انهزمت أصوات الحكمة داخلها.. تاهت نداءات التعقل الحانية أمام دموع ولدها وتأوهاته.. صرخاته وهو علي بعد خطوات منها.. يشد جلبابها يرجوها ألا نتركه هناك مع أولئك الغرباء الذين لا يعرفهم ولا يألف الوجود إلي جوارهم.. استغرقت الأم الممزقة في الأم أقوي من آلام السرطان التي ظلت تنهش معدتها منذ شهور.. زوجها الكفيف لم يتوقف عن البكاء.. فماذا عساه يفقد وقد فقد بصره منذ ثلاث سنوات.. والآن كاد يذهب عقلهما وقلبهما خلف فادي ابنهما.. ذاك الطفل المعاق ذهنيا الذي لا يتعدي التاسعة من عمره.. لكنه الحمل الأكثر ثقلا علي المحيطين.. فماذا لو رحلت والدته؟ من يعيله؟ هكذا فكرت مني أنها امرأة في الأربعين من عمرها.. نشرنا عنها في ذات المساحة مرتين متتاليتين منذ شهر تقريبا.. لم تنل من الحياة لا تعليما ولا راحة.. متزوجة ولديها طفلان.. أصيب زوجها بانفصال في الشبكية منذ ثلاث سنوات.. كانت حينها بصحتها.. تطور الوضع ففقد الزوج بصره تماما.. وصار قعيدا في المنزل.. مصاب بشبه إعاقة في النطق.. ربما تكون ناتجة عن مشكلة ذهنية.. شادي الطفل الأصغر عمره خمس سنوات تقريبا وتتولي رعايته خالته.. أما فادي الابن الأكبر المعاق ذهنيا فيلفظه الجميع.
فادي أجري منذ أسابيع جراحة مياه بيضاء في إحدي عينيه بعدما تسبب في ذلك أطفال الجيران الذين التفوا حوله وضربوه بالكرة في وجهه.. كانت أمه تبحث عن دار رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لتأويه خشية أن ترحل فجأة فيتشرد الطفل.. وجدت الدار وبمساعدة الخادمة الأمينة المسئولة عن الأسرة -الأخت تريزا- اصطحبت الأسرة الطفل مع الخادمة وذهبوا جميعا إلي إحدي الدور الكائنة في منطقة عين شمس.. طلب المسئولون هناك منهم ملء الاستمارة قبل التجول في الدار.. وقامت تريزا بالمهمة.. أنهتها ممسكة بيد فادي ليشاهدوا الدار التي سيعيش فيها.. لكن لم يكن الأمر هينا.. فالطفل الذي أعاقت الأقدار ذهنه لم تستطع أن تجمد مشاعره أو تعوق إحساس البنوة في قلبه.. فتلك مشاعر لا تهزمها إعاقة ولا يكسرها تخلف.. بدأ فادي يشعر بالانسلاخ من أحضان ذويه أثناء التجول في الدار المهملة.. فليس بها الرعاية الكافية وكل من يقطنونها كبار في السن لا يوجد بينهم أطفال في مثل حالته أو عمره.. تأزمت أسرة الولد وتأزمت تريزا.. لم يكن بمقدورهم التراجع فقد قاموا بدفع مبلغ قدره 600 جنيه مقابل إقامة لمدة شهر.. لا يتلقي خلالها الطفل أي تعليم أو تأهيل.. مجرد مكان يحط جسده فيه فقط.. قرروا أن يخوضوا التجربة أملا في وضع أفضل لفادي بدلا من وجوده في حضن أم مريضة تتلقي العلاج الكيماوي ولا تعلم ماذا يحل بها في المستقبل القريب.
قرروا الرحيل لكن عصي علي القلب أن ترحل عنه نبضاته.. ظل فادي يصرخ ويشد في ملابس والديه.. يلقي بنفسه أرضا ويدفن رأسه في جسد تريزا خادمته.. يجره المسئولون عن الدار إلي الأمام.. زاحفا يعود إلي الخلف ويعتصر القلوب الوجع علي انتزاعه من أحضان أسرته.. لكن صوت العقل كان يعلو فوق العواطف.. صمت الجميع وارتفعت الآهات مكللة بالدموع.. غاب فادي عن الإبصار بعدما خارت قواه من فرط البكاء.. عادت والدته وخادمته ووالده إلي المنزل.. ومرت أربعة أيام.. لم يذق أحدا منهم النوم خلالها.. والده يبكي طوال الوقت.. والدته تتصل بالدار مرات ومرات فلا من مجيب.. وكلما تحدثت يجيبونها: إحنا مافيش ورانا غير ابنك ولا إيه.. بل وطلبوا منها ألا تزوره نهائيا لمدة شهر كامل!!
نفضت مني غطاء العقل المتصلب عن أمومتها.. قررت استعادة صغيرها.. سلمت الحياة والموت كليهما في يد الله مؤمنة أن الله قادر أن يرعي فادي حال رحيلها.. ولأنها لا تقوي علي الذهاب مرة أخري فأرسلت تريزا.. ذهبت الخادمة الأمينة إلي الدار دخلت بلا أي سؤال من أي شخص لها.. فتحت باب المكان لتجد فادي وحيدا في شقة منفردا بلا خادم ولا راعي ولا ونيس.. منزويا في ركن.. ملفوظا كما كان في كل مكان.. اصطحبته وتوجهت إلي مدير الدار تلومه علي إهمال الطفل.. فأجابها: المسئول كان بيشتري حاجة وراجع.. لم تتفوه تريزا بكلمة واحدة حول الإهمال أو الرعاية.. أخبرتهم أنها ستصطحب الطفل وتعيده لأسرته بناء علي رغبة والدته.. تهلل فادي ألقي بنفسه في حضنها.. ممسكا بيدها لم يرغب في العودة لغرفته التي آوته أربعة أيام حتي يلملم حاجياته.. كان يريد الفرار من الغربة الباردة التي تركوه فريسة لها.. مفضلا نار الحياة مع صراخ أم منكوبة وعويل والد كفيف وأطفال يقذفونه بالكرة في وجهه عن حضن برودة دور الإيواء التي مازالت لا تعلم أن لها دور أبعد من مجرد بنسيون للغلابة والمنكوبين.
نبحث الآن لفادي عن دار تأهيل يذهب لها يوميا ليعود إلي حضن أسرته في نهاية اليوم.. إلي أن يحين الحين وتتغير الأوضاع أو لا تتغير فإنها إرادة الله في هذه الأسرة التعسة.
إيد الحب
أمتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:-
100 جنيه طالبة شفاعة البابا كيرلس بأسيوط
400 جنيه طالبة شفاعة جميع القديسين بأسيوط
400 جنيه س.ف.ح بأسيوط
500 أ.ن طالبين صلوات أنبا ميخائيل مطران أسيوط
1000 جنيه علي روح المرحوم وليم سمعان
600 جنيه مونيكا وكيرلس أيمن
200 جنيه علي روح المرحوم سامح عياد
5000 جنيه علي روح المرحوم إسحق جورجي
7000 جنيه من يدك وأعطيناك
500 جنيه من يدك وأعطيناك
400 جنيه طالبة شفاعة العذراء
250 جنيها علي روح المرحومة مريم ذكي زخاري
450 جنيها طالبين شفاعة العذراء والبابا كيرلس
600 جنيه علي روح المرحوم سمير رمزي
أمتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:-
100 جنيه طالبة شفاعة البابا كيرلس بأسيوط
400 جنيه طالبة شفاعة جميع القديسين بأسيوط
400 جنيه س.ف.ح بأسيوط
500 أ.ن طالبين صلوات أنبا ميخائيل مطران أسيوط
1000 جنيه علي روح المرحوم وليم سمعان
600 جنيه مونيكا وكيرلس أيمن
200 جنيه علي روح المرحوم سامح عياد
5000 جنيه علي روح المرحوم إسحق جورجي
7000 جنيه من يدك وأعطيناك
500 جنيه من يدك وأعطيناك
400 جنيه طالبة شفاعة العذراء
250 جنيها علي روح المرحومة مريم ذكي زخاري
450 جنيها طالبين شفاعة العذراء والبابا كيرلس
600 جنيه علي روح المرحوم سمير رمزي