بمناسبة ترجمة القانون المدني الفرنسي إلى اللغة العربية بمبادرة من جامعة سان-جوزيف في لبنان، نظم المعهد الفرنسي بمصر يومًا حول الدراسات القانونية بشأن القوانين المدنية الفرنسية والمصرية، متيحًا الفرصة لمتخصصين فرنسيين ومصريين لمناقشة تاريخ هذه القوانين وما طرأ عليها من مستجدات. وذلك يوم الأحد 8 ديسمبر
وهدف هذا الحدث إلى التذكير بتاريخ القوانين المدنية الفرنسية والمصرية منذ عام 1948 وهو العام الذي صدر فيه القانون المدني المصري، وإبراز مراحل تطور هذه القوانين في كلا البلدين مع مرور الزمن.
وقد علق باتريك لوبيز تيريه Patrick Lopez-terres الملحق الإقليمي للتعاون القضائي على الحدث : بأن القانون أحد عوامل التواصل والربط بين مصر وفرنسا.
بينما أكد أحسام الأهواني أستاذ القوانين بجامعة عين شمس إن قوانين الأحوال الشخصية في مصر تحتاج إلى تعديل وتطوير ، معللا بأن ما لدينا الآن هو قوانين متفرقة لا تؤمن حماية سواء للطفل أو للمرأة أو للزوج. وقال: “أتمنى أن نؤسس قانون مدني للمسلمين وقانون لغير المسلمين يحقق العدالة للجميع على أن يتم تطويرهما ليصبحا قانون واحد للجميع على أن يراعي ويحافظ على الاختلافات الدينية ، فإلى جانب الخصوصية الدينية المتنوعة في مصر هناك أمور اجتماعية لا تتعلق بالدين.”
وأشار الأهواني إلى أن القاضي في القانون المدني المصري ليس مطبق للقانون بل مطبق للعدالة وفق للظروف ، فالمشرع أراد أن يحافظ على التطور والاستقرار وجعل القاضي سلاحه في التطور، وهذا يشكل عبء على القاضي لأنه من يلام في حال عدم تطبيق العدالة بدلا من ملامة المشرع ومحاولة تغيير القانون. كما تطرق إلى تعديل القانون المدني ناصحا بعدم الاقتراب منه وخاصة في تلك الفترة المليئة بالاضطرابات.
أما موريس برنابي Moris Bernabe أستاذ القانون بجامعة فرانش كوميت l’universite de franche-comte فتحدث عن تطورات القانون المدني الفرنسي ضاربا بقانون الأسرة مثالا فقال: “إن من مميزات القانون المدني إنه دائم التطور، وهو دائم الخضوع لفحص جودته وملاءمته. فبعد الحرب العالمية الثانية اندرجت فرنسا في نظام عالمي جديد تمت فيه عولمة المعايير والمبادئ القانونية، وذلك أدى إلى تطورات شملت قانون الأسرة، ولم تكن تطورات على هامش مادة أو اثنين بل كان على أساس المبدأ، وأقول تطورات لأن التطور لم يكن على خط مستقيم بل كان يتم بتهيئة خاصة لكل فترة على حدى. تلك التطورات حولت القانون من قانون عام يحافظ على المجتمع إلى قانون خاص يحافظ على الأسرة ويحولها إلى خلية تستطيع أخذ قرارها بنفسها، وأصبح القانون يحافظ على العدالة بين الجنسين وغاب تماما التمييز الجنسي، كما تحول قانون الطفل ليعمل بمبدأ إن الطفل يأتي نتيجة إرادة حرة وذلك من خلال تقنين الإجهاض والذي جاء بعد إطلاق سراح امرأة أجهضت نفسها بعد حمل نتيجة اغتصاب، وهنا بدأ يظهر سؤال على السطح : هل المرأة لها الحق أن تنجب من شخص بقرار منها وحدها ، ثم هل من حقها أن تفرض الأبوة على الشخص الذي حملت منه ؟ وفي العام 2006 تم سن قانون يلزم الرجل بتحمل نتيجة الإنجاب حتى لو لم يرغب به. وكان الهدف الأساسي من تلك التطورات هو تغيير شكل الأسرة جذرياّ.
وفي العام 2005 تم أصلاح نظام النسب فأصبح الأمر لا يتعلق بالأب وحده أو الأم وحدها فقد أصبح للأسرة حق أن تحدد اسم الأسرة الذي سيعطوه للابن قد يكون نسب الأب أو نسب الأم أو اسم مركب بين النسبين.
وفي مارس 2007 أصدرت محكمة النقض حكم يرفض زواج الشواذ وفي العام 2013 تم تجنيب هذا القانون.
ونلاحظ في تلك التطورات إنها قامت بتغيير جذري في شكل الأسرة، وبعدما كانت الأسرة رمزا وبناءا أبويا أصبحت خلية ذات حرية ؛ الأمر الذي أسهم في دعم حرية المجتمع وأصبح المشرع يهتم بالأسرة الطبيعية المكونة من رجل وامرأة كما يهتم بأسر الشواذ، لأنه ليس هناك أى منطق لإهمالهم ، حتى ولو كان الأغلبية لا يقرون مثل هذا الزواج . الأمر الآخر هو إن القاضي في غالب الأوقات هو من يطلق شرارة التغيير، فهو من يلمس المشاكل الحقيقية للمجتمع يطالب بتغييرها لذا نجد في معظم حالات أن التغيير يسبق القاضي المشرع.”
يذكر أنه بناءً على أوامر صادرة من نابليون بونابرت، صدر قانون نابليون أو القانون المدني في عام 1804 ، ونظرًا لما تتميز به مواده من سلاسة، بات نموذجًا – ابتداءًا من القرن التاسع عشر – يُحتذى به في كتابة عدد من قوانين بلدان العالم المختلفة، على وجه الخصوص دول أوروبا وأمريكا اللاتينية.
أما في مصر، فقد كان الأستاذ عبد الرزاق السنهوري، رجل القانون البارز – هو الصانع الأساسي وواضع صياغة القانون المدني المصري في الفترة من عام 1946 وحتى عام 1949. ومن فرط تأثره بالقانون الفرنسي، نجده قد أنجز عملا باهرًا من خلال ما قام به من مزج برّاق بين روح التشريع الإسلامي ووضعية القانون الفرنسي. ويأتي القانون 131 لعام 1948 ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن “فاروق الأول، ملك مصر، ومجلسي الشيوخ والنواب” قد اعتمدوا وأصدروا القانون المدني الذي صاغه الأستاذ السنهوري وهو ما أدى إلى إلغاء التشريعات القديمة. وبسبب ما حظى به السنهوري من صيت عالمي كفقيه قانوني ، فإن قد أهله لصياغة القوانين والتقنينات المدنية في كل من العراق وسوريا والأردن وليبيا والكويت والإمارات العربية المتحدة.