مصر فى قلب وعقل باباوات الكنيسة القبطية
مواقف الكنيسة الوطنية تمثل صرحاً شامخاً فى المحافظة على كيان الدولة المصرية من الانهيار
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة :
يقوم بزيارة الجبهة عدة مرات قبل حرب أكتوبر 1973 ويلتقى القادة والجنود
يرفض قانون الاضطهاد الدينى الذى قدمه الكونجرس الأمريكى
قداسة البابا تواضروس الثانى :
نرفض زيارة الأقباط للقدس إلا مع الإخوة المسلمين بعد تحريرها.
تحية اجلال وتعظيم الي ثلاثي مصر العظيم الشعب والجيش والشباب عاشب بلادي حرة قوية
جعلتك يا مصر في مهجتي
وأهواك يا مصر عمق الهوى
إذا غبت عنك ولو فترة
أذوب حنينا أقاسي النوى
إذا عطشت إلى الحب يوما
بحبك يا مصر قلبي ارتوى
هذه الابيات من قصيدة ” فى حب مصر” لمثلث الرحمات قداسة البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذى عاش عاشقاً لتراب الوطن لدرجة ان قال مقولته الشهيرة ” مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه”
و نحن نحتفل بذكرى نياحته الثانية لا يمكن ان ننسى مواقف قداسة البابا شنودة الوطنية التى مثلت صرحاً شامخاً فى المحافظة على كيان الدولة المصرية من الانهيار، والتأكيد على متانة العلاقة بين مسلمى مصر ومسيحييها ، فلم يستجب البابا شنودة يوما للدعاوى الهدامة التى هدفت إلى الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد، وتحلى بأقصى درجات ضبط النفس فى الأحداث الطائفية التى ضربت مصر خلال فترة توليه للكرسى البابوى.
بابا العرب ..ورفض التطبيع
اتسمت وصايا قداسة البابا بالوطنية الصادقة والقومية المخلصة، وبإدراك عميق كان قداسة البابا شنودة حريصاً على المشاركة فى كل المناسبات الوطنية، ومنها قيامه بزيارة«الجبهة» عدة مرات قبل حرب أكتوبر 1973 والتقى القادة والجنود، كما قام بتوفير الأدوية اللازمة أثناء الحرب والمساعدات الإنسانية ، هذا الى جانب موقفه فى قضية فلسطين ، فهو أول من أصدر عام 1976 كتابا بعنوان ” اسرائيل ليست شعب الله المختار ” كما انه اعلن بصوت جهور انه يرفض التطبيع مع اسرائيل ، واصدر بيانه الشهير بتحريم شعب الكنيسة من زيارة القدس كنوع من الاحتجاج ضد اسرائيل وليس بسبب نزاع خاص بين الكنيسة المصرية والسلطات الاسرائيلية على دير السلطان ، وفى مقابل تلك الوطنية ، تم عزله فى الدير لسنوات ، ولكن بسبب مواقفه القوية والحكيمة والوطنية عندما ذهب الى لبنان اعلن حزب الله بان قداسته هو ” بابا العرب ” وألقيت الخطب فى تكريمه وتعداد مواقفه العربية والوطنية .
الوحدة الوطنية
ويتضح دور قداسة البابا فى دعم الوحدة الوطنية و الحفاظ على امن و سلام بلدنا فى العديد من المواقف و الاحداث التى عبرت بها فبعد احداث 18 , 19 يناير عام 1977 دعا الرئيس السادات القيادات الدينية الاسلامية و المسيحية الى الاجتماع به فى القصر الجمهورى حيث القى قداسة البابا كلمة رائعة عن الوحدة الوطنية مستنكرا و شاجبا حوادث الشغب و الايذاء و التخريب مؤكدا على ان كل الاديان تدعو الى الحب و التسامح و لا يمكن ان يكون الارهاب دعوة لاى دين من الاديان ،و ان الظواهر الاجتماعية و الاقتصادية و الانسانية التى تعيشها المجتمعات هى التى افرزت هذا الواقع الغريب عن البشر و هذا يعنى انه على العالم ان يواجه مشكلات الفقر و التخلف و المشاكل الاجتماعية و الثقافية فهذا هو الطريق الصحيح لمواجهة العنف و الارهاب ، كما بدأت الكنيسة فى عهده إقامة موائد الوحدة الوطنية فى شهر رمضان وهو ما سمى موائد العائلة المصرية، كما أنه وقف أمام بعض الأقباط رافضاً إنشاء حزب مسيحى سياسى يكون أعضاؤه على أساس دينى.
قانون الاضطهاد الدينى
ومن مواقفه التى لا تنسى رفضه قانون الاضطهاد الدينى الذى قدمته لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الكونجرس الأمريكى وأكد بان اى قبطى لا يقبل ان تفرض عقوبات على مصر ، كما انه لم يخرج من فمه الطاهر فى يوم من الايام مفردات تدل على الطائفية ولعل هذا ما حمى مصر من مصير مهلك من الحروب الاهلية ، وعندما سمع تصريحات مصطفى مشهور المرشد العام للاخوان المسلمين بضرورة دفع الأقباط الجزية واستبعادهم من الجيش ، كان رد فعله هادئا تماما كعادته حين وصف هذه التصريحات بانها ردة وإساءة لبلدنا واعتبر من يدعو لذلك بانه يسئ الى مصر ويعمد الى وصمها بممارسة التفرقة العنصرية .
لا لتقسيم الوطن وتأسيس دولة قبطية
ولعل هذا يتضح ايضاً فى مواقف البابا تواضروس الثانى، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية التى تؤكد تمسك الكنيسة المصرية بالخط الوطنى العام حيث رفض قداسة البابا تواضروس الثاني، دعاوى الانفصال وتأسيس دولة قبطية في مصر التي يروج لها بعض الأقباط في المهجر ، مؤكداً على ان الكنيسة جزء لا يتجزأ من مصر التي لن تتقسم وستظل موحدة منذ عهد الفرعون مينا وإلى الأبد ، رافضاً دعاوى بعض أقباط المهجر بتدويل القضية القبطية لأن المصريين عائلة واحدة ومشاكل العائلات المحترمة لا تخرج خارج البيت.
كما أكد البابا تواضروس الثاني على أن المسؤولية الوطنية للكنيسة القبطية المصرية تحتم على الجميع العمل من أجل مصر وحمايتها وتدعيم الإجراءات التي تحقق لها الأمن والسلامة ، كما ان الجيش المصرى مؤسسة تتميز بالانضباط والالتزام،موجها لها كل التحية والتقدير ..
تحية اجلال وتعظيم الي ثلاثي مصر العظيم الشعب والجيش والشباب عاشب بلادي حرة قوية
القدس والازهر
ولا يمكن ان ننسى موقف البابا شنودة الثابت من قضية القدس حيث رفض زيارة الأقباط لها إلا مع الإخوة المسلمين بعد تحريرها.. وهو نفس موقف قداسة البابا تواضروس الثانى
وعن الأزهر يقول البابا تواضروس :هو المؤسسة الدينية الإسلامية الأولى فى مصر، وتاريخه يمثل الاعتدال والإسلام الوسطى المعتدل وعلاقة الكنيسة بمؤسسة الأزهر طيبة، علاوة على أن أوجه التعامل والتعاون مع الأزهر كثيرة ومتعددة جدا، تجمعها أواصر المحبة، ويمكن التعامل والتنسيق معه فى أوجه عدة مثل عقد مؤتمرات لتوعية المصريين، والعمل المشترك من أجل الوقوف ضد التحديات المشتركة التى لا علاقة لها بالدين سواء الإسلامى أو المسيحى من قبيل مواجهة الإدمان الذى يفترس الشباب المصرى، وهنا لرجال الدين دور هام للتوعية لعلاج تلك القضية، وكذلك قضية البطالة والإدمان الإلكترونى للإنترنت وغيره، لذا فيجب التعاون لعلاج تلك القضايا.
الكنيسة ..وصورة مصر فى الخارج
عندما استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني” كاثرين اشتون” الممثل الأعلى للشئون السياسة والأمنية بالاتحاد الأوروبى بالمقر البابوي أكد دعم الكنيسة لخارطة الطريق الانتقالية كما اطلعها على الاعتداءات التي استهدفت المسيحيين وكنائسهم من قبل العناصر الارهابية منذ يوم ١٤ أغسطس وقد تحدث مع شيخ الازهر حول عدد من الموضوعات منها وضع آليات للعمل علي تغيير صورة مصر أمام الخارج وتوضيح الصورة الحقيقية وان مصرخير دليل للوحدة الوطنية وبين مسلميها ومسيحييها ترابط لايفرقه شئ ، مضيفًا: ” لابد تعريف العالم أجمع بان المجتمع المصري رائد وهو علي غير الصورة التي يراها العالم الخارجي”.
بابا لكل المصريين
فى كل أحاديثه يؤكد البابا تواضروس الثاني أنه يعتبر نفسه بابا لكل المصريين وأنه يعتبر نفسه خادما لكل الشعب.ويوجه رسالة إلى المصريين قائلا :
– أولا مصر أغلى وطن، ولا يضارعه وطن فى العالم كله، ولا أقول ذلك مجاملة فالسيد المسيح جاء وعاش على أرضنا وأكل وشرب منها واستنشق نفس الهواء وصارت بلادنا مقدسة.
وأبعث برسالة حب وسلام للجميع وأشعر أنه من خلال مسؤوليتى فى هذا العمل أثق أن نعمه الله ستساندنى وكذلك أعضاء المجمع المقدس ومحبة الشعب وأطلب صلوات الجميع من أجل نجاحى، وأشكر الله على اختيارى، كما أن هذا المنصب مسؤولية جديدة وكبيرة وخطيرة لأن بابا الكنيسة المصرية هو بابا لكل مصر وأنا مواطن مصرى أعشق تراب بلدى وأحب أن أخدم كل إنسان مصرى
ماذا يحتاج المصريون فى اعتقاد البابا تواضروس الثانى؟ سؤال يطرح نفسه..فنجده يقول :
– أعتقد أن أكثر شىء يحتاجه المصريون هو الأمن والديمقراطية لتكون ديمقراطية حقيقية وليست ورقية، وقد تأخذ بلادنا سنوات طويلة للوصول لذلك ولكن يجب ألا ننسى أنها تربعت على قمة العالم منذ 2000 قبل الميلاد فلنا تاريخ وحضارة يشهد لها العالم كله ويجب أن نعود لمكانتنا الطبيعة بين الأمم، أتذكر فى زيارة خارج مصر منذ عهد طويل ركبت «تاكسى» وسألنى السائق من أى بلد أنا قلت له من مصر، ففرح جدا وقال لى أنى عندما تزوجت وسألت زوجتى عن أى بلد تريدين الذهاب إليها فقالت مصر.
ومن هنا يتضح ان الانتماء و الوطنية سمة اصيلة بارزة فى التاريخ المسيحى منذ العصور المسيحية الاولى فقد خط اباء الكنيسة اروع الصفحات فى الوطنية الصادقة و المواطنة الصالحة عبر رحلة تاريخ امتدت الى قرابة العشرين قرنا و قد اعتبر الاباء ان حب الوطن جزء لا يتجزأ من الايمان .