بمناسبة أول جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى، يمكن أن نفترض أن محاكمته لن تكون سوى نسخة من محاكمة مبارك، فلن يدان وسوف يقترب من البراءة تماما مثلما حدث مع الرئيس مبارك، فكلاهما مدان سياسيا وهى أمور محل جدل، وكلاهما يحاكم بموجب جرائم جنائية محددة تفتقر،
فى الغالب، إلى الأدلة والبراهين الكافية. وبالتالى فإن الحكم بالبراءة أمر متوقع فى الحالتين. ومن المتوقع أن توجه إلى مرسى العديد من التهم، منها ما هو سابق توليه رئاسة الجمهورية، وتحديدا تهمة الهروب من السجن إبان ثورة 25 يناير، وربما تكون هذه هى التهمة الوحيد، إن توافرت أركانها وشروطها، التى تحتمل الإدانة، وخاصة وأنها مقترنة بتهمة أخرى خطيرة وهى التخابر. أما فيما يتعلق بالتهم الجنائية لوقائع حدثت أثناء توليه الرئاسة، فهى على ما يبدو ستؤول إلى ما آلت إليه سابقا جرائم قتل المتظاهرين فى أحداث يناير.
وهكذا فسوف تبدأ المحاكمة وتتوالى الجلسات، وخارج قاعة المحكمة ستظل النزاعات ويظل السؤال: هل الحل فى محاكمة أو إدانة الرؤساء؟ أم أن المحاكمات هى فى حد ذاتها مجرد تغطية لعجز فعلى عن إيجاد حلول سياسية للمآزق التى التى وقعت فيها البلاد؟ وهذا ينطبق على مبارك، كما ينطبق على مرسى. فما الذى قدمته محاكمة مبارك؟ فى الحقيقة لا شئ، وربما لو كان هناك سيناريو آخر لكان مسار الأمور قد تغير. ومع ذلك، لا يمكن افتراض غير ما حدث، حيث أن النزاع السياسى وتوازنات القوى فرضت أن تكون محاكمة مبارك بالطريقة التى تمت بها.. فلم يتم القبول بعزل مبارك دون محاكمته، كما لم تصل الأمور إلى حد محاكمته محاكمة سياسية عاجلة، وتم ترك الأمر للقضاء فى محاكمة عادية تتطلب الكثير من الأدلة والبراهين. وربما سيكون هو ذاته السيناريو مع الرئيس مرسى، إلا ذا ظهرت أدولة وبراهين، مقبولة قانونيا، تدين مرسى فى أفعال محددة.
يمكن أن نقول أن مشكلات السياسة لن يحلها القانون، بمعنى أن إدانة رئيس أو تبرئته بالمعنى القانونى، لن تحل بالضرورة مشكلات السياسية والتى تتمثل فى عجز القوى السياسية عن التعايش، أو كما يقولون عجزهم عن الوصول إلى توافق يسمح بتأسيس نظام ديمقراطى، وتداول السلطة بطريقة سلمية. بل يمكن أن نقول أن هذا النمط من المحاكمات، فى ظل توازنات القوى القائمة وحالة الاستقطاب الحاد التى نعيشها، والمؤثرات الإقليمية والدولية قد تزيد الأمور تعقيدا.
وأكرر ما سبق أن قلته، أن ثمة شئ جوهرى ناقص فى الحالة الراهنة، وهو عدم وجود قوى سياسية واجتماعية مؤثرة يمكن أن تضغط فى اتجاه مسار ديمقراطى فعال، أو إصلاحات يمكن أن تكسر حدة الضعف المؤسسى والاستقطاب السياسى. أما ما نعيشه فهو حالة من الصراع المدمر، حيث أن الطرفان، الإخوان والسلطة، يواصلان حرب استنزاف قد تطول، فكل طرف يريد إضعاف الآخر وتدميره إن أمكن، أما ما يسمى المصلحة العامة، فربما تكون آخر ما يتم التفكير فيه. وعلى الهامش ثمة قوى سياسية أخرى، حظيت إعلاميا بثقل أكبر من ثقلها الحقيقى، فلم يعد لها من وجود إلا الدوران فى فلك ساحة الصراع بين السلطة والإخوان، وبعيدا فى الأطراف هناك مجتمع، إما مشغول بالأمور الحياتية التى تزداد ترديا بشكل ملحوظ، وإما أنه منجذب إلى ساحة المعركة كمشجع أو معارض، يخوض حروبه الهامشية كتلك التى صاحبت منع برنامج باسم يوسف خير دليل على ذلك.
وهكذا فسوف نشاهد محاكمة مرسى كما شاهدنا محاكمة مبارك، وقد تصيبنا بالملل كما أصابتنا محاكمة مبارك، وسوف نظل على يقين بأن القانون لن يحل مشكلات السياسة.