تتعرّض الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية لشتى أشكال الاضطهاد والاقصاء من جانب أية سلطة قمعية. وبينما من المفترض أنْ يكون النضال الفكرى لمثقفى الأقليات هو الاندماج داخل المجتمع الذى يعيشون فيه ، بالتأسيس لمبدأ حق (المواطنة)
وأنهم مثلهم مثل أى مواطن من (الأغلبية) حدث فى مصر (خاصة بعد يوليو1952) أنْ انحصر (نضال) النخبة المسيحية فى الحصول على نسبة يحصلون عليها فى البرلمان ، وهو ما تلقفه عبد الناصر، الذى سجنهم داخل هذه النسبة بالتعيين ، بينما المسيحيون قبل يوليو52كانوا كعلاقة اللحم بالعظم ، وعلاقة الدم بالشرايين فى نسيج مجتمعنا المصرى .
تفاقم الوضع بعد زلزال يناير2011 وتوابعه ، فطالبمسيحيون كثيرون بأنْ يضمن الدستور حقهم فى نسبة فى المحليات والبرلمان. ولأنّ شعبنا المصرى تعرّض للإقصاء (وخاصة المسيحيين) منذ سيطرة الضباط على حكم مصر منذ فجر الأربعاء الأسود 23 يوليو1952، وكان الأكثر دلالة أنّ حركة ضباط يوليو لم يكن فيها مسيحى واحد ، ولأنّالتراث الإقصائى استمر لأكثر من ستين سنة. فترتب عليه عدم المشاركة السياسية بفضل سيطرة الحزب الواحد الذى بدأه عبد الناصر حتى مبارك. وما ينطبق على المسيحيين ينطبق على المرأة المسلمة.
إزاء هذا الميرات المُعادى للمواطنة ، والذى يصعب علاجه فى زمن قصير، فإنّ العقل الحر يرى (على مضض) أنه لابأس من النص فى الدستور على كوتة للمسيحيين وللمرأة لدورة أو دورتيْن على الأكثر. مع مراعاة أنّ هذا الإقرار لن يحل المشكلة من جذورها. لأنّ العبرة ليست فى مقاعد البرلمان ، وإنما فى المناخ الثقافى والاجتماعى بشكل عام .وطالما أنّ ذاك المناخ لم يستقر ولم يترسّخ فيه مبدأ (المواطنة) ستظل كل الافرازات البغيضة ضد المسيحيين وضد المرأة كما هى . والاغتيالات وحرق الكنائس وطرد المسيحيين من بيوتهم ومن قراهم إلخ لن يتوقف. أى أنّ منهج الإقصاء سيستمر طالما استمرالعنف . وما أقوله لايدخل ضمن قراءة (الغيب) إنما هو قراءة للواقع . ولعلّ أعضاء لجنة الخمسين الذين وافقوا على تعديل دستورالإخوان الذى ودّ واضعوه أنْ يعودوا لعصر الكهوف ، وحبس مصر فى تلك الكهوف المظلمة ، فكان من المفترض على أعضاء لجنة الخمسين رفض ذاك الدستور البغيضوليس تعديله. وضرورة التمسك بصياغة دستور جديد يليق بثورة 30يونيو، لعل ذلك يؤكد أنّ المناخ الثقافى والاجتماعى لم يتغيّر. خاصة وأنّ تلك اللجنة بها أعضاء من ممثلى التيارات الإسلامية الرافضين والمُعادين للمواطنة.
أزعم أنه بدل التشعلق بحبال مهترئة مثل (الكوتة) يكون البديل مرحلة جديدة من (النضال الفكرى) تبدأ بإقرار مادة (الأخلاق) كبديل لحصة الدين ، فيجلس الطفل المسيحى بجوار الطفل المسلم ، يتعلمان بعض آيات من القرآن ومن الأناجيل عن حب الأسرة واحترام الصغير للكبير. وعطف الكبير على الصغير. مع نماذج من كتابات الحكماء المصريين أمثال الحكيم (آنى) عن العدل والحب ونبذ الظلم والكراهية. هذا الإجراء لو تم سيقضى على الآفة التى بدأها ضباط يوليو52 عندما قرّروا فصل أبناء مصر من الأطفال فى حصة (الدين) ومن هنا بدأتْ مرحلة التمييز الدينى ، فترسّخ فى وجدان الأطفال أنّ الانتماء هو للدين وليس للوطن ، مع تنامى شعور الغربة والاغتراب ، فهذا مسلم وذاك مسيحى ، أى تعمد نفى ( المصرية ) عند الأطفال ، فى حين أنّ القاعدة فى العلوم الإنسانية (خاصة الفلسفة) أنّ الدين شىء (ذاتى) بينما (الموضوع) هو (الوطن) وأنّ الأوطان سبقتْ الأديان . وترتب على ذلك أنّ الطفل عندما يكبر، يضع ديانته قبل وطنه. وكانت الكارثة الثانية عندما قرّر الضابط كمال الدين حسين الذى تولى وزارة (التربية والتعليم) فى عهد البكباشى عبد الناصر، أنْ أصدر قرارًا باعتبار مادة الدين مادة نجاح ورســـوب ، وهو الأمر الذى لم يحدث قبل كارثة يوليو52. وكذلك النضال الفكرى ضد المادة التى تنظر للدولة على أنها مثل الشخص الطبيعى المؤمن بدين معين . وهذا الخطأ يجب تداركه (حتى لو أخذ عدة سنين) لأنّ الدولة شخصية اعتبارية ليس لها دين ولا تتعامل بالدين. وكذا إقرار حق المساواة التامة فى بناء دور العبادة ، لا فرق بين إسلامية ومسيحية إذا كان الإيمان بحق المواطنة أصيلا وليس زائفـًا.
وكما أنّ غلاة الإسلاميين يُخطئون كذلك يُُخطىء بعض المسيحيين ، فقد حضرتُ مؤتمرًا يوم 10نوفمبر2013فى أحد الفنادق الكبرى ، فإذا بمُنسق المؤتمر أو الداعى له يستضيف سيدة من غلاة الداعيات الإسلاميات فيتركهاتتحدث بلا تحديد للوقت رغم أنها لم تتحدث فى الموضوع وإنما ألقتْ خطبة مثل خطب يوم الجمعة ، بينما تمتْمقاطعة د. محمود العلايلى لأنّ حديثه لم يُعجب الداعى للمؤتمر، رغم أنّ د. العلايلى تحدث فى صلب الموضوع ، لكن ما أزعج الداعى للمؤتمر أنّ د. العلاليلى شرح خطورة المادة الثانية التى تعتبر الدولة مثلها مثل الأشخاص الطبيعيين . كما أنه تطرق للاضطهاد الواقع على المرأة ( المسلمة ) فإذا كانت (الكوتة) هى الدواء المر، وهناك إتجاه لإقرار هذا الإجراء فيجب أنْ تكون للمرأة أيضًا حصة فى المحليات والبرلمان ، ولكن هذا الحديث لم يُعجب منسق او الداعى للمؤتمر واعتبره خارج الموضوع ، وقالها صريحة (( المؤتمر دا عشان تقرير حق الكوته للمسيحيين وبس ))
أراهن دائمًا على المناخ العام ، وأرجو من المسيحيين المُتشعلقين فى وهم اسمه الكوته أنْ يتعلموا مما حدث قبل كارثة أبيب/ يوليو52حيث كان المناضل المصرى (مسيحى الديانه) ويصا واصف رئيسًا لمجلس النواب. وهو ما لم يتكرّر بعد يوليو52. وكان مرقص حنا نقيبًا للمحامين لأكثرمن دورة . كما أنّ أغلبية المسيحيين رفضوا أنْ ينص دستور1923على أية ضمانات للأقلية الدينية. إنه المناخ العام وليس المُسكن المدعو (كوتة)