جميعنا يثني على أسلوب قداسة البابا تواضروس الثاني المملوء قوة وشجاعة وحكمة منذ تجليسه على الكرسي البابوي. فلم نراه أبداً يتدخل في السياسة أو يحاول توجيه الأقباط لأي اتجاهات أو انتماءات سياسية،
ولم يخلط أبداً السياسة بالدين، وقد كان ذلك لإدراك قداسته تماما لخطورة انسياق الكنيسة إلى عالم السياسة بما يخالف رسالتها ومسئوليتها الوحيدة في قيادة الشعب المسيحي روحياً فيما يخص أمور خلاصه وأبديته. ولم نرى أبداً البابا يتملق الرئاسات أو يقبل أن يتلقى أي توجيهات ليحرك بها إرادة شعبه – ولو حتى مقابل أي وعود لتغيير قوانين أو للسماح ببناء كنائس أو خلافه – بل رأيناه شجاعاً جسورا متمسكاً بالحق في كل آرائه.
ولكني أرى البعض من الشباب الآن ينتقد أن البابا صرح هذه المرة برأيه بل وجه الأقباط للاشتراك والتأييد للدستور الجديد والذي رآه البعض تغييراً في المبدأ أو الموقف، ولكني أحب أن أوضح ههنا أن الأمر مختلف تماماً هذه المرة، لأن القضية لم تعد توجيهاً لشعبه نحو اتجاه سياسي بعينه – وهو ما يدرك قداسته أنه لا يحق له فعله. بل القضية الحقيقية هي قضية إنقاذ وطن من الكذب والإرهاب الذي تكاتفت وتكتلت عليه قوى الظلام في الداخل والخارج. القضية ليست توجيهاً لاتجاه سياسي بل توجيهاً لتسليط نور الحق على موقف حرج تمر به بلادنا. وقد اتضح ذلك بعد أن انكشف أمام الجميع ما آلت إليه البلاد في العصر البائد وما كان مخططاً أن تصل إليه لو استمر ذاك الوضع أكثر من ذلك.
ولذلك فنفس السبب الذي منع قداسة البابا سابقاً من عمل أي توجيه لشعبه نحو أي اتجاه سياسي – وذلك لعدم خلط الدين بالسياسة لصالح كليهما – والذي هو وطنية قداسته وخوفه وغيرته على صالح بلاده، هو أيضاً ما دفعه ودفعنا جميعاً أن ننادي الجميع هذه المرة بقول “نعم”.
ف”نعم” هذه المرة ليست سياسية وليست لأي طرف، فنحن لسنا أمام حزبين متنافسين ولا أطراف متنافسة لها أوجه وآراء مختلفة، بل هي نعم لمصر، نعم لوطن كاد يضيع لولا محبة الله لأبنائه، نعم للنور والحق والمساواة، نعم للمستقبل المشرق الذي ينتظر هذا البلد، نعم لرفض الإرهاب والقتل والعنف والتمييز بين المصريين بسبب الجنس أو الدين.
وأخيراً كانت وحدة المصريين جميعاً والتي تجلت يوم 30 يونيو السابق والتي ظهرت جلية في نتيجة الاستفتاء وقبلها في اتحاد كافة أطياف المجتمع المصري في لجنة الخمسين ووصولهم لهذا الدستور مع اختلاف عناصرها رغم أنف الأشرار كانت هذه الوحدة التي يؤمن بها قداسته والتي تكلمت عنها عظته الأولى يوم تجليسه بطريركاً والتي ألقاها نيابة عنه نيافة الأنبا باخوميوس وذكر فيها شعور قداسته بمسئوليته نحو الجميع وأن يكون الجميع واحداً كوصية المسيح.. ذلك ما دفع قداسته ودفعنا كلنا هذه المرة أن ننادي الجميع أن يستيقظ لنداء وطن يحتاج كل صوت من أولاده لإنقاذه. مبروك لمصر هذه الوحدة وهذه النتيجة الدالة على الوحدة.
فيبارك الله مصرنا ويحرسها في إسمه وليبارك خدمة أبينا المحبوب قداسة البابا وينفعنا بصلواته.