيلوس ، الذى تفهم رؤيتنا بعرض نمط من المجتمع موجود بالفعل ، ولم يبد أى تحفظ أبدا لأننا لا نهين أحدا ، ولكننا نوثق الواقع المعاش ونؤرخ لفترة زمنية معينة “.
يذكر ان فريق تمثيل مارمرقس للدراما تأسس عام 1970 من أبناء الكنيسة من محبي الفن المسرحي ، وكانوا يمارسون النشاط الفني بحوش الكنيسة ،وقد نقل الجيل الأول للفريق حب المسرح وكيفية تقديم الفن بكل قواعده داخل الكنيسة دون الإخلال بما لها من قداسة.
ويؤمن الفريق بأن المسرح يستطيع تغيير الكثير من خلال طرح الأفكار والمفاهيم الكبيرة، في أطر جمالية تلمس أرقى ما بالنفس الإنسانية ، لتسمو بها من خلال الصراع الكامن خلف الحدث ، الذي يشخصه الممثلون ، حيث يجد المشاهد نفسه علي خشبة المسرح.
نال الفريق عدة جوائز ، مثل أحسن مخرج ، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة عام ٢٠٠٧ في مهرجان فرق الدراما المتحدة – المركز الثقافي الكاثوليكي المصري عن مسرحية (الرحاية) ، وايضاً نال العديد من أعضاء الفريق جوائز في مسابقات عديده للهواة.