احجار الواقع الغليظة تعلو يوما بعد يوم…فتبني جدران العذاب يقف الفقراء خلفها فتفصلهم عن مباهج الحياة بل عن ضرورياتها أيضا…تسد الدروب بينهم وبين العلم…بينهم وبين الصحة…بينهم وبين المستقبل..نحولهم إلي أشباح لاترغب إلا في الهروب من الضوء خشية أن تصطدم به فتتلاشي نفسيا…نعم أنني رأيت أناسا يهربون من المجتمع لأنهم يشعرون بالظلم منه…بالخجل من الانخراط فيه…
ضيق ذات اليد نال من ثقتهم بأنفسهم…ذات مرة جائتني سيدة أرملة…كانت ودودة جدا وتحتاج للمساعدة…روت لي قصتها وأثناء حوارها تلفتت حولها في خجل وذهول ثم قالت لي:أنا مش عايزة أجي هنا تاني…أنا مش شبهكم ولا زيكم…دي أخر مرة أجي هناقالتها ثم بكت كثيرا…التفت حولي لاري ما الذي يدفعها لهذا الشعور…فلا بزخ ولا تكييفات ولاسجاد ولا أي مظهر من مظاهر الترف في المكان…ادركت أن الشرخ في النفس قبل المحيط.
أولئك الذين عزل نفوسهم وطن كاد أن يتلاشي أثره في أيامهم…لايحملون منه إلا هوية في محافظهم الخاوية-أن وجدت أصلا-لايتذكرون عنه إلا الحرمان والتشرد ومد الأيادي لمن يملأها مرة ومن يصفعها مرة…أولئك الذين لم يجدوا صدرا حانيا جاهزا للاتكاء…ولا مستشفي ينقذهم بلا تأمين…ولا مدرسة تمنحهم علما بعيدا عن طاولة الدروس الخصوصية التي الهبت جيوب القادرين فما بالنا بالمحرومين…أولئك الذين لم يجدوا معاشا بعد رحيل الأحباء…ولم يجدوا سندا في غياب العائل…ولم يقدم لهم الوطن إلا الأرض التي يفترشونها…ثم يلاحقهم والتهمةمواطن شرده الفقر…أولئك ياتينا بعضهم فنحاول جاهدين أن نسد بعض احتياجهم شهريا…مواطن يبحث كل شهر عن وطنه فلا يجده…فيحرر محضرا فاقد فوق المتبقي من كرامته ليتسول تالعون من هذا وذاك.
ث.ج.د…
لم تكن السيدة التي زارتني عام2009 تشكو هم الحياة مجرد امرأة عادية…بل كانت سيدة بسيطة لكنها مختبرة للحياة بسبب طبيعة عملها في الداخلية…عملها الذي فقدته بحجة أنها مختلة نفسيا…ثم تشردت في الشوارع…لها ابن مريض نفسي حاول الانتحار أكثر من مرة وأخر قهرته ظروف الحياة يسعي لرزق ابنائه…كانت هذه السيدة الحالة الأولي لباب افتح قلبك…والتي علي أثرها بدأنا في صرف اعانات شهرية لكل من يحتاج بعد نشر قصته مع المحافظة علي سرية بياناته…فالمستورين لابد أن يظلوا مستورين…والمعدمين أيضا لهم خصوصية وأبناء نخشي أن نجرح مستقبلهم…نعود إلي السيدة العجوز وقد ساءت حالتها الصحية…واستقرت في أحدي محافظات الحدود…تسكن حيث يسكن ولديها…وتحيا بالكاد معهما…ما زلنا علي العهد معها فالأسرة بأكملها تحتاج العون في ظل ظرف اقتصاد ضاغط علي الجميع وبطالة طالت علي عائلة.
ن.ج.ج.
امرأة في الأربعينات من عمرها نشرنا قصتها منذ مايقرب من عامين…لدها ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة…رحل زوجها عن الحياة في اليوم الأول لتحقيق حلمه ودخول ابنه أحدي كليات القمة…مازال الشاب علي اعتاب السنة قبل النهائية من الدراسة…وأخيه في السنة الثانية من إحدي الكليات النظرية واختهما في الثانوية العامة…ووالدتهم لم تجد عملا حتي الآن بعد أن طفنا بحثا عن أي عمل يناسب طبيعة ظروفها -حتي الثانية عصرا-…الأم متعطلة والمعاش لايتعدي600جنيه…والحياة صعبة…والمرض زائر مستمر للابناء والأم معا…لكنها شاكرة تحيا…والله لايترك بنيه.
س.أ.ه
سيدة في الثلاثينات من عمرها ظلت تعول زوجها لمدة عامين…عامان من الرقاد التام ولا كلمة ولا حركة…بسبب ورم في المخ ادي إلي شلل في كل الوظائف…لايملك إلا أنفاسا تخرج وتعود…ترد الأمل فيها أحيانا وأحيانا آخره تصده…لديها ابنتين…ولا معيل…أخوة الزوج الذي رحل منذ شهور يتعاركون حول ميراثهم…فالشقة ليست باسمها ولا باسمه…أنه منزل مشاع…ونصيبها كان الطرد…نعم طردوا لحمهم…نعم اهانواعضم التربة …نعم لم يعد للنخوة محل بين الناس…وها نحن معها والله يسدد عنها ماتحتاج إليه.
تلك نماذج لحالات فقدت عائلها…كلهن أرامل…وهناك العديد من الحالات التي فقدت عائلها لهروبه من المسئولية أو لتغيير دينه أو لاختفائه في أحداث الشغب العام الماضي…وحالات لم تفقد عائلها…ولكن عائلها فقد قدرته وصحته ورزقه…حالات أقصي مايمكن لعائلها أن يقدم المأكل لذويه بينما لايمكنه علاج أحدهم في مرضه…وهؤلاء كثيرون جدا جدا…وأخرين يريدون استكمال مسيرة التعليم لأبنائهم ولايتمكنون …وغيرهم مهددون بالطرد من مآواهم ولايملكون دفع الايجار..فعنهم يكون السداد الشهري..الله يفتح ولا أحد يغلق… الله يرسل ويستجيب لأولئك الذين رفعوا أياديهم في لحظة عوز يطلبون الستر…فحسن في عيني الله لأعوام وأعوام طلبهم…فيا ليته يحسن في أعين الجميع
أيضا لينفذوا مشيئة الله في المعوزين.
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
420 جنيها علي روح المرحومة إميليا فهيم بسوهاج
1200 جنيه إيلين