تأتي ذكرى الأربعين لرحيل الفنان الأصيل والصديق العزيز يوسف نصيف (1920 – 2013) أحد رواد الفن القبطي بأنواعه…وتحمل لنا كتيب بعنوان “أحلى أيقونة مصرية” وهي العبارة التي قد قالها مثلث الرحمات البابا شنودة أثناء إلتقاط صورة جمعت بين قداسة البابا والزوجين الحبيبين بدور لطيف ويوسف نصيف..
أعد هذا الكتيب معهد الدراسات القبطية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. ومع بداية صفحاته كلمة لقداسة البابا تاوضروس الثاني.. وكلمات بقلم كل من نيافة الأنبا دمتريوس ونيافة الأنبا مكاريوس..ونيافة الأنبا مارتيروس ونيافة الأنبا أغاثون.. ونيافة الأنبا بسانتي.. مع تقديم وكلمات من عميد المعهد د. سامي صبري والوكيل والأمين العام.. والأساتذة مع قسم الفن بالمعهد.. وآخرين من محبي فن يوسف نصيف.. وكلمات لأفراد الأسرة.. أخوته وأولاد أخوه الأستاذ لويس نصيف.
نجد أيضاً سطور كتبتها تلميذتهما الفنانة سميرة لمعي عن السيرة الذاتية لهما مع لمحة عن حياتهما الفنية والفكرية.. ومن بين المقالات نقرأ لبعض الكهنة والتي ربطت بينهما علاقة روحية وفنية منهم القمص رويس جرجس.. وأبونا يوحنا زكريا وبعض الخدام والخادمات بكنيسة مارجرجس منشية البكري وذلك لقيام الفنانان بدور ويوسف بعمل الأيقونات الخاصة بهذه الكنيسة.
ومن كنيسة مارجرجس بكاليفورنيا كتب القمص أنطونيوس داود.. وأبونا موريتريوس .. ومن كنيسة مارمرقس بكندا كتب أبونا مرقس والأستاذة الدكتورة هيلين موسى أمينة متحف مارمرقس للفن القبطي بتورنتو والمهتمة بالفن القبطي والفنانين المصريين الذين أبدعوا تلك الأيقونات في أي مكان في العالم .. مع كلمة من الفنان والأستاذ جمال لمعي عن علاقته بهما فنياً.. وكلمة من كاتب هذا المقال وتحليل لأعمالهما الفنية.. وكلمة الفنانة ماري منصور ورؤيتها الفنية لهما .. وقام بالطباعة والإشراف الفني معهد الدراسات القبطية.
وسيقام القداس الإلهي على روحه الطاهرة صباح يوم السبت الموافق 16 نوفمبر 2013 بكنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بمنشية البكري.
والراحل القدير يوسف نصيف كان من الفنانين الموهوبين.. تميزت إبداعاته بالقدرات المبتكرة.. بالإضافة إلى خبراته الفنية على مدى أكثر من 60 سنة قضاها رساماً وصاحب رسالة في مجال تعليم الفن القبطي في مصر.. فأضفت على لمسات فرشاته مزيدا من الحساسية المرهفة.. وكان فنانا محبا لفنه ..وبذل جهدا صادقاً في الإبداع بتواضع وصمت.
بعد حصوله على بكالوريوس المعادن الزخرفية والمينا في كلية النون التطبيقية عام 1941.. درس في كلية الفنون الجميلة وتخرج فيها عام 1945.. ثم تلقى فنون الرسم على يد كبار الفنانين في التصوير بالألوان المائية .. كما حصل على دبلوم الآثار واللغات المصرية القديمة سنة 1961.
ويعد الراحل من عمالقة الفن القبطي حيث أتيحت له الفرصة أن يدرس بعمق رسم الأيقونة في المعهد العالي للدراسات القبطية وفي الفنون والعمارة القبطية على يد فنانين مصريين وأجانب.. وحصل على دبلوم المعهد العالي للدراسات القبطية في الفن القبطي عام 1961 .. وبعدها أصبح أستاذ التصوير بالمعهد العالي .. ووكيل قسم الفن بالمعهد منذ عام 1963.
وفناننا الراحل يوسف نصيف كان غزير الإنتاج للفن القبطي في مرسمه هو وزوجته الفنانة القديرة بدور لطيف .. استوحيا فن الأيقونة من معجزات الكتاب المقدس ورحلات دراسية بمتاحف فرنسا واسبانيا في أواخر ستينيات القرن العشرين.. وهذه نقطة تحول في حياتهما الفنية وأسلوب عمل الأيقونة .. فأصبح لهما أسلوب إرتبط بإسميهما والذي عرف بإبداعاتهما في عدة كنائس في مصر ومعظم دول العالم يشع منها ضوء الروحانية وأصالة الفن القبطي ..وعذوبة الفن المصري وبساطته.
وتقديرا لأعمالهما الرائدة وللدور الذي حققاه حصل الفنان يوسف نصيف على شهادة تكريم ودرع المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي في حفل تكريم يوم 22 فبراير 2013 والذي أقامه المركز الثقافي وقد أثنى الحضور على تألقهما الباهر في عالم الفن القبطي .. وأنهما على درجة من التواضع وحب الكنيسة القبطية مع إنكار الذات .. وبعدها أعرب فناننا يوسف نصيف عن سعادته البالغة بهذا التكريم الذي يعد من أهم التكريمات التي حصل عليها طوال حياته.. (وكان الأخير).
كما حصلا منذ عام 1988 على شهادات التقدير من تورنتو بكندا.. حيث عملا أيقونات لكنيسة سان أنطونيوس وبعدها بعام 1989 من كنيسة سان مارك.. ومن كنيسة مارمرقس مونتريال عام 1990 وشهادة تقدير من لندن بالمملكة المتحدة لعمل أيقونات كنيسة العذراء والأنبا شنودة بجنوب لندن عام 1991 .. وشهادة تقدير من ولاية أيلاند بالولايات المتحدة الأمريمية لعمل أيقونات كنيسة العذراء ومارمينا عام 1992.. مع خطابات شكر وتقدير من مجلس الكنائس في كل هذه الدول .. وقد نالا شهادة الدكتوراة الفخرية وشهادة زمالة معهد الدراسات القبطية بيد قداسة البابا شنودة الثالث عام 1993 للأعمال الفنية التي قاما بعملها في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
قرب بينهما مهاراتهما الفنية الفائقة في مجالات كثيرة منها التصوير “الرسم” الجداري وأعمال النحاس والخشب والمينا والخزف.. والرسم بالألوان المائية للطبيعة .. إلا أنهما تخصصا في ميدان الأيقونات القبطية .. وإستمرت تلك الصحبة العمر كله في رحلة سلام يماؤهما الحب والفن .. وأثمرت إبداعات فنية رائعة في عدد يصل إلى 22 كنيسة كاملة داخل مصر .. وعشر كنائس خارجها مع إقتناء أعمالهما للفن القبطي للأفراد في مصر وبعض دول العالم.
ومنذ تخرجهما عام 1963 وهما يعملان أساتذة ويبدعان جنبا إلى جنب بمعهد الدراسات القبطية بصبر دائب .. وعزيمة وتضحية في سبيل رسالة الفن للكنيسة القبطية إلى حد العناد والإعتماد على النفس مهما كان الثمن.. من أجل الإبداع والإبتكار ليجعلا من أيقوناتهما وثائق تهز وتحرك الإيمان والوجدان معاً.. وتقود الفكر إلى الحركة لا لإلى الإسترخاء والضعف.
ومجموعة إبداعاتهما الغزيرة الإنتاج للفن القبطي كانت لها رسالة تعليمية دينية وروحية.. وهي جزء لا يتجزأ من العقيدة الطقسية .. حيث نلمس في تلك الأيقونات القبطية المدلول الروحي والإبداع الفني.. وهذه موهبة من الله للإنسان الفنان الذي يؤمن ويتعمق في قراءاته للكتاب المقدس ومعجزاته والحياة الأبدية.. فيلهمه الله ويبدع تلك الأيقونات لتضيء العالم بسيرة القديسين والشهداء العطرة.. ومعجزات الكتاب المقدس.
ومنذ أن جمع الفن الجميل بين الزوجين في منتصف الستينيات كانت نقطة تحول أخرى في حياتهما الفنية حيث جمعا بين الأسلوبين المحببان لهما التأثيري والقبطي الحديث مع بساطة الفن المصري الأصيل.. تلك السمات المشتركة بين الفنانيين والتي جمعت بين إبداعاتهما.. والمعبرة عن الفن القبطي المعاصر .. مع الحرص على الطابع الطقسي المميز.. ذات تأثيرات روحية يفيض رقة وعذوبة .. ومهارة وأستاذية وقدرات تكنيكية خاصة..بعد رحلة عطاء طويلة أثريا خلالها فن الأيقونة القبطية.
سيبقى فن وفكر يوسف نصيف وزوجته بدور لطيف..منارة لطريق كل فنان يعبر عن ذاته.. مع الحرص على التأثيرات الروحية والأصالة المصرية بأصدق تعبير .. كما تتلمذ على يديهما العديد من الفنانين.. وأصبحوا الآن من كبار الفن القبطي في مصر والعالم.