الورقى اكثر هتماما بالدستور والقومية انتهكت المعايير المهنية
اصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان التقرير المرحلي الأول الصادر عن المرصد الإعلامي بالمركز ، والمعني برصد وتقييم الأداء الإعلامي لـ20 وسيلة إعلامية مطبوعة، مرئية،
ومسموعة في تغطية قضية الاستفتاء على الدستور. والذى يلخص تقييم عمليات الرصد للوسائل الإعلامية محل المراقبة اليومية خلال المرحلة الأولى من عملية الاستفتاء في الفترة من 25 أكتوبر وحتى 4 ديسمبر 2013 حتى انتهاء عمل لجنة الخمسين، وهذه الوسائل الإعلامية هي: من الصحف 7 هى : الأهرام، الجمهورية، الوفد، الحرية والعدالة، المصري اليوم، الشروق، الوطن. ومن القنوات التلفزيونية(8 قنوات): الفضائية المصرية، النيل للأخبار،ONTV، CBC،الحياة، النهار، MBC مصر، الجزيرة مباشر مصر. والإذاعات ( 5إذاعات): راديو مصر، 90:90، راديو هيتس، نجوم أف أم، إذاعة القرآن الكريم.
ولخص التقرير الى أهم المؤشرات حول الأداء الإعلامي خلال المرحلة الأولى من الاستفتاء ، والتى كان من الصعب الجمع بين كل وسائل الإعلام محل الرصد في اتجاهات أو مواقف موحدة، فرغم وجود توجه إعلامي عام يميل لدعم لجنة الخمسين وتعديلاتها من جهة، والهجوم الضاري على تيار الإسلام السياسي بكل روافده من جهة أخرى، إلا أن كل وسيلة إعلامية كان لها ما يميزها من مواقف وتحيزات تجاه أطراف بعينها، ناهيك عن خصوصية نتائج الرصد الخاصة بقناة الجزيرة مباشر مصر وجريدة الحرية والعدالة التي ربما جاءت على عكس التوجه العام المشار إليه أعلاه.
من أبرز المؤشرات : تباين اهتمام وسائل الإعلام بقضية التعديلات الدستورية خلال فترة الرصد: حيث جاءت الصحف في المرتبة الأولى من حيث معدل الاهتمام بقضية التعديلات الدستورية وأعمال لجنة الخمسين، يليها القنوات التلفزيونية، بينما جاءت الإذاعات في ذيل القائمة، حيث بدأ اهتمامها بقضية الدستور متأخرًا (منتصف نوفمبر) ، مع ضرورة الإشارة إلى أن إذاعة القراّن الكريم لم تتطرق خلال مدة الرصد لقضية الدستور بأي شكل، وهو أمر يختلف تمامًا عن أدائها في استفتاء 2012.
أما على مستوى أنماط الملكية فقد جاء معدل الاهتمام متساوي تقريبًا بين الإعلام الخاص والإعلام المملوك الدولة، بينما على مستوى الإعلام الحزبي، تراجع اهتمام صحيفة الحرية والعدالة بقضية الدستور مقارنةً بصحيفة الوفد، حيث تعمدت جريدة الحرية والعدالة تجاهل أخبار لجنة الخمسين وعملية صياغة الدستور حتى منتصف نوفمبر تقريبًا، ثم بدأ اهتمامها بقضايا الدستور ينصب على الطعن في مشروعية اللجنة والدستور الصادر عنها والإساءة لأعضائها، ونادرًا ما انخرطت الجريدة في النقاش حول المواد محل التعديل، مقتصرةً في أخبارها على مواد الهوية والمواد المتعلقة بالشريعة الإسلامية، مستخدمةً الخطاب الديني للطعن على أعمال اللجنة التي تستهدف المساس بالشريعة والنيل من الهوية الإسلامية للدولة على حد وصفها.
على الجانب الآخر ركزت جريدة الوفد على إبراز موقف الحزب أو رئيسه من اللجنة من جهة، والهجوم الضاري على ممثل حزب النور من جهة أخرى. وبشكل عام تحرص الجريدة على التأكيد على نجاح اللجنة في وضع تعديلات دستورية قيمة.
ومن جهة الحملات الإعلانية ، جاءت الحملات الإعلانية مكررة في الإذاعات والقنوات التلفزيونية،بشكل ملفت للانتباه، ومعظمها غير معلوم المصدر أو جهة الإنتاج، ونادرًا ما توضح الوسيلة الإعلامية أن هذه المساحات هي مادة إعلانية مدفوعة الأجر. ومن الجدير بالذكر أن معظم الحملات الإعلانية بدأت الترويج لدعم الدستور قبل الانتهاء من إعداد مسودته النهائية، بما في ذلك القنوات المملوكة للدولة، معتمدة على الربط الشرطي بين تأييد ثورة 25 يناير و30 يونيو ، وبين نبذ العنف ورفض الإرهاب وبين قبول هذا الدستور.
وانفردت القنوات المملوكة للدولة بإعلانات أبطالها هم أعضاء لجنة الخمسين، وهى دعوة للتصويت بنعم على الدستور. وقد كان شعار هذه الحملة جملة يرددها رئيس لجنة الخمسين: (نحن نمهد لعصر جديد والحفاظ على مصالح الشعب بكل فئاته هدفه وغايته) وتكُتب على الشاشة جملة (الدستور مستقبل مصر).
كما رصد التقرير غياب التنوع والتوازن في عرض الآراء، وانحياز الإعلاميين ، حيث تكرر ظهور أعضاء لجنة الخمسين خلال فترة الرصد في معظم الوسائل الإعلامية، أما المساحة المخصصة لمعارضي لجنة الخمسين أو الرافضين لتعديلاتها الدستورية –ولو جزئيًا– ضعيفة نسبيًا ( تقل تدريجيًا كلما اقترب موعد الاستفتاء)، بل قد يتخذ الإعلامي موقف المدافع عن اللجنة، بوصف المواد محل التحفظ بأنها مجرد مواد انتقالية، أو مواد مؤقتة، تستدعيها المرحلة، أو مواد جامعة مانعة. والمثير للانتباه تبني الإعلاميون لوجه نظر محددة والدفاع بعنف عنها، حتى ولو اعترض عليها الضيف، أو المتلقي، بل وصل الأمر لأن يسئ المذيع للمتلقي بسبب رأيه المخالف لموقفه، على إذاعة مملوكة للدولة! .
كما أن معظم القضايا الخلافية التي يفترض أن يلعب الإعلام الدور الأكبر في طرح وجهات النظر المختلفة حولها، كان لمقدمي البرامج مواقف واضحة مسبقة منها، فعلى سبيل المثال أعرب مذيع برنامج ممكن على قناة CBC عن سعادته البالغة لمقترح إلغاء مجلس الشورى، وكذا مذيع برنامج أخر النهار على قناة النهار الفضائية. بالاضافة الى الانتقائية في التناول الإعلامي وتجهيل المصادر ، فخلال فترة عمل لجنة الخمسين انصب اهتمام وسائل الإعلام على مواد وقضايا محددة وضيقة ومكررة، وهي (مواد الهوية، إلغاء مجلس الشورى ونسبتي العمال والفلاحين، مواد الجيش والمحاكمات العسكرية للمدنيين، الديباجة ومدنية الدولة ) بينما زادت بعض وسائل الإعلام على المواد السابقة (المواد المتعلقة بـ”كوتة” المرأة، وصلاحيات رئيس الجمهورية). وعانت معظم الصحف محل الرصد من تجهيل المصادر، لاسيما جريدتي الوطن والشروق.
وجاء ظهور حزب النور في وسائل الإعلام في سياق قضية الدستور، محدودًا للغاية ، كما أن الحديث عن موقفه في لجنة الخمسين كان غالبيته سلبيًا، ناهيك عن تكرار عدد من الأخطاء المهنية في إدارة الحوار منها (عدم العدالة في توزيع المساحات، الأسئلة الهجومية أو الإيحائية، القفز على الحقائق وإصدار الأحكام، والتهكم والسخرية من أعضاء الحزب ….إلخ).
ومن ابز مؤشرات تراجع الاهتمام بالمرأة وانحسار الخطاب الطائفي ، فاتفقت جميع وسائل الإعلام على تهميش دور المرأة في صياغة هذا الدستور، فجاءت نسبة الاستعانة بالمرأة كمصدر للأخبار، أو الحديث عن مواقفها من الدستور أو مجرد مشاركاتها في مناقشة المواد التي تتعلق بحقوقها محدودةً جدًا، مقتصرة على شخصيات مكررة وبمساحات قليلة جدًا، مقارنةً بإجمالي المساحة المخصصة لتناول الدستور ككل أو بعض مواده “الخلافية”. كما لم يبرز البعد الطائفي في التغطية الخاصة بالدستور بشكل واضح (على عكس دستور 2012). إلا أنه على الجانب الآخر استمرت جريدة الحرية والعدالة وقناة الجزيرة في التلويح بالبعد الطائفي و”صفقة” المسيحيين مع السلطة الحالية؛ كسند أساسي في الحشد لرفض الدستور.
وبالنسبة لقانون التظاهر والهجوم على أعضاء الخمسين المتضامنين مع المتظاهرين ، فقد اتفقت معظم القنوات في الهجوم على أعضاء لجنة الخمسين الذين جمدوا عضويتهم؛ احتجاجًا على القبض على المتظاهرين في أحداث مجلس الشورى، بشكل عنيف وتوصيفات غير مهنية، وصلت إلى حد الاتهام بالعمالة والتأمر ضد مصلحة البلاد، ووصف موقفهم بـ”التفاهة وشغل العيال” والتحدي السافر للدولة.
فى النهاية خلص التقرير الى تقاعس الإعلام عن القيام بأدوار مختلفة كان منوطًا به أن يؤديها خلال المرحلة الأولى من الاستفتاء، والخاصة بتغطية أداء لجنة الخمسين. حيث كان يُفترض خلال هذه الفترة أن يقوم الإعلام بدور المراقب البديل عن المواطن على أداء اللجنة، بدءً من تشكيلها مرورً ا بقراراتها ومقترحاتها وأهم الخلافات ووجهات النظر المختلفة بين أعضائها، وألا ينجرف إلى ساحة مدح أو ذم الأعضاء بناءً على مواقفهم، ومدى توافقها مع رأي الإعلاميين ووسائلهم الإعلامية. كما كان منوطًا بالإعلام في هذه المرحلة أن يطرح الرؤى المستقبلية المختلفة للمراحل المقبلة من عملية الاستفتاء، كأن يبحث الإعلام ضمانات نزاهة عملية الاستفتاء، أو إلى أي مدى تُحقق مواده أهداف وطموحات الشعب المصري بمختلف روافده وطوائفه، أو طرح السيناريوهات المقترحة حال اعترض الرأي العام على هذا الدستور، بل واعتبر التقرير أن المشكلة الأكبر تكمن في مصادرة وسائل الإعلام لحق الرأي العام –بمختلف طوائفه– في الاعتراض أو التحفظ على بعض مواد مسودة الدستور أو ربما على المسودة بأكملها!. كما تستخدم وسائل الإعلام المناهضة لما تطلق عليه “انقلاب 3 يوليو” السياسة نفسها في مصادرة حق المواطن في إبداء الرأي. ولعل المشكلة الأكثر خطورة كما يرى التقرير هو تقديم الإعلام للمسودة المزمع تقديمها من لجنة الخمسين على اعتبارها دستور مصر، ومن المؤسف أن استخدام هذا النهج في الإعلام قد يأتي بنتيجة عكسية، فقد يشعر المواطن أن رأيه تحصيل حاصل، والنتيجة محسومة فيتقاعس عن المشاركة أو يقرر –عِندًا أو شكًا– أن يرفض الدستور، فتأتي النتائج بعكس ما تشتهي الحملات الإعلامية الداعمة للدستور.
أخيرًا يؤكد هذا التقرير على أن صدور الانتهاكات المشار إليها أعلاه من وسائل إعلامية مملوكة للدولة يضاعف من مسئوليتها وانتهاكها للمعايير المهنية، فهذه الوسائل الإعلامية التي حشد إعلاميوها للتصويت (بنعم) على الدستور، وتعمدت برامجها وحملاتها الإعلانية تشويه وإقصاء كل من يخالف هذا الدستور، يُفترض أن تبقى معبرة عن جميع التيارات والأطراف والرؤى دون إقصاء أو توجيه.