أهتم الفنان القبطي عبر العصور ، والمسيحي في العالم كله.. “بالصليب” في معظم رسوماته والذي يدل على معاني روحية ودينية وفنية .. فشكلت الحضارة الإنسانية في التراث الثقافي .. وصار قوة من الله .. يوضع على تيجان باباوات الكنيسة تحيط به زخارف محفورة وبها أحجار كريمة ذات قيمة عالية مع جمال ألوانها .. وأيضاً نجد الصليب يوضع على تيجان بعض ملوك العالم .. ويرفع فوق الكاتدرائيات والأديرة والكنائس .. كما تزين به أعلام بعض الدول الكبرى .. وصار رمزاً للرحمة والسلام كما في “الصليب الأحمر”.
ومع إحتفال الكنيسة الأرثوذكسية والشعب القبطي يوم 27 سبتمبر الموافق 17 توت من كل عام “بعيد الصليب” لنا تأملات روحية وفنية نسجلها في هذه السطور.. حيث تذكار ظهور الصليب المجيد وتكريس كنيسته .. وذلك في عام 326 ميلادية على يد الملكة “القديسة هيلانة” والدة الإمبراطور قسطنطين .. التي أرادت أن تعثر على صليب رب المجد يسوع المسيح .. مكان الجلجثة ونالت بركته.. بعد إزالة أكوام من الأتربة عثر على ثلاثة صلبان .. إثنان للصين الأيمن والأيسر.. والثالث صليب يسوع المسيح .. حيث أكتشفت قوة الصليب مانح الحياة بعد أن وضع شخص متوفي فوقه .. ففي الحال قام من الموت.
فلنتأمل عندما عذب يسوع المسيح وعلق على خشبة الصليب .. وصرخ بصوت عظيم.. واظلمت الشمس .. وعمت الظلمة الأرض في وضح النهار لمدة ثلاث ساعات .. وإذا حجاب الهيكل قد إنشق إلى أثنين .. والأرض تزلزلت .. والصخور تشققت والقبور تفتحت .. وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين .. وخرجوا من القبور بعد قيامته.
وبعدما آمن اللص اليمين .. قال له المسيح اليوم تكون معي في الفردوس .. وهو على الصليب وقبل أن يسلم الروح بين يدي الآب قال “قد أكمل” أي قد تم العمل الذي جاء من أجله على الأرض .. وهو الفداء وخلاص البشرية.
يؤمن المسيحيون بقوة الصليب .. ويتخذونه شعاراً لحياتهم .. والذي معه قوة الله .. يتغلب على كل الأزمات والضيقات في كل مكان وكل زمان .. حيث جعل الحياة تضيء لنا .. وكوعده الصادق والأمين بالحياة الأبدية .. “فالرب له المجد نور العالم”.
ويتميز الفن القبطي بالرمز .. فلكل لون معنى ورسالة .. فاللون الأحمر نجده في أيقونات وجداريات آلام الرب يسوع على الصليب ذبيحة فداء العالم كله .. ثم اللون الأخضر الذي يرمز إلى الحياة والنمو .. نجده على رأس الصليب .. وبعدها اللون الأصفر نجده في الأشعة الخارجة من الصليب .. والهالة المحيطة به .. لأن الرب يسوع المسيح هو نور العالم .. والصليب هو المنارة التي أوقد عليها مخلصنا .. ويستخدم اللون الأسود في تحديد الصليب من الخارج .. وهو رمز وإشارة على أن ربنا يسوع حمل أحزاننا وخطايانا المظلمة .. أما اللون الأبيض والذي يرمز للنقاء والنور هو الصليب الذي يتوسط تلك الألوان “أي الصليب الرئيسي”.
والصليب يعبر بالدرجة الأولى عن العقيدة المسيحية .. ومفتاح لنا لنصل إلى السماء والذي ترتكز عليه تعاليم الكنيسة .. وتقاليد وميراث آبائنا الأوائل في العقيدة الأرثوذكسية .. وهي الخلاص .. والغفران والفداء .. والرجاء للحياة الأبدية .. كما نجد لوحات تعبر عن صلب الرب يسوع في تكوينات متعددة ومتشعبة في قوة ومعجزات الصليب المجيد.
والرسوم المرفقة بالمقال والتي ترمز لقوة الصليب .. من خلال الحب والرجاء الذي منحنا بها الرب يسوع للنفس المتعبة من رحلة الإنسان على الأرض والتمسك بالصليب ففيه نجاتي وخلاص نفسي.
حتى في عصرنا هذا صارت فيه الحروب والآلام والأوجاع .. في حياة كلها صراعات وشهوات الدنيا .. ولابد أن يهزم الموت .. والإختطاف .. وتكسر شوكة الشيطان .. نطلب من الرب أن يرحمنا ويمنحنا القوة والإيمان .. والتعلق بالأمل والتفاؤل والمحبة والسلام.