ثمة تشابه كبير بين الفرح المبالغ فيه والحزن المفرط، فرغم اختلاف الحالة المزاجية إلا أن الحالة النفسية والعقلية ربما تتشابه إلى حد كبير، فكلاهما يعكس مشاعر ومواقف تتسم بالحدة والتطرف. وفى القاهرة، مدينة المتناقضات، أصبح من الطبيعى تجاور الأفراح والمآتم،
صخب هنا وصخب هناك. ولا نبالغ إذا افترضنا ان الحالة السياسية، فى عموميتها، تبدو كمرآة عاكسة لهذا الوضع، فإن أحد أهم سمات الحالة السياسية المعاشة هو أنها حالة تتجاور فيهاالأفراح والمناحات السياسية. ولكن المختلف فى عالم السياسة، أن كثيرا من الفرحين والناقمين يزعمون أنهم يمتلكون ناصية الحقيقة، بل إن البعض يعتبر فرحه تعبيرا عن إنتصار الحق المطلق، والبعض يرى ان حزنه ما هو إلا نقمة على هزيمة ساحقة باتت واقعا لا مفر منه. وهكذا نجد أنفسنا أمام مستقبل بالغ الإشراق فى نظر البعض، وحالك السواد فى عيون آخرين.
لقد قدمت الانتخابات الرئاسية المصرية نموذجا مثاليا على اختلاط المشاعر والأفكار وتصادمها. فقد تم التعامل مع الانتصار المتوقع للسيسى إما من خلال فرحة غامرة وكأن ما حدث هو بداية جديدة للتاريخ، وبالمقابل فقد تعالت أصوات تسفه حاضرنا وتنعى مستقبلنا معلنة نهاية التاريخ. وما بين الموقفين هناك أغلبية، لا يسعها سوى الترقب، والبعد عن الإفراط فى التفاؤل أو التشاؤم، والاقتراب أكثر من التمنى والخلاص، التمنى بأن تسير الأمور نحو الأفضل من منظور المصالح، والخلاص من وضع بات بلا أفق أو معنى.
ومع ذلك، فقد نجد مبررات تفسير الفرح الغامر أو الحزن المفرط.فربما يمكن تفسير الفرح بأنه نتاج قناعة البعض بأن الرئيس القادم هو الأفضل فى الظروف الراهنة، وقد تكون هذه القناعة بسبب وعى أو بسبب غياب الوعى، كما يمكن دائما تفسير الابتهاج والفرح من منظور المصالح لدى من يتوقعون مكاسب ما فى ظل الأوضاع السياسية الجديدة. وبالمثل فإن الحزن يمكن تفسيرهبالأسباب ذاتها ولكن بصورة معكوسة، بمعنى القناعة بأن الرئيس القادم هو الأسوأ فى الظروف الراهنة وفى كل الظروف، وقد تكون هذه القناعة بسبب وعى أو بسبب غياب الوعى، وفيما يتعلق بالمصالح فلن نجد إلا الأسباب ذاتها التى تدعو فريقا آخرا للفرح، وهى أن البعض يرى أن مصالحه لن تتحقق فى ظل النظام الجديد. ولعل الموقف الأكثر وضوحا وشفافية فى هذا السياق هوموقف المجموعات والجماعات التى تضررت أو أضرت نفسها سياسيا مثل جماعة الإخوان المسلمين.
وفى الحقيقة أن الفرح الغامر أو الحزن الشديد فى صورتهما السياسية ليستا حالة وجدانية، ولكنهما حالة سياسية تستحضر الآخر وتصنفه، وتضعه خارج حدود الحالة المفترضة، فمن لا يفرح لفرحنا فهو ليس منا ومن لم يحزن لحزننا فهو ليس منا. وقد رأينا نتائج هذه الحالة الاستبعادية فى الحياة العامة، وفى فضاء التواصل الاجتماعى، حتى بين الأصدقاء. وللأسف فإن هذه الحالة الاستبعادية، والتى وصلت إلى إهانة الآخرين بشكل صريح أو ضمنى، ربما تكون المظهر أو النتيجة الأسوأ فى كل ما يحدث. ولأنها الأسوأ فقد أثارت لدى الكثيرين حالة من النفور والعزوف عن مجمل الحالة السياسية بأفراحها وأحزانها، فكان الابتعاد عن المشهد بكامله ملاذا للحفاظ على التوازن النفسى والسلامة العقلية والوجدانية أكثر من السلامة السياسية. وإلى أن تتبلور مشاريع فعلية تحول طاقة الأفراح والأحزان إلى أفعال من أجل الإصلاح والتغيير، قد لا يكون فى وسع من هم خارج دوائر الفرح الغامر والحزن المفرط إلا أن يقولوا للفرحين “ألف مبروك ولكن كونوا واقعيين”، ويقولوا للناقمين “نشاطركم الأحزان ولكن كونوا عمليين”.