نظم المركز الاعلامى للأمم المتحدة بالقاهرة مؤتمراً صحفياً عن تقرير منظمة التجارة للتنمية “الأونكتاد” لعام 2014 ، والذي ناقش هل سيشهد العالم تغيير في أنماط النمو العالمي ، وما مصير مصر في هذا التغيير ، وهل يمكن أن تغير مصر الشركاء التجاريين لها، وكيف تشجع التصدير بشكل أساسي ، وهل الأعتماد علي السلع الإنتاجية والسوق المحلي هي الأساس في التنمية.
وقال الدكتور محمود الخفيف المسئول بمنظمة الأونكتاد : ” أن الأونكتاد قد تكون منظمة دولية منفردة برؤيتها ودائماً لها رؤية نقدية فيما يحدث في مجال التنمية علي مستوي العالم ، و الغرض من هذا التقرير السنوي أن نعكس فيه رؤيتنا و رؤية الأقتصاديين الموجودين في “الأونكتاد” فيما حدث مؤخراً في مجال السياسات الاقتصادية ، ورؤيتنا القادمة المستقبلية ، وبناءً عليه تعطي توصيات لما ينبغى ان يهتم به صانع القرار .
وأوضح محمود الخفيف أنه بعد الازمة المالية العالمية فى عام 2008، تباطأ النمو الاقتصادى رغم انتهاء الأزمة ، واستمرت السياسات الاقتصادية للدول المتقدمة هى نفسها التى ادت إلى الازمة الأقتصادية بسبب التقشف الأقتصادى، كما أن نمو الدول الكبرى ضعيف مما يجعل الدول النامية تحتاج إلى أن تبحث عن شركاء جدد لها فى أفريقيا وجنوب شرق آسيا، فالعالم النامى عليه أن يغير من سياساته و استراتيجياته فى التوجه الأقتصادى الليبرالى غير المنتظم من أجل تحقيق تنمية أفضل، ووضع سياسات بديلة طموحة ، مما يتطلب حيز وأدوات و سياسيات أوسع، وأيضا توافر موارد عامة أكبر وكذلك حيز نقدى أوسع فيما يتعلق بسعر الصرف والفائدة،
وأوضح أن تقرير “الأونكتاد” دقيق وفي غاية الأهمية ومناسب جداً لمصر في الفترة الحالية من الناحية الأقتصادية والتنموية، بالإضافة إلى أن هناك لحظة فارقة في تاريخ مصر، و لديها أختيارات كثيرة ، ويجب أن تكون هناك نظرة من خلال صانع القرار في مصر، وأن تؤخذ التوصيات موضع الأعتبار للتنفيذ لكي تؤدي لنتائج وتنمية حقيقية لمصر، فرغم أن هناك أزمة أقتصادية ، لكن الاقتصاديين يعطون تنبؤ دائما، والغرض من التنبؤ الاقتصادي أن تعرف مصر منابع الاسواق الأساسية المفيدة لها ، و اذا كان هناك تباطيء في النمو الاقتصادي مع شركائنا التجاريين الاساسيين ، وكيف يتم التغيير والتحول من الشركاء التجاريين الذين يعانون من تباطؤ في النمو الي شركاء تجاريين أخرين لديهم فرصه أكبر لنمو أسرع .
وبالإضافة إلى أن هناك مؤشرات تقول أننا نعود الي تحقيق نمو اقتصادي ولكن بوضع جديد ، ولكن ما نشاهده حاليا لا يختلف كثيراً ، بل بالعكس هو استمرار للسياسات الاقتصادية القديمة، إلي جانب أن هناك سياسة تقشفية مالية وهنالك سياسة نقدية توسوعية ، وهذا الوضع الجديد لن يؤدي الي شيء.
وقال محمود الخفيف أن التنبؤ الاقتصادي للدول المتقدمة (أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان) يؤكد ان نموها الاقتصادي سيكون ضعيف ولا يقارن بما كانت عليه من قبل 2008 ، وبالتالي يجب تغيير وضع السياسات في العالم النامي وبالتحديد مصر بالتحول الاقتصادي إلي أفريقيا وشرق أسيا .
وأشار إلي أن العالم النامي علية أن يأخذ خطوات حقيقية من أجل تغيير السياسات الإستراتيجية، على عكس التوجه الإقتصادي الذى تم إتباعه خلال الـ30 عام الماضية ، بما يسمي نشأة التجارة العالمية أوما يسمي بمظلة الليبرالية الغير منتظمة والغيرالمقيدة ، ، و يجب أن يتغير هذا التوجه اذا كان هناك جدية من ناحية التنمية والنمو، و يجب أن تكون هناك حزمة من السياسات البديلة الطموحة والتى يمكن تطبيقها في الإطار السياسي الأقتصادي الجديد بعيداً عن سياسة الانفتاح، و هذا الامر يتطلب طموحات وحيز سياساتي أوسع ، بما فيها الأدوات السياسية المتاحة لصانع القرار، بمعني هل يمكن فرض ضرائب أكثر ، هل هناك أمكانية لوضع قيود علي حركة رؤس الأموال، ولكن الوضع المتاح الأن لدي صانع القرار هو أضيق مما يحتاجه لتطبيق سياسة استراتيجية تنموية جديدة ، و إذا تم إتاحة حيز سياسات ، يجب أن يكون هناك حيز مالي أوسع مما هو متاح ، مع وجود إمكانية تطبيق سياسة تنموية ويجب أن يكون هناك حيز نقدي لصانع القرار ، ما يسمح بسياسة نقدية واسعه .
ويجب الإشارة إلى أنه رغم وجود تغييرات دائمة في نمط النمو العالمي ، والتى بناء عليها يجب علي مصر تغيير الشركاء التجاريين و تشجيع التصدير بشكل اساسي ، ولكن هذا يجب أن لا يتعارض مع تشجيع الطلب المحلي ، وما يحدث الان أن الشركاء التجاريين الذين يتم التصدير لهم هم أصحاب الأقتصاد والنمو الضعيف من العالم المتقدم الأن ، فيجب تغير هذه السياسة.
وأوضح محمود الخفيف أن النمو الاقتصادي للعالم المتقدم حاليا أقل من 2 في المائة، في حين أن هناك نمو سريع في كافة الدول النامية ، فهناك تحول في الشركاء التجاريين ، وعلي أساس هذا يجب وضع سياسات جديدة للتحول للشركاء التجاريين الأكثر نمواً.
وأوضح التقرير أسباب ضعف النمو في الدول المتقدمة ، بسبب إتباعها نفس السياسات السابقة من سياسات نقدية توسوعية ، وزيادة عرض النقد وأيضاً بسبب إتباع سياسات تقشفية ، ويتطلب الخروج من ضعف النمو الأقتصادي الذي طال أمده، تدعيم الطلب الكلي عن طريق زيادة الأجورالحقيقية، وزيادة المساواة في توزيع الدخل بدلاًمن اللجوء إلي فقاعات مالية جديدة بسبب المضاربات.
ويذكر التقرير أن هيمنة التمويل الرأسمالى المستمرة علي الإقتصاد الحقيقي ، وإستمرار الهبوط في نسبة الأجور يوضحان العجز عن معالجة أسباب الأزمة وعدم تحسنها بشكل طبيعي.إلي جانب أن المكافئات لكبار العاملين بالشركات مرتفعه للغاية ، بعكس أجور العاملين والأسر ثابته تقريباً، الامر الذي يضعف من قدرة هذه الدول علي النمو.
[T-video embed=”https://www.youtube.com/watch?v=A0FxwnBV34M”]
وأوضح أنه يجب أن يقوم صانع القرار في العالم المتقدم بتغيير حقيقي في نمط السياسات السابقة، و يجب أن يغير الشريك التجاري في أوروبا والولايات المتحدة ، وأن يتبع سياسة مالية توسعية وأن يتحمل قدر من التضخم ، وأيضا يجب أن يقوم بتنظيم حركة رؤس الاموال لخلق قدر من الثبات في القطاع المالي والقطاع المصرفي ، وعلى الجانب الاخر يجب أن يقوم بإعادة توزيع الدخل للطبقات الفقيرة لرفع زيادة الطلب الكلي المحلي.
وأشارإلى أن أفريقيا في عام 2014 تعافت بشكل سريع ، ومتوقع لها نمواً كبيراً ، فيجب علي صانع القرار تغيير الشركاء التجاريين لتحقيق نمو اقتصادي في الفترة القادمة في أفريقيا وبالتحديد في سوق جنوب الصحراء ، علي العكس شمال أفريقيا فالوضع غير جيد ، حيث حدث تراجع في 2011 بسبب ثورة الربيع العربي ، و يزداد الأمر سوءاً في مصر وليبيا و الجزائر ، بعكس المغرب فحالتها الاقتصادية متعافية ، بالاضافة أن هناك سوق أخري يمكن الأعتماد عليها كجهة للتصدير وهى جنوب شرق أسيا.
وأوضح أنه بشكل عام ، فإن نمو التجارة العالمى في حالة ضعف، وان هذه رسالة أخري لصانع القرار العالم الذى يعمل منذ 30 عام لتشجيع الصادرات دون النظر لحجم التجارة العالمي ومعدل الزيادة في الصادرات ، والتى أصبحت أقل مما كان عليه قبل 2008 بنصف المعدل تقريبا ، فإذا كانت الدولة تشجع فقط الصادرات ، فهذا خطأ ليس ضد الصادرات ذاتها ، ولكن الاعتماد الكلي عليها بشكل أساسي هو خطأ كبير ، إذ يجب الاعتماد الاساسي علي الطلب المحلي والإستهلاك الحكومي و الإستثمار عام وخاص .
وأوضح التقرير أن هناك ارتفاع في معدل الأسعار للسلع الأساسية مثل البترول و الغاز والتعدين و السلع الغذائية مثل القمح ، ومن المتوقع في السنوات القادمة الاستمرار في زيادة إرتفاع الأسعار .
وأشار إلى أن معدلات تدفق رؤوس الاموال مترددة، ومع هذا التذبذب والزيادة وتناقص التدفق لا يمكن وضع سياسة حكيمة من جانب صانع القرار والقيادة السياسية بمصر في ظل هذه الازمة التى يجب التحكم فيها أوالتقليل منها .
وقال محمود الخفيف: إن مصر فى الستينات كانت لها سياسة صناعية ، فيجب أن توضع سياسة تحفز القطاع الخاص على الدخول فى صناعات بعينها، كما يجب إعادة التفكير فى السياسة التجارية الحالية لحماية بعض الصناعات واستخدام الموارد الطبيعية المتوافرة.
وأوضح الخفيف أن مصر لديها أكثر من 100 اتفاقية ثنائية للتجارة والاستثمار وكل أتفاقية مع دولة لها قواعدها و شروطها ، وهى قواعد أكثر صرامة من الإتفاقيات متعددة الأطراف ، بالإضافة إلى أن القضاء المصرى ليس له أى علاقة فى حالة حدوث مشكلات أو خلافات بينما يتم الرجوع إلى جهات قضائية سيادية تابعة للمؤسسات الدولية مثل وحدة تحكيم البنك الدولى التى تهتم بخدمة الرأسمالية العالمية والمؤسسات التابعة للعالم المتقدم على حساب الدول النامية.
وأضاف أن البنك المركزى المصرى ليس له دور رقابة على خروج رؤوس الأموال الأجنبية فى أى وقت وضرب مثالاً بأنه فى مارس 2011 كان حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى فى مصر 35 مليار دولار .. وفى غضون شهر واحد خرج من حجم هذا الاحتياطى 10 في المائة مما كان يتطلب من مصر اتخاذ إجراءات استثنائية.
ويشير تقرير الأونكتاد إلى أن 290 بليون دولار من رؤوس الأموال تتوجه إلى الملاجئ الضريبية ، وهناك جزر صغيرة تعطي اعفاءات ضريبية كثيرة ، فهذا يسهل التهرب الضريبى عن طريق الاستثمار الخارجى من خلال الشركات عابرة القرات ،والتصدير بسعر اقل من سعر السوق لعمل خسائر للتهرب من الضرائب بما يساوى هدراً قدره 160 مليار دولار بالنسبة للدول النامية.
فيجب أن تكون هناك قوانين من الامم المتحدة في مسالة التهرب الضريبي والملاجيء الضريبية وضرورة الشفافية من قبل الشركات والدول الكبري .
كما دعا تقرير الأونكتاد إلى إعادة النظر فى عقود استخراج البترول والغاز والتعدين فى الدول النامية لأنها تخدم مصالح الشركات العالمية على حساب الدول النامية التى لا تستفيد بشكل كاف من مواردها الطبيعية.
وقد أشاد أحمد السيد النجار رئيس مجلس ادارة مؤسسة الأهرام بتقرير مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” وقال: أنه يتسم دون كل المؤسسات الدولية بالديمقراطية وعدم التحيز الأمر الذى لا يتوفر في أصدارات مؤسسات دولية أخرى كإصدارت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بحكم هيمنة الدول الصناعية المتقدمة علي تلك المؤسسات ، والتي تتسم بدرجه عاليه من التحيز لوجهات النظر التي تعبر عن مصالح الدول الصناعية المتقدمة المهيمنه علي تلك المؤسسات المختلفة ، بينما يختلف الامر بالنسبة للأونكتاد ، لأنه يتميز بدرجة عالية من الديمقراطية ، وتأتي إصداراته دائماً معبرة عن مواقف وطموحات و تصورات الدول النامية وبالتحديد مصر.
وفى سؤال من جانب وطني للدكتور محمود الخفيف عن الاستثمار الداخلي والسوق المحلي وكيفية أستغلال صندوق التنمية الاجتماعي في الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر؟
أجاب الدكتور محمود الخفيف : أنه يجب تزويد الطلب المحلي للدعم من أكثر من قناة ، وأعطي مثل للمشروعات القومية بــ “قناة السويس” التي تنفق علي الاستثمارات وشركات المقاولات. وقال أن الاستثمار يعطي زيادة علي الطلب، وزيادة العمالة تعمل علي زيادة عجلة الانتاج والانفاق والاستثمار المحلي، الي جانب ضرورة إعادة توزيع الدخل بتقليل الفارق بين الطبقات لزيادة الطلب والبيع والشراء ، و يجب ان نضع هذا في اطار سياسة ورؤية تنموية في توظيف قطاع صناعي أو قطاع زراعي بعينه، و يجب إستغلال صندوق التنمية من جهة صانع القرار، كما يجب توظيف الاستثمار في الصناعات الصغيرة وعمل مشروعات صغيرة و مناطق صناعية قريبة من المدن للصناعات الصغيرة ، و هذه المسألة ترجع للحكومه والرؤية التنموية ، فإذا كانت هناك قطاعات صغيرة ومتوسطه يجب وضع خطة لها، وما يتم الان في القطاع و الصناعات الصغيرة والمتوسطة لم يوضع في اطار تنموي شامل ، ولم يوضع له رؤية، بمعني أنه أقرب إلى العشوائية ، فيجب توظيف هذه القطاعات من خلال رؤية أكبر فى ضوء سياسة صناعية أكبر.