نعلم من التقليد الرسولي والكنسي أن يواكيم وحنّة – والدّي العذراء مريم – قدّماها لتتربّٓى وتخدم في الهيكل، منذ صغرها.
وذلك انّٓ حنّة كانت عاقراً، فطلبت من الله أن يعطيها ولداً لتنذره وتكرّسه لخدمته تعالى، فرزقها هذه الإبنة الممتلئة نعمةً.
ولما بلغت الثالثة من عمرها، أخذها أبواها وقدّماها للربّ عن يد زكريّا الكاهن، لتسكن قريباً من هيكل أورشليم.
وهذه التقدمة كانت أفضل التقادم وأقدسها، منذ أن بُني الهيكل، لأنها تقدمة إبنة تفوق بقداستها وجمال نفسها وجسدها سائر الملائكة والقدّيسين والبشر، وكان ابن الله مزمعاً أن يحلّٓ في أحشائها ويتّخذ من جسدها جسداً بشرياً كاملا ً.
فأصبحت مريم بكل قواها لله، تتفرّغ للصلاة والشغل اليدويّ وتتعلّم القراءة وتنكّبُّ على على مطالعة الكتب المقدّسة. فأدركت كل ما فيها عن تجسّد ابن الله. بقيت في الهيكل احدى عشرة سنة مُختلية بالله غارقة في بحر كمالاته.
كانت تحب التعب والشغل وتتقن جميع أعمالها، تنام قليلاً وتكدّ كثيراً. ألفاظها عذبة، منادمتها لذيذة. وكثيراً ما كانت تخاطب الملائكة وتناجي الله.
أقامت في الهيكل حتى بلغت الخامسة عشرة من عمرها، وعادت إلى الناصرة حيث قبلت سرّٓ البشارة. ثم أخذها يوسف خطيبها إلى بيته، بعد أن ظهر له الملاك.