منذ سنوات طفولتى المبكرة وانا أمارس لعبة الخيال المفضلة عندى ، فطالما كنت ف طريق سواء سيرا على الأقدام أو فى سيارة أحب تأمل ( النوافذ )
تشدنى النافذة المفتوحة الى عالم من الخيال حول هذا البيت وسكانه ، فنافذة مضاءة وأخرى مظلمة ، ولون ستارة وردى أو ستارة قديمة مهترئة …فهذه نافذة فخمة ، وتلك شيش بسيط ..هذه نظيفة وأخرى مهجورة ،والنوافذ تشبه أصحابها ..تشبه أوطانها ، فالنوافذ المصرية بسيطة ، يعلوها التراب أحيانا ، ولكنها دائما دافئة …والنوافذ فى (أثيوبيا )مثلا مبتكرة رغم فقرها ، النوافذ (الأمريكية) عملية وبسيطة دون تكلف …ولطالما بهرتنى النوافذ فى ( هولندا ) التى لا تخلو من ورود جميلة يتبارى سكان البيوت فى روعتها وترتيبها…
ومهما اختلفت النوافذ …فوراء كلٍ قصة ..
اليوم ..أثناء عودتى من زيارة متأخرة لأصدقائى ..وقعت عينى كالعادة على نوافذ ساهرة ف وأخرى ينام أصحابها مبكرا …حتى رأيت أمرأة شابة ..تقف على سور بلكونة الدور الثالث …فى هدوء الليل …للحظة تسمرت فى مكانى انا وزوجى وأصدقائنا …لم ننطق بكلمة خوفا من نفزعها فتسقط !…سألتها من مكانى ف الشارع الصامت فى حينا الهادىء ..هل أنتى بخير ؟؟ أجابت بصوت أنيق وواعى وحزين ( شكرا ..أنا بخير !!!) وتصاعدت الأحداث حتى ظهر أنه خلاف ف الرأى لعائلة واضح عليهم أنهم أشخاص محترمين دفعهم الضيق والغضب الى حافة الجنون …!!! فهذه المرأة الجميلة غضبها دفعها لتصر أن تبقى على سور البلكونة ، والرجل يصر على أن يتفادى ( الفضائح ) فيغضب منها غضبا مضاعفا …
ووسط خطورة الموقف ، إذ بى ألحظ كائنا لزجا يطل من شرفة الدور الرابع ممسكا بكاميرا الموبايل ليصور مايحدث !!! فى برود وبلادة …فربما يضعه على الفيس بوك ! وربما يشارك به أصدقائه !! وربما يعير به جيرانه يوما ما !!! ورحمة الله على الرجولة !!!فلا جار يجرى لإنقاذ جيرانه ولا فى أقل تقدير يحترم حرمتهم !!!
مادفعنى لأشاركك أيها القارىء هذه القصة الغريبة !!! بعض الملاحظات :
– أولاهما :
أنت تعلمها جيدا لكن دعنى أذكرك بها ، أن وراء كل شخص تقابله فى حياتك ، ألم ووجع وتفاصيل حزن وضيق أنت لا تعرف عنها شيئا فرفقا ببعضنا البعض ، حتى أشر الناس فى نظرك ..فى حاجة الى الحب …أذكر قولا ينسب الى لنابليون بونابارت ” لو قرأنا التاريخ الشخصى لأعدائنا ، لأصبحوا أصدقاء ”
– ثانيهما :
أنه يتحتم علينا جميعا أن نغلق أبوابنا أحيانا …ونخلع ذواتنا ورؤيتنا واهتماماتنا ..ونمسك بيد من نحبهم ..ونقف سويا أمام الله ..لنخَف قليلا على أمر بيوتنا ، ولنقدم عنهم حسابا أمام الله ..ولننسى أمر السياسة والكهرباء والارهاب فور أن ندخل أبواب بيوتنا …فبيوتنا أمانة سنحاسب عليها ، وعلى كل فرد فيها ، على من اهتمينا بامرهم ، ومن نسيناهم ومن خنناهم ومن أحببناهم ومن دفعناهم الى الجنون !
-ثالثا :
أين ذهبت إنسانيتنا ؟ وأخلاقنا فى التعامل مع الكوارث ؟ فهل أقصى ما نستطيع تقديمه لأى (ضحية) هى صورة ! نستخدمها دون إستئذانه ولخدمة قضايانا الشخصية لا لخدمته …هل أصبحنا أرخص من موبايلاتنا الثمينة التى نصور بها الضحايا ؟
رابعا :
كن متاحا لبعض الوقت …فربما يحتاجك أحد !