مع الاقتراب من موعد التصويت علي الدستور الجديد ” اقصد الدستور المُعدل ” أصبح هناك نغمة نسمعها كثيرا هذه الايام ألا و هي .. سوف اقول نعم للدستور بالرغم من أنه ..و هذا في حد ذاته يعطينا اشارة و دلالة علي أن كثيرين من المصريين الذين سوف يصوتون بنعم هم لهم تحفظات كثيره و قد يرون أن هذا الدستور ليس هو الافضل و أنه لن يلبي احتياجتهم كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات و بالرغم من ذالك سوف يصوتون بنعم !!
لعلها حكمة المصريين المتراكمة عبر آلاف السنين والتي جعلتهم يدركون أن الوطن يمر بمرحلة مفترق طرق وأن هناك اخطارا تهدد أمن و سلامة هذا البلد و من ثم فلابد أن نقول نعم للدستور حتي نعبر هذه المرحلة بسلام.
إن هذه المرحلة الحرجة و الصعبة التي تمر بها مصر والتي لم تحدث من قبل في عصرها الحديث تحتم علينا التكاتف المجتمعي و نبذ الخلاف وألا نصل الي حالة الفراق و الفرقة حيث إن هذا من شأنه ان يقوي شوكة الاسلام السياسي بشتي أطيافه من جديد، و انا هنا بالطبع اتحدث عن الجماعة و اخواتها من اصحاب اللحي الطويلة الذين لن يدخروا جهدا في تعميق الانقسام و الفرقه حتي يتثني لهم تحقيق اعظم مئاربهم و هي تحويل مصر الي افغانستان اخري, و لكي نعرف و نقدر نعمة الله علينا فلننظر الي الاوضاع في سوريا و تونس و ليبيا، فحتي الان لا يستطيع اي منها الوقوف مرة أخري من عثرتهِ فليبيا علي سبيل المثال كان قد تم منذ فتره اختطاف رئيس الوزراء و من بعده رئيس المخابرات العامه هناك و المضحك في الامر ان مختطفيهما قد طلبا فدية من الدولة!!!! و هذا بالطبع يعطينا اشاره علي مدي تردي الاوضاع الامنية هناك، أما سوريا فحدث ولا حرج فحتي لو تمت السيطرة علي الاراضي السوريه بالكامل من قبل قوات الاسد في يوم من الايامو حلت المشكله عبر تسوية ما مع الغرب فسوف يكون هناك دائما شرخ كبير في بنية المجتمع السوري سوف يستغرق اصلاحه اجيال عده و عقود طويله و لن تعود بعد ذالك سوريا التي كنا نعرفهامن قبل ، اما تونس الغنوشي فلا حول لها ولا قوه و مازالت تنتظر السيسي التونسي قادما علي حصانه الابيض لينقذها من براثن الاسلاميين ، لهذا يتوجب علينا ان نشكر الله علي ما نحن فيه ليل نهار ولا تاخذنا العزه بالاثم حتي نستطيع ان نمضي الي الامام ونعوض كل ما فاتنا .
لا احد ينكر ان هناك اخفاق حكومي و اضح وضوح الشمس لا تخطئه عين بل و قد وصل في احيانا كثيره الي حد الفشل التام من حيث اعطاء اي اشارات أو علامات من شأنها ان تعطي للمواطن بارقة امل في تحسن احواله المعيشيه ولو علي المدي البعيد و لعل هذا هو بيت القصيد فيما يحدث حاليا من انقسام مجتمعي حول رؤيتين كان الاحباط و انعدام الثقه هما وقودهما، واحده تتحدث عن عودة النظام القديم من جديد باسلوبه و ادواته و علي راسها سطوة الجيش ومعه الاجهزه الامنيه السياديه علي مقدرات الحياه السياسيه في مصر مما دعا البعض ان يقول لا لعودة نظام مبارك من جديد متغافلين التغيرات النوعيه التي حدثت في عقل و وعي المجتمع المصري ناسين ان عقارب ساعة الزمن لا ترجع للوراء ابداً،، و الرؤيه الاخري تتحدث عن انه حينما يكون الوطن في خطر فيجب التغاضي عن بعض الحقوق المجتمعيه مؤقتا حتي تمر هذه الفتره الحرجه بسلام، اذاً الفشل في الاداء الحكومي قد اثر سلبا و لم يقنع ايا من الطرفين بان هذه الحركه المباركه من الجيش سوف تغير من الاوضاع المعيشيه كثيرا من حيث الاقتصاد او حتي الحريات و الحقوق المدنيه و اذا استمر مسلسل الاخفاق علي ما هو عليه لفتره اطول من ذالك فسوف يسحب هذا كثيرا من من رصيد محبه الناس للقوات المسلحه بل استطيع ان اقول من رصيد كارزمية الفريق السيسي نفسه حيث انه هناك اصوات تذمر بدات تتعالي سبب احباطها و فقدانها الامل في تحسن احوالهم المعيشيه فلا ننسي دائماً و ابدا ان الشعوب تمشي علي بطونها.
و في حقيقة الامر انه كلٍ من وجهتي النظر لهما وجاهتهما و استطيع ان اتفهمهما و لكنني اعتقد ايضا ان الطرفين غاب عنهم في كثير من الاحيان ان ما نراه وما نسمعه حتي الان من معلومات و تسريبات ما هو الا جبل الجليد وان ما خفي كان اعظم و هو في نفس الوقت يعكس لنا حجم المؤامره التي كانت تحاك لهذا البلد، وان اي انقسام من شانه ان يعطي الفرصه لقوي خارجيه كثيره متربصه لكي تصطاد في الماء العكر، غاب ايضا علي الطرفين ان مصر تعتبر رسميا في حالة حرب و ميدان هذه الحرب هو سيناء و التي هي مهدده بالفعل بالاختفاء من علي الخريطه المصريه لان الطامعون بها كثيرون.
ان اسؤ ماحدث لمصر و الشرق الاوسط في تاريخهماالحديث هو انه قد نجحت القوه الغربيه في ان تمكن جماعات الاسلام السياسي من الحكم في الدول المحوريه و المفصليه في هذه المنطقه ومن ثم يسقط معها الشرق الاوسط بالكامل ثم بعد ذالك يتم اعادة تشكيل و تقسيم المنطقه بما يتناسب و مصالحهم بغض النظر عن مصالح اهل هذه المنطقه و اهدار فرصهم لتحقيق تنميه حقيقيه تحقق لشعوبها الرخاء ، ،لكنه في النهايه قدر الله و ماشاء فعل و استطاعت مصر ان تنقذ المنطقه بالكامل من براثن مخطط غربي كان يهدف الي تقطيع اوصالها و الرجوع بها الي عصور ماقبل التاريخ و بالطبع كانت اسرائيل هي المستفيد الاول والاخير من كل هذا.
إن عودة مصر لمسارها الطبيعي و بقوه في الشرق الاوسط كقوي عظمي كما كانت من قبل مرة اخري يقلق بل يرعب الكثيرين و لا سيما بعد ماقد ارسلت مصر اشارات ورسائل عديدة كانت فحواها أن مصر قد بدأت تميل و تتجه شرقا بعد ما قد تحررت كثيرا من اغلال القيود الامريكية وأن مصر لن تقبل بعد الآن أن تلعب دور التابع و لكنها قد تلعب دور الشريك الكامل ان اراد البعض الشراكة، و نستطيع أن نقول إن مافعلته مصر قد عدل من التوازن الاستراتيجي ليس في المنطقه الشرق متوسطيه فحسب بل انه في العالم كله لانه من المعروف ان ماتفعله مصر بثقلها الجغرافي و التاريخي سوف ياخذ معه الشرق الاوسط كله في نفس الاتجاه و هذا بعد ما ظل يدور في فلك القوي الغربية لاكثر من نصف قرن .
لهذا كله اصبح ما يدور في مصر هو محور اهتمام القوي الغربيه بشكل غير مسبوق و بالطبع سوف يحاولون اجهاض و عرقلة كل تقدم ناحية الاستقرار و البناء، لهذا فالتصويت علي الدستور و نسبة الاقبال عليه هي رساله للكل المتربصين بان المارد المصري قد خرج من القمقم ولن يعود اليه مرة اخري و إما ان تتعامل معه و بشروطه او تكون انت الخاسر.
في الايام القليلة القادمة سوف نكون أو لا نكون لهذا يتحتم علينا ان نطرح الخلافات جانبا و ان نتجنب الاحكام المُسبقه وأن نُعلي مصلحة الوطن فوق اي مصلحه او اي حسبات ضيقه اخري لأن الطريق مازال طويلا والتحديات سوف لا تنتهي و علينا أن نتذكر دائما ان هناك ٣٣ مليون مصري نزلوا من بيوتهم لتأييد الجيش المصري في سابقه لم و لن تحدث في تاريخ اي مجتمع اخر ، فإن لم تكن من بين هؤلاء الملايين فعلي الاقل لابد أن تحترم رغبتهم و هذه هي ابسط قواعد الديموقرطية التي ننشدها وننادي به جميعا.