الثورة تهزم الطاعون
الحصار”لإلبير كامى” و”يوم من هذا الزمان” لسعدالله ونوس
في اطار فعاليات المهرجان الختامي لفرق مسرح الأقاليم في دورته التاسعة والثلاثين الذى تقيمه الهيئة العامة لقصور الثقافة وتنظمه الإدارة العامة للمسرح برئاسة دعاء منصور، تم تقديم العرض المسرحي “يوم من هذا الزمان” للكاتب سعدالله ونوس، وإخراج محمد بياع لفرقة الدلنجات القومية على مسرح البالون، يطرح المخرج العرض برؤية أكثر تحيداً بتحويله لهوية البطل “فاروق” من مدرس رياضيات فى النص الأصلى إلى مدرس لغة عربية فى العرض، وذلك لتحمل اللغة دلالة “الهوية العربية” التى جعلها مدخلاً لكشف فساد للمؤسسة التربوية، ولتشمل كافة مؤسسات المجتمع (السياسية، الإجتماعية، الإقتصادية، الدينية)، كما يقدم العرض لنا حال المجتمع الفاسد الذى تمارس فيه الرزيلة من داخل أكثر مؤسساتها إرتباطاً بمسؤلية الحفاظ على القيم والأخلاق، وهو نص يأتى ليطرح فكرة الإنحلال والعشوائية وإنهيار القيم، وسيادة النفوذ والسلطة، وشراء الضمائر، من خلال التركيز على شخصية (الست فدوى) التى تعمل قوادة بعد أن باعت نفسها فى زيجة من قبيل المصلحة وقد أشتراها زوجها صاحب النفوز،وليقدم لنا ونوس رؤيته لعصر الحداثة والإنفتاح الذى أخضع كل شيء للتسلع والإستهلاك، ونجد أن مدير الإدارة التعليمية لا يتورع أن يكون حاجباً فى مملكتها ولا يعبئ بفساد الفتيات وأن لا ضرر من أن تستباح أعراضهم، فى مقابل إلا تنهض أفكارهم ويفكرون فى السياسة، فكل المبيقات تحل ولكن الساسية تحرم. والإحالة هنا ترمز لجموع الشعب، فالسلطة الفاسدة فى أى عصر، تنحل أخلاقياً، بل تساهم فى ذلك، كوسيلة لإلهاء العقول عن التفكير النقدى الذى يكشف فساد السياسة.
أيضا تم تقديم العرض المسرحي “الحصار” للكاتب ألبير كامو، وإخراج ودراما خالد توفيق لفرقة الإسماعيلية القومية على مسرح البالون و “حصار” كامو تصور لنا حالة حصار سكان مدينة اسبانية تدعى كاديز, يعيشون حياتهم الطبيعية الخصبة فاقدي الوعي, في ظل نظام تقليدي عاجز, يمثله الحاكم والقاضي والكنيسة, وذات يوم نشب الوباء مخالبه داخل جسد المدينة, فيفرض عليها نظاماً بيروقراطياً كأنه القدر, ويحطم الوباء حياة المدينة فيشل الوجدان ويقتل الحرية والحب والمغامرة ويسود حكم الصمت, حتى يتشنج العاشق دبيجو وهو الشخصية الرئيسية فيصرخ صرخة الاحتجاج والتمرد وينقذه حبه بعد أن يدفع حياته ثمنا له,ولتقوم الثورة على الذات أولا؛ الكسل والخوف وعدم الاكتراث، على النظام السلبي مجرد, وتنتهى المسرحية بتغلب دبيجو على الموت في نفسه وفي نفوس الآخرين, عن طريق الوعى بموقفه اليائس الذي لا مخرج منه إلا بالثورة التى يشاركه فيها جموع الشعب.
وبالرغم من أن المخرج لم يزرع رموز الثورة المصرية كما يفعل أمثاله مع النصوص الأجنبية ومحاولة تمصيرها وربطها المباشر بالواقع، إلا أن الإحتفاظ بروح النص الأجنبى، لا تنفى تفسير النص من خلال الواقع المصرى الذى يتماثل مع واقع سكان تلك المدينة، فيحدث الإدراك من خلال عقد المقارنات المضمرة عند المشاهد، ولتتشابه أسباب الثورات ولتكن طريقاً لأتحاد المواطن العربى بالغربى، من خلال خوض نفس المعارك، ولإراقة الدماء كطريق لنوال الحرية.