تعبت من ملاحقة الأغنياء…تعبت من التسول حول مواكبهم في إشارات المرور…من استجداء مشاعر العطف في عيونهم أتلقي بديلا عنها مشاعر الاشمئزاز التي تقتلني…تنتزعني من عالم الرحمة إلي عالم السخط علي كل شئ…أرهقني الرفض واللفظ والنفور في كل لحظة..تعبت من تربص الفقر المزمن بقدري وصحتي وزوجتي المريضة التي تننظرني في المنزل ولاتعلم أنني أتسول لأطعمها.
بتلك الكلمات الموجعة دخل العم عوض إلي مكتبي…لم يمهلني حتي الترحاب به…أصابتني دموعه بالخرس…أصابتني صرخاته في وجهي بالصدمة…كاد يشق ثيابه اخد يرفعها ويشدها مرات متتالية قائلاأعمل إيه أروح فين, طردوني من شغلي باشحت في الشوارع…صار يصرخ ويبكي في آن واحد في مشهد يذيب قلب الحجر…التزمت الصمت احتراما لأوجاعه ودموعه…حتي هدأت ثورته.
ربت علي كتفه وقلت له:لسه الدنيا بخير اطمئن..انهمرت دموعه بلا توقف…بكاء وبكاء وبكاء من أعين جمدتها الآلام حينا…وما أغلي دموع الرجال…وما أغلي دموع المستورين بعد انقضاء زمن الستر وانكشافه ليتحول المستور إلي متسول يمد يديه لكل من يراه…وما أغلي دموع العجائز الذين تعز عليهم شيبتهم مثل العم عوض الذي يبلغ من العمر ما يقارب الستين عاما…إنه رجل كان يعمل في شركة أوراسكوم..في أحد المواقع الميدانية…حداد مسلح يكسب رزقا وفيرا…لم يرزقه الله بنعمة الأبناء وأسرته هي زوجته الكفيفة..يذهب إلي عمله صباحا ليعود بالرزق والخير لرفيقة عمره مساء…إلي أن شاءت الأقدار ذات يوم وأثناء عبوره الطريق يتعرض لحادث مروع…صدمة سيارة.
يروي العم عوض ماجري له ويقول:كانت الحادثة عام2008 حملني أهل الخير إلي أقرب مستشفي وأجريت لي جراحة علي الفقرات القطنية التي أصبت فيها بكسر..يعني عمودي الفقري انكسر…وبعدها بفترة تلقيت العلاج الطبيعي في مستشفي أم المصريين التي عولجت فيها في عام2009…وجاءت كل التقارير الطبية تؤكد أنني أصبت بإعاقة بسبب ماتعرضت له من كسور في فقرات الضهر وفي الحوض والفخذ …
…ومرت الأيام والشهور وبدأت اتعافي وأتحرك…لكن لايمكنني العودة إلي العمل كنتنجار مسلح رجل كسيب يعنيلكن بصحتي…ولما فقدت قدرتي علي العمل الشاق فقدت رزقي أيضا..
استغنت شركة أوراسكوم عن خدماتي فلم أكن معينا بها كنت متعاقدا فقط…ولم أمض إلا أقل من خمس سنوات فلم يكن لي معاش…قرورا لي معاش إعاقة وأنهوا خدمتي…لايتجاوز المعاش300جنيه…كيف أعيش بها وإيجار منزلي350جنيها!…أي مايزيد علي معاشي بخمسين جنيها…من أين لي دفع فواتير الكهرباء والمياه وعلاج زوجتي وأطعامها..من أين لي أن أحيا؟!!لم أطلب شيئا فليس لدي مسئوليات مثل غيري…لا أطفال ولا عائلة كبيرة…لكن الحد الأدني من الحياة الأكل والشرب والإيجار لا أريد سواهم!!!
ويكمل العم عوض:لم أبلغ زوجتي بمصيبة تقاعدي عن العمل…أخرج كل يوم صباحا أجلس فوق الأرصفة…أتسول في إشارات المرور…أذهب إلي الكنائس والمساجد…لأوفر مايسد جوعنا لنهاية اليوم لأعود إليها به..ثم أبدأ في اليوم التالي من جديد…لم يتعاطف معي الناس كثيرا لا أعلم لماذا…وبما لقبح شكلي الخارجي…ربما لسوء حظي…كل ما أعلمه أنني أتيت إليكم لتساعدوني علي إيجاد عمل أعيش منه أنا وزوجتي..أي عمل خفيف…في أي مكان…كل ما أريده أن أعمل..أريد أن أعمل كما كنت سابقا أريد أن أحيا…أنا ميت أعيدوني للحياة.
شقت كلماته صدري مددت يدي لأعطيه مبلغا من المال…بكي كثيرا وقال:كنت راجل كسيب مش عايز أشحت يا ناس عايز اشغل صدقوني مش عايز أشحت بس ناكل ونعيش منين أنا ومراتي:قالها ومد يده وأخذ المبلغ ورحل باكيا…لم نجد له رقم تليفون مدون لدينا عندما حاولنا الاتصال به…مرت ثلاثة أسابيع ثم عاود الحضور إلي الجريدة ليسألني ماذ فعلت…هل وجدت له عملا أم لا؟وللأسف كانت إجابتي سلبية فلم أجد له عملا ومن سيتحمل مسئولية تشغيل رجل في هذه السن وتلك الحالة المرضية مايحتاجه هو المساعدة الدائمة…حاولت أن افهمه الأمر دون جدوي أنه يريد أن يعمل ويكف عن التسول..لكن كان الأمر يحتاج إلي صدمة…فقررت أن أصدمه وأبلغته قائلة
عم عوض لن يقبل أحد بتشغيلك في أي مكان لمجرد أن يكون العمل ستارا علي أصل الوضع وهو مساعدتك ماديا لتحيا…العمل إلا لمن يستطيع فقط…وأنت الآن لا تستطيع…واجه الحقيقة…ونحن هنا علي استعداد لمساعدتك شهريا …فلا تحمل الهم أهل الخير كثيرون وسيمدون أيادي الحب لك…بكي للمرة الثالثة أمامي مضطرا للموافقة ورحل باكيا كما جاء في المرة الأولي بعد أن ترك لنا رقم هاتف زوجته فهو لا يملك إلا هاتفا واحدا في حوزة زوجته.
ربما قسوت عليه لكن المصارحة خير علاج حينما ترتفع أسقف الأمل والطموح إلي مافوق الإمكانيات…إنها القسوة الحانية التي لم أقصد منها إلا أن أرده إلي الواقع لأتمكن من مساعدته بشكل عملي وحقيقي بدلا من إيهامه بما لن يحدث…إنها الحياة التي تجبرنا أحيانا أن نكون قساة في مواجهة آلام الآخرين حتي نستطيع شفاءها.
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
200 جنيه طالبة صلوات الأنبا كاراس بأسيوط
500 جنيه طالبة صلوات القديسين بأسيوط
10000 جنيه مينا ومارينا بأسيوط
1000 جنيه مادلين
1000 جنيه من يدك وأعطيناك
5000 جنيه من يدك وأعطيناك
1000 جنيه بركة خمس خبزات وسمكتين
1400 جنيه من يدك وأعطيناك بالمنيا
3000 جنيه من يدك وأعطيناك بأسوان
5000 جنيه علي أرواح كل الموتي
10755 جنيها القديسة العذراء مريم بأستراليا
500 جنيه علي روح عبدالنور وعبدالله وبهيجة وزهية
2969 جنيها من يدك وأعطيناك
4000 جنيه طالبين شفاعة العذراء
500 جنيه علي روح المرحوم موريس ميخائيل
800 جنيه كرستينا صفوت
1500 جنيه أ. ن. طالبين صلوات أنبا ميخائيل بأسيوط