يجب علينا التمييز انها ثورة على السلطة الدينية وليس على الايمان
يحتاج الشباب الى مفكرين مستنيرين لمواجهة قضاياهم بعيدا عن الثرثرة السياسية
وخلال السنوات الأخيرة انكسر جدار الصمت في مصر وبدأت أصوات الذين يعتبرون أنفسهم من فئة الملحدين، تعلو وتجذب الأنظار . فالإلحاد شق طريقه بصعوبة في العالم العربي لأسباب عدة كطبيعة المجتمع الشرقي حيث ينتمي الفرد إلى مجتمع ويتّخذ قرارته مراعياً المجموعة، ما زال المجتمع العربي المحافظ بأغلبيته لا يتقبّل الأشخاص الذين يعبرون عن أنفسهم كملحدين علناً. وعلى الوجه الاخر يصعب تحديد عدد الملحدين في مصر لغياب الدراسات
حول الالحاد ومفهومه الواقعى والفلسفى وارتباطه بالعلمانية وظهورها بشكل واسع بين الشباب فى مصر واسباب ذلك وكيفية فهمه كان لنا هذا الحوار مع الفيلسوف العالمى والمفكر الدكتور مراد وهبة وأستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس .
اولا ، ما هو الفرق بين العلمانية والالحاد ولماذا دائما يتم الترابط بينهم ؟
العلمانية فى اللغة العربية كما فى اللغة الاجنبية اصلها من العالم ، فى اللغات الاجنبية اصلها لاتينى وهوseaculum بمعنى العالم ويوجد لها لفظ اخر لاتينى هو muneus والفرق بينهم ان الاولى ان العالم متغير اما الثانية فتعنى العالم ثابت والتغير يحدث داخل العالم ، اذا ما يشغلنا فى العلمانية هو العالم المتغير وليس الثابت ومن لفظ seaculum يأتى لفظ العلمانية وهى secularization . فى هذه الحالة العلمانية من لفظ علم واقرها مجمع اللغة العربية بفتح العين لا كسر العين الذى يدخلنا الى العلم ، ولكن ما يهمنا العالم المتغير والمهم عدم الخلط .
ولكن ما يحدث فى هذا العالم المتغير ؟، ان كل شئ فى هذا العالم ليس ثابت ومتغير ومن هنا جاءت نظرية التطور التى تشير ان كل شئ فى هذا العالم متطور ومتغير ، من هذه الزاوية لدى تعريف خاص للعلمانية ، وان كان الرأى الشائع فى التعريف للعلمانية هى فصل الدين عن الدولة ، لا بل الاساس هو ان العلمانية هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق .
فعندما تفكر فى اى ظاهرة نسبية لا يمكن فهمها تحت مظلة مطلق لان المطلق ثابت وليس متغير ، بينما الظاهرة الطبيعية او الانسانية متغيرة اذا نفهمها بعقل نسبى ، بعقل متغير ولا يمكن فهمها بعقل ثابت ، من هنا العلمانية فى رأى الخاص تنشغل بما هو نسبى وليس بما هو مطلق .
واذا كان الدين ينشغل بالمطلق فهذه قضيته انما قضية العالم هى قضية العقل النسبى ، ومن يستطيع القول انه يملك الحقيقة المطلقة لا احد الا من يطلق عليهم لفظ اصولى ، الاصولى يأتى من مفهوم الاصول بمعنى ان اعود الى اصول معينة ثابتة من خلالها افهم اى ظاهرة انسانية او اجتماعية بالتالى هو يبدأ بما هو ثابت وبما هو مطلق ، وبالتالى يتوهم انه عندما يفسرها يصل الى الحقيقة المطلقة وهذا وهم .
بالتالى تعريف الاصولية نقيض تعريفى للعلمانية فتعريفى للاصولية هو التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى يعنى ان فى العلمانية النسبى له الصدارة اما الاصولية فالمطلق له الصدارة ، والانسان اما ان يكون علمانى او اصولى من هنا جاء الارتباط بين الالحاد والعلمانية .
ما هى اسباب انتشار الالحاد فى مصر ؟
ان الالحاد ليس ظاهرة جديدة كما يقال ، ففى العصر اليونانى القديم اتهم سقراط بالالحاد لانه ينكر الالهة ، حيث قال ان الالهة الموجودة حاليا غير صالحة واريد ان انشأ الهة جديد ، ومعنى ذلك هنا ان مسألة الالحاد هى مسألة نسبية حيث انكر الهة معينة فى مواجهة الهة اخرى جديدة تنشأ ، وفى العصور الوسطى كان هناك سلطة دينية وكانت تعتقد ان الارض ثابتة لا تدور وان الشمس والكواكب والقمر هم من يدورون حول الارض وكان ذلك فى صلب العقيدة الرومانية ، ثم جاء كوبرنيكوس الفلكى فى القرن السادس عشر بعد الميلاد الذى قال ان الارض تدور والشمس ثابتة هنا اتهمته الكنيسة بالالحاد ، وعند قراءة كتاب كوبرنيكوس نجد فى مقدمته كلمة لبابا روما يوضح له ان هذه النظرية وجدت ان المعدلات الرياضية التى وجدناها توضح ان الارض تدور حول الشمس ابسط من التى تقول ان الشمس تدور حول الارض، فهى مجرد معدلات رياضية بسيطة لا تدعو للقلق ، ولكن لوحظ فى خاتمة الكتاب انه ليس اول من قال ذلك ففى القرن السادس قبل الميلاد كان هناك عالم اسمه فيثاغورس قال ان الارض تدور ، ولكن فيثاغورس قال لاتباعة احذركم من القول للجماهير بهذه النظرية حتى لا يقضى علينا وعندما عرفوا الجماهير حرقوا الدار الذى كان يجتمع بها فيثاغورس مع اتباعه لاتهامه بالالحاد .
ولماذا يلجأ الشباب للالحاد ؟
الالحاد مرتبط بتغيير جذرى لنظريات علمية بتهدم نظريات علمية اخرى كانت لها ثبات فينزعج البشر ويبدأ يتهم بالالحاد حتى يمنع عن التفكير فيما هو جديد هذا هو اصل الالحاد . ولكن من حق الانسان الايمان بالشئ كما يراه ولا يرغمه احد على الايمان بشئ معين فهناك حرية ايمان وحرية عقيدة بالتالى علينا ترك البشر يفكرون كما يريدون دون توجيه تهمة فهى ليست تهمة بل اجتهاد فى تصور معين وهو حر.
هل يرجع انتشار الالحاد الى عدم الاستقرار المجتمعى مع وجود الثورات المتتالية والصراعات الداخلية ؟
قالوا عن الاستقرار فى النظام القديم ليحصلوا على السلطة ، بالتالى الاستقرار مفهوم وهمى يحاولوا تنفيذه بالقهر والديكتاتورية وهو منافى لطبيعة العالم المتغير، لا يوجد ما يسمى بالاستقرار، فحتى التغير نسبى فممكن ان امر بفترة ثبات ولكن ايضا نسبى سيتغير ، بالتالى هو محاولة للقضاء على الفكر بالقهر لتحقيق وهم الاستقرار.
ما بين اصولية وثورة تكنولوجية هل اوجد هذا الفراغ الواسع الالحاد ؟
ان الاصولية هى من حرمت الثورة العلمية والتكنولوجية لانها اعتبرتها ضد الخالق لانها تخلق فهى متمردة عن الخالق فارادت تنفر الشباب منها بينما الشباب يعيش فى وسط هذه الثورة ويمارسها فحتى الاطفال لديهم اجهزة كمبيوتر حديثه ، بالتالى عندما احاول اقناعه ان هذه التكنولوجيا كفر سيرفض هذا الفكر والانصياع له لذا يجب ان اوضح ان ذلك ابداع انسانى ، كما يجب تقدير قيمة الانسان .
هل الفكر اللادينى المنتشر الان هو تطرف اخر عكس التطرف الدينى ؟
لا فالتطرف الدينى لفظ خاطئ ، فالتفكير نوعان اما اصولى او علمانى ، فالاصولى هو من يتوهم انه يمتلك الحقيقة المطلقة انما العلمانى يعتقد انه من المستحيل ان يمتلك الحقيقة المطلقة ، بالتالى الصراع كله فى هل بامكان الانسان امتلاك الحقيقة المطلقة وستظل المشكلة بين الالحاد والايمان فى هذا الاطار فى الصراع بين المطلق والنسبى .
كما وضح ان هناك مطلق ولكن ادراكى له نسبى بالتالى تختلف رؤيتى من شخص لاخر.
بما ان الايمان فكر والالحاد فكر فهل هذا يعنى عدم وجود ثوابت ؟
حتى الاديان نسبية بالتالى يجب ان نقبل ان عقل الانسان نسبى ومحكوم بما هو نسبى ولكن فى اطار ما هو مطلق ولكن المسألة هل يستطيع العقل ادراك المطلق وهنا نجيب بانه لا يستطيع لانه نسبى .
فحتى المؤمن بعدما يؤمن يعمل عقله فيما أمن به ، فيعطى تصور لايمانه يختلف عن تصورات اخرى والدليل وجود طوائف وفرق فى كل الديانات ، ويتقاتلوا لان كل فريق يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة انما اذا كان الانسان بنوع من الفهم السليم للعقل يدرك ان العقل نسبى ورؤيته بالتالى نسبية بالتالى لا مبرر للاقتتال حول الافكار وانما يدعوا الى الحوار .
ان فكرة الالحاد المنتشرة بين الشباب تبعد عن التعريف العلمى للالحاد وترتبط بالادينية فما السبب فى عدم وضوح الرؤية ؟
اغلب الظن ان الشباب قد ملوا من السلطة ، ففى العصور الوسطى كان هناك اصلاح دينى وكان هناك ثورة على السلطة الدينية وليس على الايمان ، فهو ضد السلطة الدينية وليس ضد الدين ، مثلما حدث فى بيع صكوك الغفران فى العصور الوسطى او فى هذه الايام عند الجماعات الدينية الاسلامية عندما قالت من سيقول نعم للدستور هيذهب الجنة ومن يقول لا سيذهب للجحيم .
يربط الشباب الالحاد فى المجتمع العربى بالانحلال الاخلاقى ، لماذا ؟
ربط الالحاد بالانحلال هى موضوعات ومسائل اخرى خارج عن المفهوم العام للالحاد ، فالمؤمن والملحد لا يروا الاثنين الله ، فواحد بيقول انه موجود والاخر يقول بعدم وجوده ولكنهم مشتركين فى انهم لم يروا الله ، فيجب ان يكون هناك تسامح فى الرؤية والفهم .
وبالنسبة للسلوك فهى مسألة تدرس من زاوية اخرى من خلال نوع التربية التى نشأ عليها ومدى تمرده على هذا الاسلوب من التربية لذا يجب عدم الخلط بين فكر الالحاد والسلوك الاجتماعى الناشئ من التربية .
فى مجتمعاتنا العربية كان الشباب يستحى من الاعلان بالالحاد اما الان فيفتخر بذلك لماذا؟
يرجع ذلك الى شعور الشباب بانها فكرة جديدة ويتباهى بها ، وكان فى الماضى يخشى من السلطة الدينية التى كانت قوية اما الان فقد ضعفت وبالتالى على السلطة الدينية التفكير وتحليل اداءها واسباب هذا الضعف والتوصل الى حلول .
هناك مشروعات كثيرة لحل مشاكل الشباب ويتضمنها الحوار فما المشكلة ؟
من المفروض ان الشباب يدخلوا فى حوار مع مفكرين مستنيرين يوضوحوا لهم المصطلحات المتداولة ولكننى ارى ان المثقفين فى اتجاه والشباب فى اتجاه اخر ، فالمثقفين الان ليس لديهم قضية بمعنى الكلمة وما يحدث هو ثرثرة سياسية ، والشباب الان لديه قضية ملحة والمثقفين لا يواجهوا هذه القضايا بل يسعوا للسلطة وللمراكز السياسية او ينقض السلطة ، اما القضايا الحقيقية التى يطرحها الشباب لابد من وجود مفكرين مستنيرين يدخلوا معهم فى حوار .
تضع المؤسسسات الدينية برامج لعلاج هذه المشكلة هل هذا حل وافى ؟
يوجد عبارة مهمة جدا قالها القس صموئيل حبيب رئيس الطائفة الانجيلية السابق فى احدى الندوات وهى “ان الله فوق الاديان ” ، وفسرت هذه العبارة ان الله مطلق والاديان نسبية بالتالى لا يزعم دين انه يملك الحقيقة مطلقة . ان الشباب لديه فكر يجب مناقشته وليس رفضه من الاخرين ومن حق الشباب التمرد فى التفكير والمطالبة بالتغيير وكل شئ بالحوار وليس باتهامه بالجنون او التطرف .موضحا ان الالحاد ظاهرة طبيعية لان الشباب لا يعجبه الواقع فيريد تغييره فاذا وجد سلطة دينية متزمته تمنع اى تجديد فيرفضها .
لذا يجب توجيه اللوم للسلطة الدينية لان الشباب عمل هجرة لخارجها ويجب توجيه النقد لها حتى تسعى لمعرفة ماذا فعلت لهروب هؤلاء الشباب ،و لا نعود الى العصور الوسطى من ان السلطة الدينية معصومة من الخطا وهذا وهم ايضا .
وكيف تعالج المؤسسات الدينية الالحاد ؟
عليها اولا ان تعلن بوجود خطأ ثم تبدأ فى الحوار ليعيش الشباب فى مناخ صحى فترفع من قيمة الانسان وتحترم تفكيره حتى لو جاء مخالف .