ازدراء الاديان كانت إتهاما لا نسمع عنه كثيرا قبل ثورة 25 يناير حيث كانت غالبا ما توجه الى الكتاب و المؤلفين و المبدعين و المفكرين و النشطاء ويتم ملاحقتهم قانونيا … اما فى اعقاب ثورة يناير فلقد تزايدت المحاكمات
المرتبطة بتهمه ازدراء الاديان بدرجة كبيرة تعد تهديدا للحريات الدينية و لحرية الرأي و التعبير .
و لقد رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تنامى ما يطلق عليه ” ازدراء الاديان ” عقب ثورة يناير فى تقريرا بعنوان :”حصار التفكير … قضايا ازدراء الاديان خلال عامين من الثورة ” . ورصد التقرير 48 حالة ملاحقة أهلية وقضائية منذ يناير 2011 وحتى نهاية 2013، وبعض هذه الحالات اقتصر العقاب فيها على العقاب العُرفي كالتهجير والإجبار على دفع مبالغ مالية، وبعضها تم توقيع العقاب فيها من قِبَل جهة العمل كالوقف عن العمل والخصم من الأجر. إلا أن هناك 28 قضية نظرت فيها المحاكم خلال هذه الفترة.
تحدثنا الى بعض ممن تم إتهامهم بازدراء الاديان أو أقاربهم للتعرف على ابعاد هذه القضية :
ميلاد عياد صليب – شقيق نور عياد – عزبة شاكر – مطاى – المنيا ،قال :” لقد تم اتهام اخى فى اكتوبر 2011 بنشر صوره مسيئة الى الاسلام على صفحة التواصل الاجتماعى الفيس بوك ،وقد تجمهر الاهالى وطالبوا برحيله هو و باقى اسر العائلة ،و فى اليوم التالى قام بعض ممن تجمهروا حول المنزل بتكسير الابواب و النوافذ و بعد ذلك خرجت العائلة كلها بالفعل من القرية .وبعد ان سلم نور عياد شقيقى نفسه الى مديرية امن المنيا ظل محتجزا حتى اخلى المحامى العام لنيابات المنيا سبيله .”
و أضاف ميلاد عياد قائلا : ” العائلة عادت مرة أخرى بعد تهجيرها من القرية فى 26 أكتوبر 2014 ،ولقد تم حفظ الدعوة و نحن الان نعيش فى القرية فى امان و سلام بفضل ربنا و الشرطة التى اعادت الاسرة .”
أما كميل كامل – والد بيشوى – محافظة سوهاج، فقال :” القصة بدأت مع بيشوى ابنى حينما قام احد الاشخاص بفتح صفحه باسم بيشوى لاتخصه و ظل ينشر بها اشياء مسيئة .وحينما اكتشف بيشوى ذلك اتصل بشرطة الانترنت للابلاغ .وكل هذا مثبت على صفحة بيشوى الاساسية على الفيس بوك .ولكن بسبب الاجواء التى كانت موجودة فى ظل حكم الاخوان تم عمل محضر لبيشوى و تم عرضه على النيابه ..و اصبحت قضية رايى عام .”
وإستطرد كميل كامل قائلا : ” قبل الاستئناف قدمنا تسجيلات و اشياء تدل على براءة بيشوى ولكن للاسف حكم على ولدى بست سنوات سجن .و فى 28 من شهر نوفمبر الماضى قمنا بعمل نقض و قبل ثم اعادة نقض ،ومن المفترض ان الحكم كان يتنقض ولكن لم يحدث ذلك فقدمنا تظلم للنائب العام بمحافظة سوهاج ثم الى المحامى العام الاول بسوهاج ،ومازال الورق امامه و كان من المفترض ان يتم الافراج عن بيشوى لحين موعد الجلسة الذى لم يتم تحديده الا ان ذلك لم يحدث .”
اما فيما يتعلق بالاجواء العامة وتعاملات الجيران مع الاسرة قال كميل كامل : ” الامور افضل حالا الى حد ما مما كان قبل فالنظرة افضل الى حد ما عما سبق خاصة بعد سقوط نظام الاخوان وعناية الله هى التى تحفظنا .”
الدكتورة منى البرنس استاذة الادب الانجليزى بكلية التربية جامعة السويس تعرضت للايقاف عن العمل و التحقيق معها بتهمة ازدراء الدين الاسلامى حيث نظم عدد من طلبة قسم اللغة الانجليزية بكلية التربية جامعه السويس وقفة احتجاجية فى 16 ابريل 2013 اعتراضا على مضمون محاضرة للدكتورة منى البرنس بدعوى انها ازدرت الدين الاسلامى و انها بهائية الديانة …!!!و هو امر غير حقيقى و نفته الدكتورة منى و اكدت على انها فقط قامت بمناقشة قضية الفتنة الطائفية فى مصر من مختلف وجهات النظر على خلفية الاعتداءات الطائفية التى حدثت بمحيط الكاتدرائية بالعباسية .
حصار التفكير
ولقد رصدت عدة تقارير صادرة من مؤسسات حقوقيه هذا التراجع و مخالفة النصوص القانونية لتهمة الازدراء لنصوص القانون الدولى .
إسحق إبراهيم – مسئول ملف حرية الدين و المعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية قال :” لقد رصدنا فى تقرير حول قضية الازدراء بعنوان ” حصار التفكير ” تزايد أعداد هذه القضايا من ثلاثة فقط خلال 2011 إلى 12 خلال2012 ثم إلى 13 قضية خلال2013. وأدانت المحاكم ٢٧ من إجمالي 42 متهمًا، وبرأت ساحة ثلاثة متهمين ولم تقبل الدعوى بالنسبة إلى 11 متهمًا لأنها لم ترفع من طرف مختص. وما زالت هناك قضية لمتهم واحد هو المواطن شريف جابر أمام محكمة الجنح.”
وأضاف إسحق إبراهيم قائلا :” تستخدم تهمة الازدراء في الكثير من الأحيان بغية تحقيق أغراض سياسية أو انتخابية، وتحصيل مصالح اقتصادية واجتماعية. ورغم اتساع نطاق اتهامات الازدراء هذه، إلا أن حظوظ الضحايا تتفاوت من التهديد والترهيب، فيزيد في مواجهة الأقليات الدينية والمذهبية وبدرجة أقل في مواجهة المفكرين والمبدعين، كما تغيب عن أجهزة الدولة صفة الحيادية عند التعامل في الجرائم التي تخص ازدراء الأديان، ورغم عدم تفرقة قانون العقوبات بين “الأديان السماوية”، إلا أن واقع الحال يشير إلى رسوخ ممارسات التمييز بين الأديان. فنجد الإجراءات القانونية تتخذ بسرعة فائقة في حال كان الازدراء موجهًا ضد الإسلام، بينما تتباطأ إجراءات السير في البلاغات في حال وُجِّه الازدراء ضد المسيحية.
وإستطرد إسحق إبراهيم ،وقال: تتفاقم ظاهرة العقاب الجماعي لمن يعتقد ارتباطهم بمن توجه إليه التهمة من أهله أو جيرته وعموم من يشاركه انتماءه الطائفي أو المذهبي، دون أن يكون هؤلاء متصلين بحال بفعله أو قوله الموصوف بالازدراء. وتؤكد الأنماط المختلفة لصيرورة حالات الازدراء، أنه فور انطلاق تهمة الازدراء سواء استنادًا إلى فعل حقيقي أو عبر شائعة تصف مواطنًا بأنه ازدرى الإسلام، نجد الهرولة لعقابه. فإذا ما كان المتهم موظفًا بالجهاز الإداري للدولة عوقب بالوقف عن العمل، واذا كان مواطنًا عاديًّا يستباح جسده وملكيته وإن نجا من العدوان يجبر على التهجير القسري وفق حكم لجلسة صلح عرفي أو بقرار أمني أو بمبادرة ذاتية منه خوفًا على نفسه وأسرته. رصد التقرير أن أنصار بعض التيارات السياسية، والإسلامية منها على وجه الخصوص، يمارسون التأثير السلبي على المحاكم فتنظم المظاهرات وتتكاثر الحشود المطالبة بالعقاب خارجها وداخلها بما يخل بحقوق المتهم في المحاكمة العادلة ويرهب القضاة. ويتضح الأثر شديد السلبية لمثل هذه المسالك مع توقيع عقوبات غير متناسبة مع التهم في كل القضايا التي شهدت مظاهرات خارج المحاكم. و أكدت المبادرة المصرية في توصيات التقرير على ضرورة العمل على تعديل التشريعات المقيدة للحريات بشكل عام والحريات الدينية بشكل خاص . بالإضافة الى ضرورة نقل محاكمات ازدراء الأديان إلى محاكم في القاهرة ضمانا لتمتع المتهمين بحقهم فى محاكمة عادلة طالما لم تتوافر ضمانات لحماية هيئة المحكمة من ممارسات الضغط و تلك الأجواء المشحونة و المتوترة التى تصاحب المحاكمات فى صعيد مصر على وجه الخصوص .
محاكمات الكلام
كما أصدرت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير” تقريرا بعنوان ” محاكمات الكلام” لرصد قضايا ازدراء الأديان وحرية التعبير في مصر ،وقدم التقرير الإشكاليات القانونية في قانون العقوبات المصري التي تغذي وتدعم اتساع وانتشار قضايا ازدراء الأديان، وكذلك موقف القانون الدولي من هذا الأمر.
تحدثنا إلى احمد عزت – المحامى بمؤسسة حرية الفكر والتعبير – حول تقرير المؤسسة ” محاكمات الكلام “عن ازدراء الاديان فقال :” لقد رصدنا من خلال تقرير عن ازدراء الاديان فى مصر عن القانون نفسه والمواد القانونية التى تنظم ازدراء الاديان . حيث ان القانون الدولى اعتبر انتقاد التعليق العام رقم 34 الذى اصدرته لجنة حقوق الانسان التابعه للامم المتحدة على المادة 18 لممارسة الحقوق المدنية والسياسية ،والتى اعتبرت ان إنتقاد الاديان جزءا لا يتجزأ من حرية الرايى والتعبير طالما لاتشمل تحريض ضد الاخر باى شكل او مايسمى ضمنا خطاب الكراهية .” وأضاف أحمد عزت قائلا : ” إن النصوص المنظمة لجريمة أزدراء الاديان فى القانون المصرى تعاقب على ” النية ” لدى الشخص ومعتقداته و قناعاته الشخصية . بالاضافة الى انه يجرم فى المطلق ، فلا يجوز تجريم فعل الازدراء او اى شىء اخر الا اذا كان تجريمة يمثل ضرورة اجتماعية ،واذا كان ينتهك حقوق الناس فى اى شىء . لكن طالما الشخص يتحدث عن الاديان بشكل معين لا يشتمل على التحريض . فلا يجوز التحدث عن حرية إعتقاد طالما لا توجد حرية رايى و تعبير . بل اننا نتعامل فى الدستور المصرى الجديد مع حرية الشعائر الدينية و نقصرها على الاديان السماوسة و هذا لا يجوز . فكيف نقول إن هناك حرية معتقد اذا كان لايوجد لدينا حرية فى التعبير عنه .”