يتوافد أكثر من 70 رئيس دولة وحكومة هذا الأسبوع على جنوب أفريقيا منهم الرئيس الامريكي باراك أوباما والرئيس الايراني حسن روحاني للمشاركة في مراسم وداع رئيسها السابق نلسون مانديلا، المعروف باسم “ماديبا” في جنوب أفريقيا، في حشد غير مسبوق لتخليد واحد من أعظم صناع السلام في تاريخ البشرية.
وقالت وزارة خارجية جنوب أفريقيا يوم الاثنين ان الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ورئيس زيمبابوي روبرت موجابي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والسكرتير العام للأمم المتحدة يان كي مون سينضمون أيضا الى ما وصف بأنه أكبر حشد لزعماء العالم في التاريخ الحديث يوم الثلاثاء في استاد سوكر سيتي بجوهانسبرج.
ويوجد الاستاد الذي يسع 95 الف شخص في ضاحية سويتو التي كانت في قلب النضال ضد التمييز العنصري. وتقام في الاستاد يوم الثلاثاء مراسم تأبين رسمية لمانديلا الذي توفي يوم الخميس عن 95 عاما. كان هذا الاستاد هو المكان الذي ظهر فيه مانديلا بطل مقاومة الحكم العنصري للاقلية البيضاء للمرة الاخيرة في مناسبة عامة وأخذ يلوح للشعب من عربة جولف سوداء في مباراة نهائي كأس العالم لكرة القدم لعام 2010 التي أجريت في هذا الاستاد.
وتوفي مانديلا (نيلسون روليهلاهلا مانديلا( أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا في هدوء وسط أفراد أسرته يوم الخميس الماضي بعد معركة طويلة مع مرض في الرئة وسيطر الحزن على 25 مليون مواطن في جنوب أفريقيا وملايين آخرين في شتى انحاء العالم. ومنذ وفاته تعيش جنوب أفريقيا حالة من الشجن لا تضاهيها الا حالة الفرحة التي غمرت البلاد عام 1990 لدى الافراج عن مانديلا بعد ان قضى 27 عاما في سجون الحكومة العنصرية البيضاء وفوزه بأول انتخابات متعددة الاعراق بعد ذلك بأربع سنوات.
بطل تاريخي
وفي إطار تبجيل شعب جنوب أفريقيا لمانديلا، نشر رسام الكاريكاتير الأشهر في البلاد زابيرو رسما لوجه مانديلا تعلوه السكينة وعيناه مغمضتان وهو يختفي في الأفق كالشمس الغاربة فوق البحر، وحشد يراقب في هلع. وقال تشابان إنه سيكشف النقاب عن تمثال جديد لمانديلا في “مبنى الاتحاد” مقر الحكومة يوم 16 ديسمبر وهو “يوم المصالحة”.
وفي ظل نظام الفصل العنصري، وقعت في ذلك اليوم معركة نهر الدم عام 1838 وهزم فيها أقل من خمسمائة من الأفريكان البيض ما يزيد على عشرة آلاف من الزولو، وغير اسم ذلك اليوم إلى يوم المصالحة في عام 1994 في مسعى لمداواة جراح الهيمنة البيضاء على مدى ثلاثة قرون.
ومن المقرر أن يسجى جثمان مانديلا في مقر الرئاسة (مبنى الاتحاد) في بريتوريا من 11 إلى 13 من الشهر الجاري، ليتمكن المسؤولون وغيرهم من إلقاء نظرة الوداع عليه. وسيدفن الأحد المقبل في قرية كونو التي كان يقول إنه أمضى أجمل سنين حياته فيها، وطلب أن يدفن فيها بالقرب من والديه وثلاثة من أبنائه.
يشار إلى أن مانديلا خرج من السجن عام 1990، وأصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا بعد زوال نظام الفصل العنصري عام 1994. ولم يبقَ مانديلا في المنصب سوى فترة رئاسية واحدة، ثم اعتزل العمل السياسي إلى حد كبير منذ عام 2004.
أول رئيس أسود
أثار رحيل نيلسون مانديلا، أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا بطل النضال ضد نظام الفصل العنصري، الخميس، موجة ردود فعل في أنحاء العالم لتوجيه تحية إلى هذه الشخصية الاستثنائية. ولم يحظ أي رئيس دولة أو مقاوم سياسي أو حائز على جائزة نوبل أو سجين رأي بمثل هذا الكم من تحيات الاحترام والتعبير عن الحزن من كل أنحاء العالم. وأجمع القادة السياسيون الذين سيشاركون قريبا في مراسم جنازة الرئيس السابق، الذي رحل عن 95 عاما، على التشديد على الصفات الإنسانية للمناضل.
وأعلن رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما وفاة رئيس البلاد الأسبق مانديلا، وقال إنه توفي الخميس بمنزله في جوهانسبرج، معلنا جنازة رسمية له وتنكيس الأعلام في البلاد. وقال زوما إن مانديلا سيدفن في مقابر أجداده بقرية كونو بإقليم الكاب الشرقي في 15 ديسمبر الجاري. وأضاف أن مراسم التأبين التي تستمر أسبوعا ستتضمن إقامة قداس في الهواء الطلق في العاشر من الشهر الجاري في استاد كرة القدم بجوهانسبرج الذي شهد مباراة نهائي كأس العالم لعام 2010 .
تاريخه السياسي وطني ومشرف
مانديلا هو أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، وحاز على جائزة نوبل للسلام، كما أنه ناشط اعتقل لـ27 عاما بسبب نضاله ومقاومته لسياسة التمييز العنصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ولد في 18 يوليو 1918 في ترانسكي بجنوب إفريقيا، وتخرج من جامعة جنوب إفريقيا بدرجة البكالوريوس في الحقوق عام 1942، وانضم إلى المجلس الإفريقي القومي الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوب السنغال عام 1944، وأصبح رئيسا له عام 1951.
وفي عام 1961، بدأ مانديلا بتنظيم الكفاح المسلح ضد سياسات التمييز العنصري، وفي العام التالي ألقي القبض عليه وحكم بالسجن لمدة 5 سنوات. وفي عام 1964، حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التخريب. بعد 27 عاما من السجن، أفرج عن مانديلا في 20 فبراير 1990، وفي عام 1993، حاز مانديلا على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع فريدريك دكلارك. في 29 أبريل 1994، انتخب مانديلا رئيسا لجنوب إفريقيا، وفي 1999، أعلن تقاعده بعد فترة رئاسية واحدة، وفي نفس العام، أسس مانديلا مؤسسة نيلسون مانديلا الخيرية.
تنكيس الأعلام
فيما أمر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتنكيس الأعلام للنصف حدادا على مانديلا، وقال إن العالم خسر أحد أكثر الناس شجاعة ومصداقية ونقاء. أما الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، فقد وصف مانديلا “ببطل الكرامة الإنسانية والحرية”. وقال إن “التاريخ سيذكر مانديلا كبطل من أجل الكرامة الإنسانية والحرية والسلام والمصالحة”.
ومن جهته، صرح رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بأن “نورا كبيرا خبا”. وقال على حسابه في “تويتر” إن “مانديلا كان بطل عصرنا”. وتابع “طلبت تنكيس العلم أمام مقر رئاسة الحكومة”. وإلى ذلك، وصف الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، مانديلا بالمقاوم الاستثنائي والمقاتل الرائع. أما وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، فقد رأى في مانديلا “عملاقا كان يتمتع بحضور قوي” و”أبا لجنوب إفريقيا”. وأمر هولاند كذلك بتنكيس الأعلام وإعلان الحداد 3 أيام في فرنسا.
ضحى بحياته من أجل الملايين
وعبر أعضاء مجلس الأمن الدولي عن “تقديرهم الشديد للصفات الأخلاقية والسياسية الاستثنائية” للراحل “الذي سيبقى على الدوام في الذاكرة كشخص ضحى بقسم كبير من حياته من أجل أن يتمكن الملايين من أن يحظوا بمستقبل أفضل”.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه مانويل باروزو، إنه “يوم حزين، ليس لإفريقيا وحدها بل للأسرة الدولية بأكملها. نبكي وفاة واحدة من أعظم الشخصيات في عصرنا”. وأكد رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، أن “جنوب إفريقيا فقدت أباها والعالم فقد بطلا، أشيد بواحد من أكثر الرجال إنسانية في عصرنا”.
بينما قال آخر رئيس أبيض لجنوب إفريقيا، فريدريك دي كليرك، إن مانديلا وحد شعب جنوب إفريقيا بعطفه وإنسانيته.
وأوضح ديزموند توتو، أحد أهم المناضلين ضد نظام الفصل العنصري، إن مانديلا “علمنا كيف نعيش معا ونؤمن بأنفسنا وبجميع الآخرين”. فيما اعتبر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن مانديلا من أشجع الرجال الذين قدموا دعما للفلسطينيين.
العالم ينعي البطل
وفي البرازيل، عبرت الرئيسة ديلما روسيف عن حزنها لوفاة مانديلا “المثل الذي سيقود كل الذين يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية والسلام في العالم”. وقال أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه على “تويتر”: “فقدت بطلي وصديقي ورفيقي في النضال من أجل قضية الشعوب ومن أجل السلام في العالم”. وأعلن رئيس نيجيريا، غودلاك جوناثان، في برقية تعزية وجهها إلى جنوب إفريقيا أن مانديلا واحد من “أكبر المحررين في التاريخ” و”شعار للديمقراطية الحقيقية”. أما الزعيم التاريخي لحركة تضامن البولندية، ليش فاليسا، فقد وصف مانديلا بأنه “رمز للنضال ضد الفصل العنصري والعنصرية”.
مانديلا في قلوب المصريين
ونعت مصر رئيس جنوب افريقيا الأسبق نلسون مانديلا في بيان لرئاسة الجمهورية أشار إلى أنه سيظل “في قلوب وعقول المصريين كأحد أبرز رموز الكفاح والنضال الوطني في عالمنا المعاصر”. وقال البيان “نعت رئاسة جمهورية مصر العربية ببالغ الحزن والأسى المناضل الافريقى العظيم نلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا الأسبق الذي ربطته روابط وثيقة وتاريخية بمصر والمصريين على طريق نضاله من أجل القيم الإنسانية النبيلة.” وجاء في البيان أن “زعماء بقامة نلسون مانديلا والرئيس الراحل جمال عبد الناصر والآباء الأفارقة المؤسسين للنضال والكفاح الافريقي من أجل الحرية والاستقلال سيظلون أبد الدهر مصدر إلهام للشعوب ونموذجا يحتذى للتضحية والفداء في سبيل المبدأ تحقيقا للقيم الإنسانية والكرامة الوطنية وتطلعات الشعوب.”
وكان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي قد نعى في بيان مانديلا قائلا إن العالم فقد “رمزا تاريخيا وابنا أفريقيا مخلصا.” وأضاف “دور مانديلا تجاوز حدود موطنه في جنوب افريقيا ليصبح مصدر إلهام لكفاح شعوب القارة الأفريقية بل والعالم في سعيها للتخلص من العنصرية والظلم للحصول على حياة كريمة وحرة.”
وتابع بيان الخارجية “إن قصة كفاح مانديلا ستظل نقطة مضيئة ومحل فخر للعالم أجمع ولأبناء أفريقيا في المستقبل.. ليس فقط لدوره في قيادة مقاومة شعبه لنظام الفصل العنصري وصموده بعزة طوال سنوات سجنه الطويلة ولكن كذلك لتبنيه وتطبيقه مباديء التسامح والعفو بعد نيله حريته ليقود بلاده بكافة مواطنيها لتجاوز آثار المحنة الطويلة التي مرت بها.” وقال إن مانديلا “تحول خلال العقدين الماضيين إلى أحد الحكماء الحقيقيين في العالم أجمع.”
وكان مانديلا قد زار مصر مرتين أخراهما كانت بعد خروجه من السجن عام 1990 عندما منحته جامعة القاهرة الدكتوراه الفخرية.