خيانة سليم بركات سلمت المدينة
لأنّك معلولا دماءاً سقيناكِ
لأنّك معلولا، رجالاً زرعناكِ
لأنّك صخرةَ يسوع تتكلمْ
لأنّك صخرةُٰ تقلا ومريمْ
لأنّك ترنيمةُ بخورٍ ترنَّمْ
لأنّك معلولا ونحن عشقناكِ
رجعنا وعدنا سريعاً نواسيكِ
لنرفع صليبنا ونشدو أغانيكِ
ونشعل ناراً ونرمي أراميكِ
ونزهوا بك عزّاً ونفرح بلقياكِ
لأنّك معلولا مقامُ القديسين
لأنّك معلولا تراثُ الآراميين
لأنّك معلولا كرومُ عنبٍ وتين
لأنّك عشقي أهيمُ بك أهواكِ
.. لم تكن تلك الكلمات من وحى الكتابة المطلق .. انما كانت للشاعر ايا الشاب ابن “معلولا” المدينة السورية الجريحة .. ” معلولا ” مدينة الحب و السلام كما كانت تسمى دائما .. هذه المدينة التى كانت شرارة البدء للاستقصاء حول ما اثير عن اضطهاد ممنهج و اجلاء لمسيحيى سوريا .. مع قتل وتدمير للكنائس .. معلولا كما اسماها السوريين جرح المسيح النازف على جبال سوريا .. لم يكن بوسعى الذهاب اليها لكننى التقيت باحد الكهنة الكاثوليك انه ابن معلولا و عائلته تسكن فيها .. و نالت نصيبا وافرا من القهر على ايدى الارهابيين الذين اعتلوا الثورة السورية و حولوها الى ثورة جهادية لمحو المسيحية فى بلاد الشام كما قالوا لسكانها و فعلوا .
رفض الأب ذكر اسمه كسائر السوريين فالكل يخشى الكل وبدأ يروى قائلا : ” كل عائلتى تسكن فى ” معلولا ” .. لكن الان هرب الكل الى الشام بعد ان صارت الطائفية السمة المميزة.. ” معلولا ” بلدة مسيحية .. سكانها حوالى اربعة الاف منهم الف مسلم منها اقلية شيعية .. و البقية مسيحين .. من الروم الارثوذكس و الارمن الارثوذكس .. فجأة فى فبراير الماضى تغير الوضع بعد نزول الجيش باوامر من الحواجز المشيدة فوق بلدة معلولا – كان السبب هو قدوم الشتاء القاسى – الى باب المدينة .. حينها كان الجيش الحر قد استولى على بلدة “يبرد” – اعلى معلولا- حتى ان المسيحيين فيها صاروا يدفعون الجزية مقابل تركهم و عدم استخدامهم دروع بشرية اثناء الاشتباك مع الجيش النظامى – جيش بشار “.
خيانة سليم بركات
لم تكن الامور مقلقة حتى صنع بعض مسلمى معلولا الذين انضموا الى المتطرفين حاجزا مقابل الحاجز الذى صنعه الجيش على بابها .. صارت الاراضى كلها حتى حدود لبنان مفتوحة و تسمى اليوم “جبال القلمون” التى تشمل معلولا و يبرود و رانكوس السلسلة الغربية التى تطل على لبنان .. و خلت من الجيش النظامى السورى .. ابلغ المسيحيون قائد الفرقة الثالثة اننا صرنا بخطر .. ثم اكتشفنا خيانة قائد الفرقة الثالثة اذ كان عميلا للجيش الحر لدى الجيش السورى و هو قائد الفرقة من ريف دمشق حتى اطراف حمص .. اسمه سليم بركات .. و الان تتم محاكمته بمعرفة الجيش النظامى .
ثم حدثت العملية الانتحارية الشهيرة على حاجز معلولا .. صورتها الجماعات الارهابية – جبهة النصرة و القاعدة و داعش و اذاعتها عبر اليوتيوب و قنواتهم الخاصة ايضا .. واسمتها ” معركة السيوف المسلولة على حاجز معلولا “.. حيث بدأوا بالتكبير حاملين علامات القاعدة .. قتلوا العساكر..و هاجموا الضيعة .. و كان اهالى “معلولا” – نتيجة طبيعتها الجغرافية – يمكنهم قنص هؤلاء من اعلى منازلهم لكنهم التزموا بالاتفاق الذى صار بيننا و بين مسلمى الضيعة بعدم انحيازنا لاى جانب لا النظام و لا المعارضين .. و تحييد معلولا عن اى صراع .. و لكن المسلحين لم يلتزموا .. دخلوا الى الحارةالغربية .. و اطلقواالنار لمدة ثلاث ساعات .. على الحوائط و بيوت المسيحيين .. ثم عادوا الى الحاجز حينها صارت نساء ” بيت دياب” – احد مسلمى اهل القرية – تطلقن الزغاريد و هو ما بل و تطلبن من المسيحيات تغطية رؤوسهن و اشهار اسلامهن .. فى اظهار الولاء للمسلحين .. كشف ما فعلته نساء بيت دياب خيانة هذه العائلة للضيعة .. و لعبها دورالوسيط بين الضيعة و بين جبهة النصرة .. اذ ان تلك العائلات تعمل اساسا بالتهريب .. قطع النظام عليها طريق الارتزاق غير المشروع .. فلجأت للخيانة مقابل المال بل و مرت مع المسلحين لترشدهم الى بيوت المسيحيين .. كان لعائلتى نصيب كبير من الخيانة اذ بدأ الامر باختطاف اخى لمدة 54 يوما .. لم نعرف عنه شىء الا بعد 25 يوم و تصورناه قتيلا .. اسمعونا صوته عبر الهاتف .. قل لنا انه يحيا فى حمام .. وطلبوا فدية كبيرة .. تدخلت وساطة اسلامية من المدينة حتى قبلت الجبهة الافراج عنه مقابل 11 الف دولار.”
و يسترسل الأب الكاثوليكى موضحا :”اشتد القتل و التدمير للكنائس و سرقوا الاديرة الاثرية و نهبوها و صار المسيحيينلا يخرجون من بيوتهم .. فهرب مسيحيى معلولا لم يبق فيها الا الشباب المسيحى المسلح داخل بيوتهم .. ثم نزل مسلحى جبهة النصرة .. فاتوا على بيوت المسيحيين قاتلوهم و خطفوا ستة من الشباب .. كان ذلك فى بيت خالتى مروا و خلعوا الباب السفلى للبيت و القوا قنبلتين حتى يضمنوا الا يطلق احدا الرصاص عليهم من الداخل .. خالتى عمرها سبعين عاما و زوجها رجل مسن .. اخرجوهم قائلين “عليكم الامان ” .. اما الشباب و بينهم ابن خالتى و اثنين من اصدقائه .. فهددوهم اما ان النطق بالشهادتين او القتل فورا .. فضل الثلاثة الموت .. اختارو الحياة فى المسيح .. اخرجوهم خارج المنزل و اطلقوا عليهم الرصاص .”
كثيرين من رجال معلولا تطوعوا بالجيش و استشهدوا ايضا فداء للوطن .. فها هو الشهيد فادى ابراهيم اليازجى من ” مرمريتا ” متزوج وله ولدان بعمر الزهور.. التحق بالدفاع الوطني مركز” القصاع”.. اصيب باحدى المعارك برصاصة في صدره وعند شفائه عاد الى القتال علماً ان الرصاصة لاتزال في صدره.. ثم استشهد في درعا دفاعاً عن سوريا.”
قاطعت الأب الكاثوليكى سيدة كانت تجلس بالمكتب اثناء الحوار .. قالت و هل نسيت ولدى ؟ .. فسالتها ماذا بولدك ؟ اجابت :” اسمى فاتن كنت من سكان معلولا لكننى تركت سوريا منذ زمن طويل و رحلت الى لبنان لاعمل انا زوجى حينها كان عمر ولدى عامين .. الان عمره 18 عاما .. ارسلته منذ شهور الى الجندية .. اخشى عليه لكن الوطن يحتاجه و هو عازم على الجندية بارادته و ليس رغما عنه .. اذا بحث كل منا عن وساطة لاعفائه من الجندية من سيحمى سوريا ؟
و ابتسمت السيدة ابتسامة ملؤها الامل .. و التقط الأب الكاثوليكى طرف الحديث مرة اخرى ليكمل قائلا :” استمرت الاحداث و توالى الحصار على معلولا .. حتى أعلن السفير البابوي في سوريا « ماريو زيناري” ان مسسلحون ينتمون الى تنظيم القاعدة اختطفوا 12 راهبة ارثوذكسية من دير مار تقلا .. ثم ظهرن فى فيديو على احدى القنوات الموالية للمسلحين تؤكدن انهن ..لم يمسسهن اي سوء او اذى .. و من الملاحظ فى الفيديو ان الراهبات لم ترتدين اى صليب او غطاء راس به صليب و صدروهن خالية من اى “تعليقة” مسيحية .
ثم تم اعلان سبب احتجاز الراهبات و هو ابعادهن عن الخطر خوفا عليهن من قصف النظام السوري للدير!!! .. وقتلهن ثم استغلال هذا الامر اعلاميا امام الرأي العام المحلي والعالمي بالصاق تهمة قتلهن للمعارضه السورية .. ثم اعلن المختطفين المساومة للافراج عنهن مقابل وقف القصف اولا .. و الافراج عن الف معتقلة في السجون السورية ..و فك الحصار عن اهالي معضمية .. و تحييد مناطق النصارى كليا عما يجري من اقتتال بين الطرفيين .. و ما زالت معلولا فى قبضة جبهة النصرة .. فى قبضة الارهاب .. لا يستطيع الجيش النظامى ان يفعل لها شيئا .. ولن تنقذها الا عاية الله .
و يختم الاب الكاثوليكى حديثه متسائلا :” الراهبات لم تعدن و الكنائس دمروها و معلولا خلت من مسيحييها .. هل بعد كل ما يجرى فى معلولا تحديدا من تدمير للكنائس و خطف للراهبات و خيانة و قتل و طرد للمسيحيين .. هل من شك ان سوريا واحد ضمن مخطط تحويل الشرق الوسط الى ساحة تستخدم فيها بعض الدول جهل و رعونة هؤلاء المتطرفين لتحقيق مخطط تهجير المسيحيين منه لصالح اهداف استعمارية ؟ و لنا فيما حدث فى مصر مثال و لولا تدخل المؤسسة العسكرية لما نجا المصريين من براثن الارهاب .