أدب الحرب .. يكشف عن شجاعة وبسالة أبطال أكتوبر
ملحمة العبور محفورة فى ذاكرة الوطن
العمر لحظة : لى الجندى المصرى .. الذى تحمل فوق آلام هزيمة يونيو .. آلام تبعاتها ..
الرصاصة لاتزال فى جيبـــــــــــــى. قصة كتبت على مرحلتين : مرحلة معارك حرب ا لاستنزاف ، ومرحلة بعد السادس من اكتوبر
الحرب فى بر مصر : تجسيد لدور الطبقات الكادحة فى نصر أكتوبر
حكايات الغريب : تروى بطولة أهل السويس تحت الحصار
زهر الخريف : تجسد المشاركة الوطنية فى حرب أكتوبر
” ففى الحرب التى انهوها امس فقط ..كان العدو من الخلف ومن الأمام، وكل رصاصة انطلقت في اتجاه سيناء السليبة كان لابد ان تقابلها رصاصة أخري إلي الخلف باتجاه مصر المقيدة والمحتلة بمحتل من نوع اخر بالفقر والتخلف والظلم والقهر.. ولكننا لم ندرك.. وجهنا كل الجهد نحو العدو الظاهر الواضح.. تركنا الأعداء السرطانية الخبيثة، تلك التي لا وجود لها أمام العين.. كان لنا العذر ..تصورنا ان أهلنا سيقومون بتلك المهمة بدلا منا، ولكنهم خيبوا ظننا. وهذا ما يجعلها مهمتنا الآن.. التي لابد وان نقوم بها.. لن يتأخر ذلك.. التأخر معناه ان السرطان سيسري في جسم الوطن بشكل يصعب معه العلاج.. من يدري، فقد يصل استفحال الخطر إلي أن يصبح العلاج الوحيد هو استئصال الجسم كله، والحلان أحلاهما مر”.
هكذا عبر الأديب يوسف القعيد عن مشاعر صديق ” مصرى بطل روايته الحرب فى بر مصر التى تجسد تضحية جيل باكمله فى حرب السادس من اكتوبر التى نحتفل بذكراها ، ولأن تأثير الحرب يتجاوز الجانب العسكري في ميدان المعركة بل يمتد إلى آثار إنسانية شديدة العمق لأن الثمن الذي يبذل فيها أرواح من لحم ودم . لذلك تناول كثير من الادباء احداث الحرب فى روايتهم من خلال القصص الانسانية والعاطفية التى تعمق تاثير الحرب على تلك النفوس ، ومن أمثالها حكايات الغريب لجمال الغيطانى ، الحرب فى بر مصر ليوسف القعيد ، وزهر الخريف لعمار على حسن.
الحرب في بر مصر
تدور أحداث رواية “الحرب في بر مصر” للأديب يوسف القعيد في قرية من قرى مصر قبيل حرب 1973، حيث يقوم عمدة القرية بسلب ارض الخفير الخاص به بحكم قانون يلغي أحكام الإصلاح الزراعي ، ويلوح للخفير باستعادته لأرضه في مقابل ان يقوم بإرسال ابنه “مصري” ذلك التلميذ الفقير المتفوق في دراسته، بدلا عن ابن العمدة الأصغر للالتحاق بالجيش كما يفترض به أن يفعل معللاً العمدة فعلته قائلاً : ” ان والدى يقول لو ذهب احد منا الى الجهادية لاهتزت شجرة العائلة وتقوست وأقتربت من الأرض .. ولما كان عمر هذه الشجره يعود الى زمن المماليك والأتراك فى مصر فلا يصبح من حقى العبث به ” . خاصه بعد ان اخبر كاتب مواليد البلد العمده بان “مصرى” ذهب الى مكتب بريد البلد يسأل عن استمارة تطويع للجيش وقيل له ان الاستمارة توزع بمعرفة مندوب الجيش ، وبهذا استطاع ان يريح الكاتب ضميرالعمده قائلاً له : ” ان الخدمة فى الجيش هى الوسيلة الوحيدة للحصول على وظيفه مضمونه .. يوجد نظام فى القوات المسلحة ان من يخدم فيها يحصل على وظيفة ثابته بدرجة حكومية بمجرد انتهاء خدمته ”
وحتى لا ينكشف هذا الأمريستخرج أوراق إثبات جديدة ل”مصري” باسم ابن العمدة، ويوخذ منه كل ما قد يثبت هويته الحقيقية ، و بالفعل يلتحق ” مصرى ” بالجيش وتبدأ الحرب الذى يستشهد بها ببسالة لكن الأوراق الرسمية كلها تشير إلى أن ابن العمدة هو الذي استشهد ، و لذلك يضطرالعمدة الى تقبل العزاء المصحوب بالثناء و التمجيد لبطولة ابنه المزعوم ، بينما الابن الحقيقي حي يرزق ، ويستمر ظلم العمدة بعدم تسليم الجثة إلى الوالد المكلوم ، و تدفن خيوط اللعبة مع الشهيد . ولعل هذا يذكرنا بمقولة “أمل دنقل” في رائعته البكاء بين يدي زرقاء اليمامة حين يقول: ” أُدعى إلى الحرب .. ولا أدعى إلى المجالسة ” ، كما ان مما لا شك فيه أن لاختيار اسم “مصري” دلالة رمزية في إشارة إلى كل فرد مصري من الطبقة الكادحة يستغل عرقه لخدمة مصالح طبقات أخرى ، وقد تحولت هذه الرواية الى عمل سينمائي انتج عام 1991 في فيلم يحمل اسم “المواطن مصري” بطولة الفنانين عمر الشريف، عزت العلايلي، صفيه العمرى ، عبد الله محمود، واخراج صلاح أبو سيف.
الرصاصة لاتزال فى جيبـــــــــــــى
كتب الأديب احسان عبد القدوس فى مقدمة روايته الرصاصة لا تزال فى جيبى قائلاً ” كل ما في هذه القصة من حوادث وشخصيات هو مجرد صور أطلقها خيالي .. لان كاتب القصة غير المؤرخ وغير المحقق الصحفي أنه حتى وهو يتعرض بقصته للأحداث الوطنية العامة يعتمد على خياله متحررا من الآرتباط بالواقع .. وكل القصص العالمية التى انطلقت من سنوات الحرب، أو من الثورات الوطنية الكبيرة، لم تكن ترسم واقعا ولكنها كانت خيالا من وحي واقع .. وأقول هذه الكلمة حتى لا يحاسبني أحد بميران الواقع، ولكن فقط يحاسب خيالى . وهذه القصة كتبتها على مرحلتين كتبتها أولا قبل حرب 6 اكتوبر ، وتوقفت بها عند مرحلة معارك حرب ا لاستنزاف ، ونشرت هذه المرحلة تحت عنوان” رصاصة واحدة في جيبي” وبعد 6 اكتوبر كتبت المرحلة الثاينة من القصة تحت عنوان الرصاصة لا تزال في جيبي “.
والجدير بالذكر ان تم تحويل احداث هذه الرواية الى فيلم سينمائى بطولة الفنانين محمود ياسين ، نجوى ابراهيم ،وقام بالاخراج حسام الدين مصطفى و تم إنتاجه عام 1974 .
يستهل الأديب احسان عبد القدوس روايته قائلاً على لسان محمد بطل الرواية : ” هل هذا كلام يا رجل انى اجلس أمامك مرتدياً بدلة الجندى وفى يدى سلاحى ورغم ذلك فان أول ما تسألنى عنه هو قصتى مع فاطمة .. لم يخطر ببالك ان تسألنى أولاً عن قصتى مع اليهود ..قصتى فى الحرب .. أنت تسألنى عن فاطمة لانك تعرف فاطمة وعشت فى قصتها .. ولم تسألنى عن الحرب لأنك لم تعش الحرب ولم تعرف اليهود كما عرفتهم أنا ” .
وتبدأ احداث الرواية بالرغبة المحمومة لمحمد ذلك الشاب الجامعى فى ان يتعلم حمل السلاح حتى ينتقم من عباس رئيس الجمعية التعاونية الذى اعتدى على شرف ابنة عمه ومحبوبته فاطمه الى الدرجة التى يقول فيها : ” اصبح خيالى يقيم تمثال بطولة لكل رجل قتل آخر من أجل فتاه رداً لشرفه .. انى اريد ان استرد شرفى ” لهذا انضم محمد الى التدريب العسكرى فى الجامعة وامسك لأول مرة فى حياته بالبندقية التى جذبته بعيداً عن عالم الادب والفلسفة وخلقت منه شخصية جديدة مما دفعه هذا لعمل المستحيل لدخول الجيش حتى نراه يقول ” انى سعيد بما تغيرت اليه .. اصبحت اؤمن ان السلاح الطريق الى الجنة .. جنة النفس الراضية التى تثق فى قوتها .. قد أحسست بعد عام واحد مع سلاحى انى اغنى انسان فى العالم “
ويؤكد البطل على ان سيناء استطاعت ان تشغله عن انتقامه من عباس حتى انه يقول ” لم يكن معقولاً ان اواجه اليهود وسلاحى فى يدى وحياتى لحظات ثم افكر فى عباس ” ، وفى احدى العمليات الفدائية قتلت جميع افراد كتيبته وبقى وحيداً فى الصحراء لا يعرف لها اتجاه حتى بدأت قواه تخور من الجوع والعطش ، وقبل ان يلفظ انفاسه الأخيره حمله اعرابى الى خيام الشيخ علوان الذى أقام فيها يومين حتى استرد صحته ، وقرر الرحيل متنكراً فى زى اعرابى وقبل ان يترك سلاحه نزع منه رصاصة احتفظ بها فى جيبه ، وبدأت رحلة العودة التى استمرت شهوراً من غزة الى سيناء ومنها الى أحد مواقع الجيش فى بور فؤاد وهناك لم يجد من يعرفه معرفة شخصية ، حيث نجده يقول : ” لقد نسيت من طول ما عانيت انى جندى نظامى وكان يجب ان اقدم نفسى الى القيادة ” وقد استمر محمد يتنقل بين المكاتب يروى حكايته الى ان صدقته القيادة وانضم مرة اخرى الى احدى الفرق الفدائية ، وعندما عاد محمد الى القرية لم يجد عباس الذى تركها كما لم يجد فاطمة الجميلة الهادئة بل وجدها حائرة ولم يجد فى عينيها غير الألم والخجل ومع كل هذا اضطر محمد الى الرجوع الى أرض المعركة .
وهنا تبدأ احداث القصة الثانية من الرواية بالشهور التى قضاها محمد فى القرية يزحف الى نفسه الضيق والملل الى ان صدر قرار باستدعائه من اجازته فى القرية للتدريب على الاسلحة الجديدة واستمر هذا الحال عامان حتى بدأ محمد يفقد الثقة فى المستقبل وفى الحرب الى ان أعلنت الحرب فى فجر السادس من أكتوبر.
واستطاع الأديب احسان عبد القدوس ان يشرح لنا وصف تفصيلى لاحداث الحرب على لسان بطل روايته حتى تحقق النصر وعادت سيناء الى أرض الوطن ، وعاد بطلنا الى القرية ليجد فاطمة تستقبله والحياة تنبض بكل ما فيها وكأن عباس لم يكن موجوداً بالقرية أبداً وينهى الكاتب احداث روايته قائلاً على لسان البطل : ” لن أتزوج الآن فاطمة .. ان الزواج حياه كاملة والحياة لا تكمل مادمت احتفظ برصاصة فى جيبى ..مادام هناك يهود على أرضى .. فكل أملى معلق فى هذه الرصاصة التى لا تزال في جيبي ” .
العمر لحظـــــــــــــــة
أهدى الأديب يوسف السباعى روايته العمر لحظة الى الجندى المصرى قائلاً فى بدايتها : ” الى الجندى المصرى .. الذى تحمل فوق آلام هزيمة يونيو .. آلام تبعاتها ..أهدى بعض ما يرفع عنه الظلم ويرد اللوم .. أهدى بعض الحقيقة .. حقيقة كفاءته وقدرته وشجاعته .. اليه أهدى بعض عمله .. وهذا خير ما ينصفه أمام التاريخ ” مشيراً الى ان هذه الرواية التى تمت كتابتها عام 1973 تقع أحداثها فى أواخر عام 1969 وأوائل عام 1970 خلال حرب الاستنزاف حيث سجلت هذه الفترة أروع بطولات الجندى المصرى فى معارك العبور ، و معارك الجو والبحر التى اكدت قدرته على المواجهة ، ومنحت العدو اياماً مرهقة ، واهدته اكبر قدر من الخسائر .
والجدير بالذكر انه تم تحويل أحداث هذه الرواية الى فيلم سينمائى انتجته الفنانة ماجدة الصباح عام 1978 وقامت ببطولته مع الفنانين أحمد مظهر ، احمد زكى ، ناهد شريف ، وقام بالاخراج محمد راضى .
وتبدأ أحداث الرواية برغبة نعمت رئيسة قسم المرأة بمجلة الخبر فى البحث عن موضوع يهم الشعب للنشر حتى لا تتهم بالرجعية والانعزالية وان كان مقعها كزوجة للأستاذ عبد القادر رئيس التحرير لا يعرضها الى هذه الاتهامات على الرغم من ان خيانته لها جعلها لأول مرة تحس بالهوان لانه جعل منها موضع سخرية الصحفيين واضاع هيبتها وسطهم ، ولكن ازدادت الشائعات التى تؤكد زواجه من أحدهن ومصاحبته لها فى الاماكن العامة حتى ضاقت نعمت وقررت مواجهته فنفى تماماً وطالبها بان تبعد عن الوسط الصحفى حتى تنأى بنفسها عن الاقاويل والشائعات .
وفى اليوم التالى كان على نعمت ان تجرى تحقيقاً مع الجرحى فى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى ، وهناك قررت ان تترك الصحافة وان تتطوع للعمل كباحثة اجتماعية بالمستشفى لبحث مشاكل المرضى ، وذات يوم قابلت نعمت المقدم محمود ذات الصوت الصاخب الذى اتى الى المستشفى لاجراء عملية له وبدأت فى العناية به حتى توطدت بينهما الصداقة ، وأخذت نعمت تمارس حياتها الطبيعية وسط الجرحى والمرضى غارقة بنفسها فى مشاكلهم وهى تجاهد ان تنتزع من نفسها شيئاً يحاول ان يشدها بعيداً ، كما انها حاولت الارتباط بزوجها اكثر لعل وجوده يحجب عنها ذلك الشئ الملح على تفكيرها الراسب فى أعماقها .
وقررت نعمت ان تغرق نفسها اكثر فى العمل فسافرت الى الجبهة فى السويس لتحل المشاكل الاجتماعة للجنود لكنها وجدت الدمار يحلق فوق الرؤس الى الدرجة التى جعلتها تقول ” هذا الجزء من جسد هذا الوطن .. من تراب هذه الارض لا يكاد يشعر به الجزء الآخر .. جرح تقيح وتعفن .. ولم تنضح آلامه بعد على سائر الجسد ” ، وكانت المفاجاة عندما قابلت نعمت المقدم محمود قائد الصاعقة للمرة الثانية وبين فرحة اللقاء والخوف اللارادى عليها صاح قائلاً : ” كيف تركوك تحضرين الى هنا ؟ ” فاجابت نعمت قائلة : ” انا فى عمل .. أنا استطيع ان افعل الكثير لأجل هؤلاء الذين لا يقلقهم دوى القنابل بقدر ما يقلقهم مشاكلهم الصغيرة التى خلفوها وراءهم ” ، وكان المجند عبد العزيز أحد هؤلاء الذي كان يريد النزول الى بلدته للزواج من سعديه والاعتراف بابنه الذى فى بطنها ولكن حالت دون تحقيق امنيته أوامر القائد واصيب فى مهمته الفدائية وقبل ان توفيه المنيه قال ” لم أكن أعرف انى سأموت .. لم امت فى المرات السابقة .. كنت اعود دائماً ” .
وتكتمل أحداث الرواية بسفر القائد محمود الى جزيرة شدوان طلباً للاستجمام بعد معاركه المتواصلة مع العدو حيث ان الجزيرة لا تضم اكثر من مائة عسكرى لحراسة الراداروالفنار لارساء السفن فى البحر الأحمر وحمايتها من الصخور والشعاب المرجانية ، ومن هناك ارسل الى نعمت خطاباً يقول فيه ” اذا كنت قد اخطات الطريق فى أول العمر الى غيرك .. فانى أعرف هذه المرة طريقى اليك .. خلال المعارك التى خضتها .. كنت أحس دائماً ان العمر لحظة يذهب فى طلقة .. وعندما أفكر فيك الآن أحس ان العمر لحظة ياتى فى ضمة أو لمسة ” ، وفى وسط هذا الهدوء قام العدو بمهاجمة الجزيرة التى استطاعت ان ترد العدو عنها بعد يوم من القتال المرير وامام الاصرار العجيب على الصمود لم يجد العدو ازاءه مفراً من الانسحاب بعد ان اصاب القائد محمود فى جنبه حيث نقل على آثر جراحه الى مستشفى المعادى واجريت له جراحة تمت بنجاح ورغم ما أصاب نعمت من جزع حاولت ان تتصرف بحكمة وتتعامل مع هذا الموقف بعقلها .
وينهى الأديب روايته بموقف نعمت الحاسم الذى انهت به علاقاتها بالقائد محمود حيث عادت الى حياتها الأولى فى البيت والمجلة وفى لحظات الوداع قال لها محمود : ” العمر لحظة .. يضيع فى لحظة ..او يتبلور فى لحظة .. هذه اللحظة تابى ان تجئ .. انى اعيش ..وأخوض القتال .. أقتل وأصاب .. ثم يجعلون منى بطلاً .. لكنى احس بعمرى يتسرب بين يدى يضيع سدى .. وكانه الماء بين الأصابع “
حكايات الغريــب
أما الكاتب والروائى الكبير جمال الغيطاني فقد بدأ حياته العملية كمحرر عسكري لجريدة الأخبار حتى عام 1976 شهد خلالها حرب الاستنزاف 1969، 1970 وحرب أكتوبر 1973. ومنذ عام 1985 أصبح محررا أدبيا لجريدة الأخبار ثم رئيسا لتحرير كتاب اليوم السلسلة الشهرية ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993 .
وكان لهذه المعايشة للحروب اثر كبير فى كتابة رائعته حكايات الغريب احدى قصص مجموعته القصصية حكايات الغريب التى كتبها عام 1976 وركزت على روح أكتوبر التي تفجُّرت شعبيًّا، خصوصًا أثناء حصار السويس؛ حيث وجد المواطن المصري البسيط نفسه أمام التحدي الكبير، فأبى أن يترك أرضه، ودافع عنها بكل ما يمكنه من قوة، إنها تأكيد على أن البطولة الحقيقية في أكتوبر كانت لهذا المصري البسيط الذي يرمز له بـشخصية البطل “عبد الفتاح” او “الغريب” الذى لعب دوره الفنان محمود الجندى فى الفيلم الذى انتج عام 1992 و يحمل نفس الاسم حكايات الغريب بالاشتراك مع محمد منير وقد قامت باخراجه انعام محمد على
زهر الخريف
أما رواية زهر الخريف للروائى الدكتور عمار على حسن فتدور أحداثها حول شابين أحدهما ” عليّ عبد القادر إسماعيل” و الآخر “ميخائيل ونيس سمعان ” اللذان عرفت الصداقة قلبهما وجمعهما حب البطولة والكفاح لحماية قريتهم الطيبة من عصابات الليل ، وكأن القدر كان يعدهما لتحقيق بطولة اكبر وهى الاشتراك فى حرب اكتوبر 1973 فلم يترددا احد منهما فى تلبية النداء ، ورحلا سويا وهما يحلمان بالعودة برايات النصر خفاقة ، الا ان حلمهما لم يتحقق ، فقد روت دماء ميخائيل ارض مصر لكى تنبت زهر الحرية والكرامة بانتصار اكتوبر ، اما ” على ” فقد ضاع فى الصحراء الواسعة ولم يجدى البحث عنه الى ان تكشف لنا الرواية فى نهايتها من خلال احد الجنود زملاء على انه مات محترقا فى احدى الطائرات .
ويتجسد الوفاء فى ابلغ صوره من خلال الشخصية الثالثة فى الرواية وهى “وفاء” زوجة وحبيبة “علي عبد القادر” التي لم تمهلهما السعادة سوى اسبوع واحد بعد زواجهما ، ثم ذهب الى الحرب لكى يلبى نداء الواجب والوطن ، الا انه لم يعد ، ومع هذا لم تفقد وفاء الامل فى رجوعه وهى تنتظره فى شباكها حالمة باليوم الذى يخترق فيه جسده استار الظلام المسدلة على قلبها ، غير عابئة بالمشيب الذى يدب فى شعر راسها مع مرور السنين ، وهى تنتظر بجوار صديقاتها جورجيت حبيبة الشهيد ميخائيل ، الذى اخذت تواسيها وتبث فيها الامل برجوع زوجها ” على ” لتتغلب على الم الانتظار الموحش ، وهنا يظهر لنا الكاتب كم الصداقة والمحبة التى جمعت بين الفتاتين .
ومن أكثر الشخصيات جاذبية في الرواية هي شخصية رفاعي الرجل البسيط الذي قادته قدماه حتى الصعيد الأوسط، ليبيع الخبز للفلاحين، ويروى لهم حكاية مدينة باسلة، بعد أن دمر الإسرائيليون بيته ومخبزه، ومع مرور الاحداث نرى رفاعى عائدا إلى مدينته وما حولها للبحث عن الشاب الضائع، الذي ربطته به علاقة إنسانية خالصة، تختلط بصدى صوت الأطفال الصغار وهم يزفونه كل صباح وهو يضحك ويوزع أرغفته
وتصور الرواية كيف احضر نصر اكتوبر الامان الى القرية فى نفس الوقت الذى ذابت فيه قلب ام هؤلاء الصديقين فى انتظار عودتهما