“نائب الخدمات أم نائب التشريع والرقابة” مفهوم بات مُحيراً للكثريين ، خاصة بعد ثورة 25 يناير وحدوث حراكاً سياسياً بالمجتمع أوجد واقعا ناقداً ومحللاً ومُفنداً لبعض الممارسات التى كانت تحدث قبل ذلك الوقت ، منها ما يتعلق بالنواحى البرلمانية .. فى هذا التحقيق نلقى الضوء على طبيعة الدور الذى يقوم به النائب البرلمانى ، هل هو دور خدمى لصالح المواطنين فقط ؟ أم دور رقابى على أداء الحكومة وصياغة للتشريعات والقوانين المنظمة للحياة السياسية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية ..؟ أم دور مزدوج يجمع بين المفهومين ، وذلك فى ظل الإستعداد لخوض البلاد للمرحلة الثالثة من خارطة المستقبل ، ألا وهو الإستحقاق البرلمانى .. ولأهمية هذا الموضوع أجرت ” وطنى” هذا التحقيق للوقوف على دور النائب فى مجلس النواب القادم مابين الممارسة التاريخية والواقع المُعاش والمأمول .
فى البداية أوضحت أمينة النقاش نائب رئيس حزب التجمع أن : النائب البرلمانى يجب أن يكون فى الأصل نائب تشريع ورقابة لكن تحوله فى العقود الأخيرة إلى نائب خدمات أفقد الحياة البرلمانية الكثير من فاعليتها، حيث أصبح الولاء ليس للأفكار والمصلحة العامة وإنما لشخص النائب الذى يقدم الخدمات .. فى حين أن النائب عليه دور و واجب آخر ألا وهو مراقبة أداء الحكومة والمشاركة فى إصدار القوانين والتشريعات التى ينتظرها الشارع المصرى ، ولكن الحكومات المتعاقبة وخاصة فى عهد “مبارك” رسخت من وجود النائب الخدمى ، لأن هذا النظام كان يُساعد على تمرير القوانين والتشريعات المختلفة دون اعتراض أو مُجادلة من جانب النواب .
وفيما يتعلق بالمحددات القانونية والدستورية المنظمة لهذا الجانب قالت ” النقاش” : هذا الموضوع يحتاج لوقت من الممارسة والتعلم من التجارب المتراكمة ، فضلاً عن رؤية النائب المرشح وتفهمه لأهمية وحساسية المرحلة الراهنة، ويجب الإنتباه إلي مسألة المعادلة الجديدة التي وضعها الدستور الجديد ألا وهي جعل اختصاصات البرلمان أكبر بكثير من اختصاصات رئيس الجمهورية مما سيجعل المجلس القادم هو المسيطر علي الحياة السياسية والإجتماعية والاقتصادية, ومن هنا علينا أن نرسخ مبدأ اختيار نواب الشعب علي أساس مدي إدراكهم للقوانين والتشريعات والخبرات السياسية المتراكمة فضلاً عن هموم الشارع والإجراءات الإصلاحية التي ينتظرها وليس بالقدرة علي توزيع الزيت والسكر، أما الخدمات فهي من صميم عمل المجالس المحلية إلي جنب المؤسسات الحكومية، علما بأن استمرار النائب الخدمي مرتبط بتدهور الخدمات العامة .
تقديم الخدمات للمواطنين
من جانبه أوضح المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أن الدستور في هذا الشأن أتاح حرية الجمع بين أكثر من نظام انتخابي سواء بالقائمة أو من خلال النظام الفردي، وفي حالة القائمة فإنه يكون لكل حزب مرشحوه ويختار النائب برنامج الحزب دون معرفة أو إلمام بكل الأسماء المدرجة علي القائمة.. ولكل نظام عيوبه ومزاياه، وبما أن مصر بها حوالي 40% أميين و45% فقراء يقل دخلهم عن دولار يوميا، وكما أن مصر اعتادت علي الانتخابات البرلمانية بالنظام الفردي كما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وهنا يعرف الناخب المرشح أكثر منه في النظام الفردي، وبالتالي فإن مسألة تقديم الخدمات واردة خاصة وأن الدستور أعطي حرية الجمع بين النظامين، من ناحية أخري، فإن النظام بالقائمة يشوبه بعض العيوب في ظل وجود حوالي 92 حزبا في الشارع السياسي وحوالي 20 حركة سياسية، وكل هذا العدد دون الفاعلية المطلوبة، هذا بالإضافة إلي أن 60 من الأحزاب الموجودة هي أحزاب محظورة نظراً إلي أنها تقوم علي الأساس الديني، ولا نعلم لماذا هي مستمرة حتي الآن، بل وتستعد لخوض الإنتخابات النيابية ، فلو أن الوضع السياسى مستقراً مثلما هو الحال فى الولايات المتحدة وانجلترا وغيرها ، من حيث وجود حزبين كبيرين فقط على الساحة وباقى الأحزاب صغيرة ليس لها تأثير يُذكر على الحياة السياسية ، خاصة وأنه من أسس حزباً جديداً هو وجود وتوفر قاعدة شعبية واسعة ، مما يؤكد وجوب إنشاء حزب سياسى جديد يُعبر عن تلك القاعدة الواسعة .
واستطرد المستشار حامد الجمل قائلاً : من ناحية أخري فإنه توجد عشوائيات في مصر كثيرة، مع وجود خدمات ضعيفة تقدم للمواطنين، فإن الدستور أتاح أن يجمع النائب بين الدراية التشريعية والرقابية داخل المجلس ، جنبا إلي جنب تقديم الخدمات المناسبة للمواطنين، ولذلك فهذا أمر تفرضه الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد.. فمن الطبيعي أن يسعي النواب إلي إتاحة وتوفير الخدمات كل في دائرته التي يمثلها، فضلا عن أن عدم وجود مجلس تشريعي في الوقت الحالي يتيح للرئيس عبدالفتاح السيسي أن يصدر التشريعات اللازمة لإعادة تنظيم مسألة الفوضي الحزبية وتنقية المجتمع السياسي من تيارات الإسلام السياسي، وهذه التيارات ليست لديها برامج سياسية تنموية غير الأمور الدينية والعقائدية، وبالتالي فإن اعتمادهم سيكون كبيراً للغاية علي تقديم الخدمات، واستغلالاً للأوضاع المعيشية .
تفعيل المجالس المحلية
أكد الدكتور إيهاب الخراط عضو مجلس الشوري السابق والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي : وجود مجلس نواب منتخب قوي يقوم بدوره أمر ضروري وفي نفس الوقت يكون باستطاعته عزل رئيس المجلس .
ويري الدكتور إيهاب الخراط ضرورة تحقيق قانون المجالس المحلية طموحات المواطنين في التنمية وإتاحة الخدمات الحقيقية، حتي لا تتعارض مع مسألة الفاعلية البرلمانية فيما يتعلق بالرقابة لأداء الحكومة وسن التشريعات والقوانين اللازمة للمجتمع وبين تقديم المرشح للخدمات، كما طالب بأهمية التركيز أكثر علي الأخذ بنظام القائمة الحزبية وعدم استرسال الإعلام فيما يتعلق بأن الأحزاب السياسية في مصر ضعيفة، لإستبعاد أو تضييق نظام القائمة في الإنتخابات القادمة، مؤكداً أن الأحزاب ليست علي هذه الصورة، بل توجد ثلاثة أو أربعة أحزاب قوية، ومجموعة أخري من الأحزاب تماثل هذا العدد أقل تأثيراً من الأولي .
وبسؤاله عن إمكانية إيجاد نظام داخل المجلس يضمن وجود توازن فيما يتعلق بالنواب الأكثر تعليما وإلماما بأمور التشريع والرقابة، أوضح الخراط أن آليات المجلس المفترض أن تكون موحدة لا تتضمن إطلاقا وجود مثل هذا التوازن, مؤكدا أن أرض الواقع ينبئ بوجود نائب الخدمات أكثر انتشاراً من نائب الرقابة والتشريع .
فادي لبيب