† أستدعت دعوه قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والتى اطلقها قداسته بعد عيد القيامة المجيد 2014 قراراً لمجمع نيقيه عام 325 م والذى نص على تفويض قداسة بابا الاسكندرية بالدعوه المسكونية الى توحيد يوم الاحتفال بعيد القيامة المجيد ليكون الاحد التالى لعيد الفصح اليهودى .. أذ لاقت دعوتة الذى تعد امتداداً رسولياً اصداءاً طيبة فى انحاء الكرازة المرقسية .
† ابرق ذلك الامر فى ذهنى عشية 15مايو ونحن على بعد خطوات من تلك البقعة المقدسة التى لبيعة القديس اثناسيوس الرسولى فى قلب صعيد مصر .. حيث انطلقت بنا السيارة عبر الطريق السريع الغربى ـ أسيوط / الغنايم ـ لتعرج عن الطريق يميناً 18 كم تقريباً من مدينة اسيوط وتسير بصعوبة عبر طريق ضيق ممتد يفصل مابين البيوت الريفية لاهالى قرية دير الزاوية .. لتظهر امامنا تلك البقعة ذات الاشعاع الرسولى الخاص .. البيعة المقدسة التى للقديس اثناسيوس الرسول البابا الـ20 والتى تعد من اغلى المناطق تراثاً واعمقها روحانية .. سور الدير الضخم والذى يحيط بمبانية وكنيسته والذى يصل عرضة الى قرابة 3.30 م يرى من مسافة بعيدة بحجارتة الضخمة التى يفصلها حوائط ترابية .. لازال يحتفظ بطابعة القديم .. لا يزل يقف صامداًُ .. صمود ورسوخ أيمان قديس البيعة والذى يرجع تاريخة الى تاريخ الدير نفسة .. حوالى القرن الثانى الميلادى اى ماقبل ظهور الحياة الرهبانية الديرية فى مصر .. والذى يسجل ( فى كتابات المؤرخين ) كأقدم دير على مستوى العالم .
† عندما دخلنا من البوابة الضخمة المفتوحة للمصليين المتزاحمين حيث بدأت صلاة عشية عيد قديسنا ابتهجنا جميعاً .. اكتسى المناخ بروحانية الاباء وعبق سيرتهم .. أزدحمت الساحة الترابية التى تحيط باكنيسة الاثرية بالالف المصليين من اهالى القرية والقرى المجاورة .. كان شجر نبات الاتل الضخم يمتد فى هذة المنطقة .. يظلل الزائرين بفروعة وأعصانة ليحميهم من قسوة حر الصيف .. كانت ترى من بعيد ممتدة حيث اطلق القرويين على الدير أسم ( دير التل ) .. تلك الاغصان وبقايا الاشجار فى قلب التراب الذى تقدس برائحة بخور صلوات العباد والنساك فى هذة المنطقة ..
† فى 15 مايو 1973 ظهرت صورة فى الالبوم الخاص لنيافة آنبا ميخائيل مطران أسيوط ـ متعة الله بالصحة والعافية ـ وهو يصافح بابا روما أذ كان ضمن الوفد الرسمى لكنيستنا القبطية الذى كان يترأسه المتنيح مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث رافقة خلال الرحلة باكوريات سياماته من الاباء الاساقفة ، المتنيح الانبا يوأنس أسقف الغربية ، ونيافة الانبا باخوميوس أسقف البحيرة وتوابعها .. استلم الوفد الكنسى رفات البابا اثناسيوس الرسولى حجر زاوية كنيسة الله ، وعين العالم المقدسة ( بتعبير القديس غوريغوريس النزينزى ) ليعود الى مصر بيعة الكرازة المرقسية أذ شأت عناية القدير أن يضم شفيع الارثوذكسية الى ثرى مصر لتنفتح أفاقه الروحانية ويتدفق نبعة الفائض بالحياة الخالدة ( اثناسيوس = الخالد ) نحو المواضع التى تقدست باقامتة بها او نفية اليها ( حيث نفى خارج مقرة 5 مرات ) أذ كتب ريتشارد هوكر يقول أن القديس اثناسيوس لم يذق طعم الراحة ولم يرى السلام يوماً واحداً طوال الـ 46 عاماً التى مضت مابين اليوم الذى أرتقى فية الكرسىالبطريركى حتى الدقائق الاخيرة من حياته .. ولاجل كنيستة عاش منفياً ولم يشأ الرب أن يظل بعيداً عن كرسية .. ففى 15 مايو 1973 أحضرت رفاته رسمياً فى أحتفال عظيم ليضم الى موضعة بمزاره بالكاتدرئية المرقسية .
† تهادى الى مسامعنا ونحن ننزل الدرج الذى يؤدى الى الكنيسة الاثرية ـ حوالى 2.30 م ـ أسفل سطح الارض الكلمات المنظومة للمدائح القديمة للقديس اثناسيوس الرسولى بالحانها المعروفة .. ردد فريق الشمامسة بالقول : قائم بين الشجعان .. حبيبنا بطل الايمان .. بنيوت أفا أثناسيوس .. بدأ خدمتة برحلة رعوية للصعيد .. فرحوا لما رأوه وقابلوه بالتمجيد .. قاوم اريوس المدان .. بالحجة والبرهان .. دافع عن الايمان بنيوت أفا اثناسيوس .. ربه اعطى له معونة .. وحكمة مكنونة .. والعلم لقبه بقاضى المسكونة .. صرخ الكل فى وجهك .. كل العالم ضدك .. قلت أنا ضد العالم فسكتوا أمام ردك ..
† دخلنا وسط المصليين المتزاحمين الحاملون لصور القديس اثناسيوس الرسولى .. أستأذنا لنحصل على حنوط البركة وعبوات الزيت المقدس .. أخذنا مكاناً بين المصليين على المقاعد الخشبية لنتمكن من نوال بركة الموكب الاحتفالى فى عشية ليلة العيد حيث أحتفت الكنيسة بنهضة القديس أثناسيوس طوال الاسبوع الماضى .
† تصفحنا ـ نبذة صغيرة ـ عن تاريخ دير القديس اثناسيوس الرسولى بدير الزاوية ـ أسيوط تقول : عند دخول نظام الرهبنة فى القرن الرابع الميلادى أزدهرت الحياة الرهبنية وأطلق على الدير اسم ( دير النساخ ) لانه رهبانة اشتهروا بنسخ الكتب المقدسة والطقسية التى تخص العبادة الكنسية ، وسمى أيضاً ( بدير الرسل ) لانه التعاليم التى كانت تقدم على ألسنه رهبانه ، والكتب التى تنسخ به كانت تحتفظ بذات الاستقامة التى قدمت بها تعاليم الاباء الرسل .. ولانه الدير كان يقوم بتوزيع الكتب على ايبارشيات وكنائس الكرازة فى ذلك الوقت لذا فقد اصبح للدير اسقف مكرس للمتابعة والاشراف على هذة الاعمال .. وأطلق علية كنسياً اسم دير القديس اثناسيوس الرسولى لانه كان من الاماكن المحببة لاقامة البابا اثناسيوس أثناء فترة هروبة ونفية من بطش اتباع اريوس . كان يخصه بمزيد من الرعاية ويشرف على مايخرج منه من الكتب المقدسة والطقسية خوفاً من اية تدخلات لبدعة اريوس .
† دخلنا مع الجموع الى الكنيسة التى لازالت تحتفظ بطابعها الاثرى والتاريخى .. والطوب اللبن و الحجارة القديمة لازالت محتفظه بالوانها ورونقها وجمالها .. وللكنيسة هيكل فريد بشكلة الخماسى يقال انه ليس له نظير عل مستوى العلم .. تعلقت به وبايقوناتة عيون المصليين طوال فترة صلاه العشية والموكب الاحتفالى .
† وكما هو مسجل ومرئى بداخل الهيكل مقصورات تزينها تيجان من الحجارة منقوشة بزهرة اللوتس وعناقيد العنب .. واعلى حجاب الكنيسة صورة رائعة ملونة للصلبوت تطل على صحن الكنيسة ترجع الى القرن الرابع الميلادى .. على اليمين الهيكل الرئيسى مذبح القديس العظيم الانبا تكلا هيمانوت الحبشى وقد قام بتسميته البابا اثناسيوس بنفسة تذكاراً لقيامة بسيامة اول اسقف للحبشة بأسم الانبا سلامة .. والهيكل الثالث على اسم القديس العظيم تواضروس المشرقى من شفعاء البيعة غرباً .. بحوائط الكنيسة ايقونات أكثر حداثة للقديسة العذراء مريم ، والانبا أنطونيوس ، البابا اثناسيوس الرسولى .. وبداخل الخورس الثانى مايعرف شعبياً باسم ( المغطس ) وهو لايرتبط بطقس المعمودية بل بطقس شعبى قديم .. والكنيسة تعلوها 13 قبه بعدد التلاميذ مع الرب يسوع .
† ارتبطت ألاحتفالات الدينية فى هذة البيعة منذ القرون الاولى بعيد القديس العظيم البابا اثناسيوس الرسولى ( 7 بشنس ) حيث كانت البيعة تستقدم الالاف فكانت تجمعات الزائرين تمتد لقرابة 15 كم حتى قرية زرابة ابوتيج وبنيت كنيسة على اسم الانبا شنودة بالمنطقة .. سجل المقريزى ذلك بالقول .. انك لو اتيت سائراً على الاقدام من الاسكندرية الى اسوان لمشيت تحت ظل الاشجار التى غرسها الاباء الرهبان على طول الطريق من الشمال الى الجنوب .
† يردد الحضور قصة احدى المعجزات التى تمت فى بيعة القديس اثناسيوس .. ( فى فجر يوم الاربعاء 2 /11 /1994 نزلت سيول جارفة من فوق الجبل الغربى على قرية دير الزاوية ومن شدة تدفق المياة هجر الاهالى منازلهم خوفاً وزعراً وانهارت بعض المنازل المبنية بالطوب اللبن وانقطع التيار الكهربائى عن القرية بالكامل … رؤى وسط هذة الاحداث الصليب مضيئاً فوق قبة كنيسة القديس اثناسيوس الرسولى وشوهد من اهالى القرية شخصاً بلباس ناصع البياض .. رجلاً شيخاً وقوراً يبدو فوق القبة فارداً ذراعية كالصليب يشق المياة المنحدرة من الجبل الى نصفين او شقين لتبتعد عن اسوار الكنيسة والدير المبنية بالطوب اللبن منذ القرون الاولى .. وبذلك حمى القديس بيعتة المقدسة وديره الكائن بالمنطقة وشعبة حيث لم تحدث وفيات او اصابات نتيجة هذة السيول ) .
† ظللنا بالدير قرابة 4 ساعات رفقنا فيها الطقس الاحتفالى المبارك .. بالحقيقة كان حاضر بيننا قديسنا البابا اثناسيوس حجر زاوية كنيسة الله ( كما قال القديس يوحنا الدمشقى ) المنبر الاعظم ( كما قال ثيودوريت ) .. صاحب القلب الملكى المدثر بوشاح بولس المبارك ( من أحدى قصائد أكسفورد ) والذى كتب عنه القديس غوريغوريس النزينزى .. رقد اثناسيوس عام 327 م عين العالم المقدسة ، والحب المنقطع النظير والصوت العالى للحق ، عمود الايمان ورسول المسيح الجديد .. رقد فى شيخوخة صالحة بعد أن وهب جميع ايامة للرب .
† غادرنا الموضع المقدس .. رافقنا ـ الى كنائسناـ نقاوة التعليم واستقامة الايمان وحلاوة الارثوذكسية .