المستثمر الأجنبى يحصل على 50% من الكميات المُستخرجة
محادثات مع شركات أجنبية لاستيراد الغاز لتشغيل محطات الطاقة في الصيف
طفت على السطح فى مصر أزمة تتعلق بالطاقة ، ولم تظهر أى ملامح لهذه الأزمة على الإطلاق إلا بعد ثورة 25 يناير ، حيث تصدر المشهد إشكالية تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل والأردن بأبخس الأسعار ، تبعتها أزمات متكررة فى نقص المواد البترولية منها السولار الذى أثر سلباً على عمل محطات توليد الكهرباء كما ظهرت أزمة أخرى شبه متكررة فى توفير إمدادات غاز “البوتوجاز” ، وقد وصلت هذه الأزمات ذروتها بعد وصول جماعة الأخوان للحكم ، حيث انتشرت عمليات تهريب هذه المواد لغزة عبر الأنفاق الحدودية … ولكن المفاجأة الكبرى للكثيرين فى مصر هى أن مصر أصبح لديها أزمة أيضاً فى توفير الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى كمصدر هام وأساسى للطاقة فى مصر ، إذ باتت الأخبار المتداولة تتحدث بكثرة عن مسألة استيراد الغاز الطبيعى من الخارج لتغطية الإحتياجات المتزايدة ، خاصة المتعلقة بتشغيل محطات توليد الكهرباء ، وبالأكثر تحديداً مواجهة الضغوط والأحمال العالية فى فصل الصيف … حقاً هذه الأنباء قد أصابت بالفعل الكثرين بالدهشة وعدم التصديق ، حيث كنا نعتقد فى مصر أننا نحتل ترتيباً مُتقدماُ عالمياً فى امتلكنا لاحتياطياً إستراتيجياً من الغاز الطبيعى بل كنا نظن أننا نحيا على بُحيرة من الغاز الطبيعى ..وإذ نفيق على واقع يتحدث عن أنه يجب علينا استيراد الغاز المُسال لتدبير باقى احتياجتنا منه ، لذلك تحدثت “وطنى”مع مسئول سابق ليقص علينا التغيير الذى أصاب هذا المورد الهام من الطاقة ، وهل كان هناك سوء تقدير فى كميات الاحتياطى أم هناك تغيير ما وقع .
كانت مصر تصدر 30% من إنتاجها
فى البداية أوضح المهندس ابراهيم صالح رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للبترول سابقاً أن الغاز الطبيعي أحد المصادر الرئيسية للطاقة فى مصر ، وتسائل قائلاً : هل مصر دولة منتجة للغاز الطبيعى ؟ والإجابة نعم ، بل كانت مصر تصدر 30% من إنتاجها من الغاز ، فماذا تغير، هل نقص الإنتاج ؟ نعم لقد نقص الإنتاج بالفعل ، لكن أسباب هذا النقصان فى السنوات القليلة الماضية غير واضحة حتى الآن .
واستطرد قائلاً : ففى عام 2001 كان هناك دعم للمواد البترولية وصل إلى مليار جنيه ، ثم زادت قيمة هذا الدعم نتيجة لنقصان الإنتاج ، وبعد أن كان هذا الإنتاج يكفى الاحتياجات المحلية ويتم تصدير 30 % منه ، حيث كانت الشركات الأجنبية المُتعاقدة مع مصر على التنقيب والإنتاج تعمل بنظام
” اتفاقيات الإنتاج” بحيث يحصل المستثمر على 60% من الكميات المُستخرجة من الزيت ، و50% من الكميات المستخرجة من الغاز الطبيعى كعائد على استثماراته ومخاطر العمل ، وفى المقابل لا نتحمل فى مصر أى تكاليف سوى أننا أصحاب الأرض التى يتم عليها التنقيب والإنتاج ، وهذا النظام هو المعمول به فى ليبيا والجزائر و”دول بحر الشمال “وكذلك بعض الدول العربية ..إذاً فكان انتاحنا من الغاز الطبيعى حتى عام 2010 يكفى احتياجتنا ، حيث كُنا ننتج 6.2 مليون قدم مكعب فى اليوم بما يُعادل 78 تريليون قدم مكعب ، وكان يُصدر 30% منها للإردن وإسرائيل ، بالإضافة لتصدير الغاز المُسال لأمريكا وايطاليا ، لكن الآن نحن لا نصدر الغاز الطبيعى ، بل نستورده بإعتبار أننا نشترى حصص الشريك الأجنبى – أى حصص الشركات الأجنبية العاملة فى مصر والتى تقوم فى الأصل بالتنقيب والإنتاج – كما نقوم باستيراد المازوت لتشغيل محطات توليد الكهرباء ، فنحن دولة متواضعة للغاية فى إنتاج الغازالطبيعى والزيت ،وفى نفس الوقت فإننا فى مصر فى أشد الحاجة للطاقة لرفع معدلات التنمية بإعتبار أن الطاقة هى المحرك الأساسى لعجلة التصنيع والبناء والتنمية ، فبدون الطاقة لا نستطيع التوسع فى صناعة الألومنيوم أو الحديد والصلب أو الأسمنت أوالأسمدة ، أو زيادة معدلات توليد الكهرباء ، مُشيراً إلى أن الأرقام المُعلنة حالياً عن إنتاجنا من الغار الطبيعى فى حدود 46 مليون طن فى السنة بما يُعادل 5 بليون قدم مكعب ، ومن المعروف أن روسيا تعد رقم واحد فى العالم فى إنتاج الغاز الطبيعى ،إذ يصل إنتاجها لحوالى 10 بليون قدم مكعب أى ما يُعادل 50 مرة ضعف إنتاج مصر .
وأضاف : إذاً فيجب علينا فى مصر تنمية وتأمين مصادر الطاقة كما تفعل اليابان التى هى أكبر دولة صناعية فى العالم فى حين أنها لا تملك مصادر للطاقة لديها ، إلا أنها تسعى طول الوقت لـتأمين مصادر إمدادها بالطاقة من الخارج ، كما يجب علينا زيادة و تنمية ما نملكه من حقول سواء بترول أو غاز طبيعى ، من خلال زيادة الإستثمارات الموجهه لهذا القطاع ، فعندما نقوم بإنتاج برميل من الزيت هذا معناه أننا نوفر 90 دولار كنا سنستورد بهما برميل من الخارج ، أو قمنا بإنتاج ألف قدم من الغاز الطبيعى هذا سيوفر 5 دولارات ، إذاً فاستيراد الطاقة مُكلف للغاية ،والتنقيب يحتاج لحوالى 8 سنوات حتى يتحول إلى الإنتاج حقيقي ، مما يستوجب إيجاد معادلة سريعة لزيادة الإنتاج من الطاقة بصفة عامة . منوهاً أن ترتيب احتياجات الصناعات المختلفة فى مصر من الغاز الطبيعى يأتى كالتالى : الأسمدة ، البتروكيماويات ، توليد الكهرباء الذى يحتاج إلى 75% من إنتاجنا للغاز الطبيعى ، ثم تأتى الاستخدامات المنزلية . لذلك يجب أن نعمل على تغطية احتياجتنا من الكهرباء بتوفير الكميات المطلوبة من الغاز وليس المازوت الذى نستورده من الخارج وهو أقل كفاءة من الغاز ، كما يجب على الدولة أن تحدد أولويات احتياجاتها من الطاقة لكى نعمل على تأمينها ، وأنا أرى أنه علينا بتأمين عصب التنمية لدينا فى مصر ألا وهى الكهرباء لتشغيل الصناعات ودوران عجلة التنمية ، أما الغاز الطبيعى فنستخدمه فى صناعة الأسمدة .
كما يرى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للبترول سابقاً أنه لا مانع من استخدام الفحم فى إنتاج الأسمنت ، طالما أن العديد من الدول مثل ألمانيا تستخدم الفحم كمصدر للطاقة فى بعض صناعاتها ،بالتالى فعلينا ألا نترك مصدر للطاقة دون استخدامه ، مُشيراً إلى أن مصانع “أسمنت أسيوط ” تستخدم القمامة كمصدر للطاقة ، بإعتباره نوعاً من الحروقات .مُطالباً بأن تسمح الدولة بدخول القطاع بالاستثمار فى إنشاء وتشغيل محطات الكهرباء حتى لا ترهق الحكومة نفسها بزيادة القروض والفوائد ، بل تشترى الحكومة الكهرباء كمنتج نهائى من المنتجين .
وفيما يتعلق بمسألة استيراد الغاز المُسال من الجزائر فى الأيام القادمة ، أوضح م. صالح أننا نستورد من الجزائر “غازالبوتجاز” وليس الغاز الطبيعى وبالتحديد وشركة “سوناطراك”، مؤكداً أنه حتى نستطيع استيراد الغاز المُسال يجب أن تكون لدينا محطات “تغييزالغاز” أى تحويل الغاز المُسال القادم من الخارج إلى غاز، فالموجد لدينا هو محطتين لتسييل الغاز فقط واحدة فى “دمياط” وأخرى “أدكوا” ولا توجد محطات لتحويل الغاز المُسال إلى غاز ،مما يجعلنا لا نستطيع استيراد الغاز المُسال لعدم وجود محطات لتحويله.
وبالنسبة للمديونيات المتعلقة بالشركات المنقبة والمنتجة للمواد البترولية فى مصر ، أوضح م.ابراهيم صالح أنه على الحكومة ممثلة فى قطاع البترول سرعة تسديد مديونيات هذه الشركات ،حتى لا تتوقف عن العمل والإنتاج ، إذ أن هذه المديونيات صلت ل6 مليارات جنيه تم تسديد مليار ونصف منها ، بينما سيتم دفع 2مليار دولار على أقساط طويلة الأجل ، حيث أن قطاع البترول لديه من الموارد والأصول لإدارة مثل هذه المسألة بشكل جيد. وفيما يتعلق بما أشيع عن حق مصر فى حصة الغاز الطبيعى الذى تم اكتشافه فى المياه الإقليمية بالبحر المتوسط ، قال : كل الجيولوجيين أكدوا أن هذه الاكتشافات تقع فى نطاق المياه الاقتصادية وليس الإقليمية – أى خارج نطاق حدودنا الإقليمية – وبالتالى أثبتوا أننا ليس لدينا حق فى هذه الاكتشافات من الغاز الطبيعى .
الغاز المسال من روسيا
فى حين أعلن منير فخرى عبدالنور وزير التجارة والصناعة والاستثمار أن مصر تدرس إمكانية استيراد الغاز المسال من روسيا لتلبية احتياجات السوق ، مُضيفاً أنه تم الاتفاق على تطوير محطات توليد الكهرباء بالسد العالى، وتشجيع الشركات المصرية والروسية لضخ مزيد من رؤوس الأموال للاستثمار فى المشروعات الاقتصادية بكلا البلدين، ومشاركة الشركات الروسية فى المزايدات العالمية للتنقيب واستكشاف البترول والغاز الطبيعى .
وكانت ” كابيتال إيكونوميكس” ومقرها لندن قد أعربت أن جميع المؤشرات توحي بأن مصر ستتحول إلى مستورد صاف للغاز الطبيعي في المستقبل القريب ، مُشيرة إلى ركود انتاج الغاز والزيادة السريعة في الإستهلاك المحلي .