يمثل العمل التطوعي الخيري قيمة لا غنى عنها في المجتمعات الحديثة الناهضة، لاسيما وأن الحكومات- وفي جميع الدول- لم تعد قادرة على القيام وحدها بتقديم كافة الخدمات التعليمية والصحية، بالإضافة إلى مساعدة المحتاجين وغير القادرين ماديًا وغير ذلك من سبل المساعدة.
وقد عرف المصريون في تاريخ مصر الحديث والمعاصر ظاهرة تأسيس الجمعيات الأهلية خلال سنوات القرن التاسع عشر، وهي الظاهرة التي مازالت مستمرة إلى اليوم، بدأها الأجانب المقيمون في مصر، ثم قام المواطنون المصريون بتأسيس العديد من الجمعيات الأهلية الخيرية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية (1878م) والجمعية الخيرية القبطية (1881م)، فضلًا عن بعض الجمعيات العلمية والثقافية، حيث كانت تلك الجمعيات- وفي الغالب- تقدم خدماتها للجميع دون تفرقة أو تمييز، لاسيما وأنها اهتمت بتأسيس المدارس والمستوصفات والمستشفيات والملاجئ والمشاغل ونشر الثقافة والمعرفة بطباعة الكتب وتنظيم الندوات.
وواقع الأمر أنه تتنوع مجالات العمل التطوعي التي يستطيع أن يقوم بها المواطن ما بين التبرع بالمال لإحدى الجمعيات أو المؤسسات الأهلية، أو من خلال التبرع بالوقت والجهد بواسطة المشاركة في نشاط اجتماعي تقوم به جمعية أو مؤسسة خيرية.
وفي المجتمع المصري في الوقت الراهن فإن هناك الكثير من المشروعات الخيرية التي تحتاج إلى تعضيد وتدعيم المصريين، من الداخل والخارج على السواء، منها مدينة العالم الدكتور أحمد زويل العلمية ومركز القلب بأسوان لمؤسسه الجراح العالمي الدكتور مجدي يعقوب، ومستشفى علاج سرطان الأطفال (57357)، والمعهد القومي للأورام المختص بعلاج السرطان في القاهرة وعدد من المحافظات، وكذلك مكاتب الخدمة الاجتماعية الموجودة في كل كنيسة، فضلًا عن العديد والعديد من الجمعيات الأهلية الخيرية التي تقدم خدماتها لجميع المواطنين المصريين في مجالات شتى ومتنوعة منها: علاج المرضى، ورعاية الأمومة والطفولة، وتقديم القروض للشباب لتنفيذ المشروعات الصغيرة، وإكساب البعض المهارات وتعليم الحرف والصناعات المختلفة، ومن ثم مواجهة شبح البطالة، وكذلك محو الأمية وعودة المتسربين من التعليم إلى فصول الدراسة، ونشر الوعي بقضايا المجتمع.. الخ.
القراء الأعزاء..
على الرغم من زيادة أسعار الطاقة مؤخرًا، وما ترتب عليه من ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات، وشعور البعض منا بالمعاناة الاقتصادية، فإنه لا يمكن التخلي عن مبدأ العمل التطوعي كمبدأ إنجيلي وكتابي، ذلك أن الكتاب المقدس، ومن ثم مسيحيتنا، إنما يعلمنا دومًا أن نطرح خبزنا على وجه المياه وأن نقدم بكل فرح وسرور عشور المال والوقت والجهد لصالح المجتمع الذي نعيش فيه حتى يستفيد إخوة وشركاء لنا في الوطن والإنسانية.
ومن جانب آخر فإنه لا يمكن التخلي عن العمل التطوعي كمبدأ وطني وإنساني، إذ يجب على المواطن أن يفيد المجتمع الذي يعيش فيه وينتمي إليه وأن يكون كل مواطن- وبقدر طاقته- قوة عاملة ذات نفع عام، كما أننا جميعًا شركاء في الإنسانية وأعضاء في مجتمع إنساني واحد، وما يصيب عضو فإنه يؤلم بقية الأعضاء، مما يتطلب معه أن نشعر بهموم الآخر واحتياجاته وأن نتحرك لرفع المعاناة عنه.