“جزء( 1 ) من أعترافات المجند غبريال بسادة بشاي ديروط ـ محافظة أسيوط “
* غبريال بسادة بشاى 67 سنة .. بطل صعيدى اطل علينا بوجه بشوش .. بشحمه ولحمه من بين اوراق ملفات اكتوبر 1973 .. خطوط السنين زانت جبهته فزادت ملامحه اصراراً ، اشتدت سواعده ، فأستقام كأنه لازال يحمل لواء الجندية .. روح اكتوبر هزمت امامها وهن الجسد وملامح السنين .. شددت على يديه. اتلمس شعاعاً من فجر روح اكتوبر 1973 غمرتنى تلك الروح الاصيلة بقبس من نور الشهداء مثلما غمرت كل المصريين وقتئذ ..
* بادرته بالقول ياآآآه 42 عاماً مضت .. فرد باسماً لا لا اللحظات حاضرة امامى .. سيناء فى دمى .. ادمعت عيناه قال الحمد لله مصر اكرمتنى .. اهدتنى القوات المسلحة شهادة تقدير باننى ابليت بلاءاً حسناً فى المعركة ..
* اكمل بالقول التحقت بالجيش كمجند فى عام 1968 بالفرقة 23 المشاة الميكانيكى وتسليحى كلاشنكوف .. كنا من اوائل الأسلحة التى عبرت القناة .. تم اعدادنا فى مدرسة المعركة .. احتفظت بمركزى اول الكتيبة 501 واول اللواء 118 واول الفرقة 23 المشاة الميكانيكى ( الشويكة ) وثانى المنطقة المركزية فى الرماية ، كنت اصوب الـ 10 طلقات لمسافة 365 مترا .. اهدانى قائد اللواء مصروف جيب من أمواله الخاصة .. جنيه واحد .. كان يعتبر ثروة فى ذلك الوقت .. طوال فترة مدرسة المعركة ، كان الى جوارى 3 من زملائى يحملون الذخيرة ، وكنت احمل تليفون يوجهنى القائد من خلاله .
* بدأنا فى التحرك نحو الجبهة قبل مانعرف اى حاجة عن العبور قبل الحرب بحوالى 3 أشهر الفرقة كان قوامها عدة لواءات مشاه ، مدرعات ، مدفعيات .. تحركنا للجبهة عن طريق وثبات ( قفزات ) قبل الحرب بحوالى 3 أشهر .. كل فترة نأخذ ( وثبه ) واللى حصل اننا وصلنا لمنطقة ” الجناين ” قبل العبور بحوالى اسبوع عملنا عملية ( تمويه) قمنا نقطع الشجر ( بالبولطه ) وفرشناه فوق الدبابات البرمائية بتاعتنا والدبابات اللى كنت راكبها 50 BK ( سلاح المشاه الميكانيكى ) وتسليحنا تسليح دبابات برمائية ، احياناً نمشى مترجلين على الارض .
* كنت ضمن فرق الاستطلاع الاولى .. يوم 5 أكتوبر بالليل شعرنا ان فيه اجواء حرب .. لكن لم نستشف التوقيت او نعرف اليوم ، وكان المعبر بتاعنا ( يعنى منطقة عبورنا داخل القناة ) من منطقة بحيرة التمساح .. وعرض سطح المياة فى هذة المنطقة ما بين شرق القناة وغربها حوالى2.45 ك م .. و المفروض تقطعها الدبابة فى 21 دقيقة تماماً .. وكان الهدف الرئيسى من عبور القوة بتاعتنا اعطاء فرصة لسلاح المشاة فى المنطقة الضيقة فى القناة لكى ماتعبر الى ما بين 100 م ، 150 م بسرعة القوارب المطاطية .. كانت القوات المسلحة بتعتبر الفرقة بتاعتنا هى ( الطعم ) للجيش علشان قوات المشاة الفردية المترجلة تعبر بسرعة بالقوارب المطاطية ..
* وكأن البطل غبريال .. يستعيد أيام المعركة وقف فى مكانه رافعاً يدية مشيراً الى الافق بعيداً .. قال رأينا فقط الموضع على شاطئ بحيرة التمساح والذى سنعبر منه للضفة الاخرى .. وكان قد صدر اوامر بتشغيل ماكينات الدبابات 1.41 دقيقة ظهر يوم 6 اكتوبر .. حتى الان لسة ماكانش فية ضرب مدفعية او تجهيز نيران احنا ادرنا الماكينات الساعة 1.41 ..
ثم جلس البطل غبريال .. ليستكمل حديثه قائلا:
.. تمام الساعة الثانية عصرا، دخلنا مدينة الاسماعيلية .. لحظة دخولنا المدينة الناس شعرت باجواء حرب .. دخلت قواتنا الى شوارع مدينة الاسماعيلية .. الناس طلعت فرحانة بدأت تصفق وتطلق الزغاريد ووقفت على جانبى الشوارع تستقبلنا .. عرفت ان خلاص فيه ( حاجة ) لدرجة ان سائق الدبابة لاحظ ذلك .. انا كنت رامى دبابة وواقف اعلى على المدفع الكلاشنكوف .. فوق خالص اعلى الدبابة ومش لابس حاجة على راسى الا الهملت ( اللاسلكى ) وامتلأت عيناى بالدموع لتمزج بفرحة الناس من حولنا ..
* المهم وصلنا المعبر ( مكان عبورنا القناة ) فى عدة دقائق .. انا وزملائى كنا فى الاربع BK 50 دبابات البرمائية الاولى على مستوى القطاع الاوسط و الاربعه دبابات دول كانوا اولى مجموعات الدبابات برمائية التى نزلت المياه .. كنا ( دليل ) المجموعات .. كنا سنتوقع أن اليهود فى الناحية الشرقية سيضربونا بكل انواع الاسلحة ومن تبه اسمها (تبه الملاجئ ) ودى كانت نقطه قويه وحصينة ودى كانت المنطقه الواقعه امامنا مباشرة .. كنا فى المواجهة وبالفعل حدث ما توقعناه اتصوب علينا كل انواع الاسلحه من ( تبه دى ) .. كنا اربعه .. كان معايا العريف حسين محمد محمود السروجى من ديروط ، وكان معايا صلاح ابراهيم عبد الله من ديروط ، وكان معايا على الفورى من بورسعيد ، وانا غبريال المشارك معاهم رقم 4 ..عدينا احنا الاربعه بالدبابه البرمائيه الاولى ، اتصوب علينا النيران من قدام الدبابه ومن وراءها ، يمين ، وشمال .. والسمك كان هايج فى بحيرة التمساح علشان من مده طويله محدش كان بيعدى فى الميه .. واحجام السمك كانت ضخمه ما بين متر او مترين وكان ممكن تقلب الدبابه .
* بعد 21 دقيقه كانت وصلت الدبابات الأربعة الاولى بسلام ..
* اضاف بالقول: فى الحقيقة كانت القيادة السياسية واعيه الى ابعد الحدود ..كان ضمن التسليح معانا طاقم صواريخ ( مولديكا ) مضاد للدبابات ودى كانت مفاجأة حرب اكتوبر ، كان مداه 3 كم ، كان معانا خط ازالة الالغام ، اضافة الى اطقم المشاه ؟! قمنا بفك كل السلاح اللى فى الدبابات وتركنا الدبابات – متخندقه – عند الشاطئ شرق وترجلنا لان سلاح المهندسين فتحوا امامنا ( ثغرة ) وسط الالغام.. وكان معى زميلى النقيب على عاصم الذى يحمل الذخيرة .. لقد اخذت مدفع الكلاشنكوف المثبت فوق اعلى الدبابه وحملته على كتفى .. وده كان مداه 5 كم فى كل اتجاه ..
* قال : عدينا وكان امامنا تبه اسمها ( التبه المستطيله ) تسيطر على منطقة الاسماعيليه اثناء الاشتباكات وكانت تبه صعبه جداً.. ولما قوات العدو لقيوا القوات المصرية داخله بأزمنه متفاوته ولم تصب بأى من الطلقات رغم كثافتها انسحبوا من تبة الملاجئ ، الى تبة لسان التمساح .. واحنا لم نتردد ولم نغير اتجاهنا مشينا (دوغرى) .. قمنا بأحتلال التبه المستطيله ونصبنا الصواريخ و الاسلحه وانتظرنا وصول باقى الكتيبه والتى وصلت قرابة الـ10.25ـساعة دقيقه مساءاً ..وقفزنا ، وصفقنا عندما رأينا القوات الجويه عائده بعد الضربه الجويه الاولى .. وعندما وصلنا شرق اتفتحت علينا مدفعيه العدو بكثافة والدخان الاسود كان يتصاعد كاد يخنقنا .. بدأنا نطمئن على بعضنا لبعض ثم بدأنا نتساءل عن العقيد اركان حرب عادل فهمى قائد الكتيته بتاعتنا ( ك 105 ) فعلمنا انه استشهد غرب قبل العبور .. كما استشهد قائد الدبابه سمير صليب .. اطلقت عليه احدى الصواريخ فالتصق جسده بجسم الدبابه من الداخل أما رئيس العمليات ( لا أذكر اسمه الأن ) فقد أصيب فى رجليه الأثنين ولكنه أصر ألا يرجع الى المستشفى العسكرى للعلاج وقال خذونى معاكم لازم اعدى القناه معاكم .. فأصعدناه على (نقاله) وعدى معنا .. وذهب شرق مع القوات .. وكتبت الصحف فى اليوم التالى عن قائد العمليات الذى اصر على قيادة الجنود رغم اصابتة .
* أخذنا مواقعنا واقفين طوال الليل .. والدبابات ( متخندقة ) فى الميه .. وأحنا داخل سيناء والنقطتين الحصينتين امامنا التبه المستطيلة وتبه الملاجئ واحدة انسحبت منها قوات العدو لما شافت جسارة القوات والاخرى عملت التفاف ودمرناها ..
* قال : انتظرنا فى اماكنا حتى الخامسة صباح 7/10 ننتظر اوامر القيادة ..
* كان الظلام يكسو كل شئ والنور لم يكن واضحاً .. اكتشفنا ان دبابات العدو كانت على بعد 200 متر وتسليحها كان باتون 60 ودى دبابة خطيرة .. احدث دبابات الجيش الامريكى التى اهداها للعدو فى حرب 1973 .. وكانت رهيبة ومزدوجة و تدريعها وتسليحها مدفع 105 مم .. ارتفاعها 6 متر المهم قائد السريه بتاعنا كان اسمة الرائد فتحى العبد منصور من الاسكندرية ربنا الهمه امام الـ7 دبابات من قوات العدواللى كان ممكن تحول المكان الى جحيم انه ( يحبس نيران القوات ) قال لنا مفيش واحد يطلق طلقة واحدة الا عندما ابتدئ انا بالطبنجة بتاعتى .. وعندما بدأ بالاطلاق .. سارعنا بتشغيل كل انواع الاسلحة لتنطلق فى وقت واحد .. احنا اطلقنا كل انواع الاسلحة تجاة دبابات العدو .. 7 دبابات اسرائيلية .. السريه بتاعتى كان فيها 130 عسكرى واطلاق النيران كان بكثافة عالية فاختلت الرؤية .. وفى الموقعة دى اتدمرت دبابتين اسرائليتين واصيبت دبابتين اخريين .. وجنود العدو طلبوا أن يخرجوا اسرى لقواتنا .. لازلت اذكر زميلنا مصطفى عبد النبى من أمبابة – الجيزة ـ الذى أستشهد فى الموقعة دى .
و لفناه فى بطانية .. ودفناه وجلسنا بجوار مصطفى زميلنا لقرابه 5 ايام .. وخرج عسكرى من الزملاء أسمة عبد الجواد محمد ليثأر لزميلنا الشهيد مصطفى فأطلق النيران بكثافة على قوات العدو .. فاصيبوا ثم لفظوا انفاسهم فاخذنا جثثهم و وضعناهم فوق الدبابات .. وكان خبراء الاستطلاع الاسرائيلى 9,8 اكتوبر يعبرون أعلى ويمرون بطائراتهم ويرون جثث قتلاهم يفترشون أعلى الدبابات المصرية .. طائرات الاستطلاع هذة كانت تنزل الى مستوى اقل من ارتفاع 10 متر وتطلق تجاهنا نيرانها الحارقة ..
لكننا لم نصب بأذى .. كانوا يطلقون على السرية اسم ( السرية المحجبة ) يعنى كاننا معانا ( حجاب ) لنخرج بأقل الخسائر .. فقط زميلنا صلاح الدين عبد الله اصيب بأحد الشظايا التى استقرت فى موضعها فى القدم فاخذته الاسعاف واوصلته المستشفى ولم يتم أستخراجها بل ظلت فى موضعها حتى الان …
*وانتظرونا في الجزء رقم ( 2 ) من اعترافات المجند غبريال بسادة بشاى قبل ان تغلق ملفات أكتوبر 1973 *