احتفالا بالذكرى الاربعين لرحيل عميد الادب العربى صدر حديثا عن المجلس الأعلى للثقافة أحد أهم مؤلفات الدكتور طه حسين بعنوان “مستقبل الثقافة فى مصر”، تقديم الدكتور جابر عصفور
يحمل طه حسين فى الكتاب حلمًا أن تكون حياتنا الثقافية ملائمة لمجدنا القديم، ويحرض كل مصرى على تجنب الخذى والاستعلاء الغربى بالجد والحزم لإقامة حياة ثقافية لتاريخنا المكتشف للسواحل المجاورة وحضاراتها.
ويطالب المؤلف بدراسة اللغات الأجنبية منذ 1938، والاهتمام باللغة العربية وتطوير مناهجها، وعن الجامعة التى يتكون فيها المثقف المتحضر الذى لا يكتفى إلا بأن يكون مصدرًا للثقافة، ومساهمًا فى بناء الحضارة، وعن أهمية الأزهر مصدر الحياة الروحية للمسلمين ومنارة التقارب بين الدينى والمدنى فى العالم الإسلامى، وأن الكنيسة القبطية مصدر ثقافة تعين على الإصلاح، وصوره لتشجيع الهيئات الثقافية والعلمية للترجمة.
جدير بالذكر أن كتاب” مستقبل الثقافة فى مصر” سبق أن صدر
فىالقاهرة سنة 1938، ومع انه يعتبر من اصغر كتبه لكن فى نفس الوقت يعد من أهم الكتب لدرجة إنه مازال يناقش وتعقد ندوات عنه . طه حسين كتب ” مستقبل الثقافه في مصر ” بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، و كتب فيه افكاره بخصوص مايجب ان يحدث طالما مصر نالت الاستقلال و لم يعد ينقصها الا التعليم والثقافة مما يجعلها دولة متقدمة و متحضرة
الكتاب ايضا يقول ان المصريين لم ولن يكونوا عربا وعلى الرغم ان مصر وسط المنطقة العربية لكن لها تاريخ وثقافه وعادات مختلفة عن العرب و ان ثقافتها وتاريخها اقرب لثقافة و تاريخ الدول المتوسطية مثل اليونان وايطاليا، بعكس العرب الذين لهم ثقافتهم الخاصة و التى فرضت مع الوقت على بقيه المنطقة وان الاحتلال التركى قبل فتره محمد على دخل مصر فى العصور الوسطى مثل ما كان فى اوربا قديما . و حذر الكتاب كذلك من التطرف الدينى المدعوم من جهات خارج مصر او من الرجعيين و الخطوات سياسية التى من الممكن ان تدخل مصر فى مشاكل كثيرة هى ليست طرفا فيها ، و ايد تطبيق الديموقراطية و والليبرالية التى كانت فى قوتها وعصرها الدهبى وقتها). الكتاب نشر ثانية بدعم من الدولة فى ثمانينيات و تسعينيات القرن العشرين وقت ما كان هناك موجة تطرف و ارهاب.
نصوص من الكتاب
“مصر ثقافيا وحضاريا, هى دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة. فالعالم ينقسم إلى حضارتين لا ثالث لهما. الأولى, تأخذ
جذورها من الحضارة المصرية القديمة وفلسفة اليونان والقانون الرومانى. والثانية, تأتى من الهند.”
” اذن فالعقل المصري القديم ليس عقلا شرقيا اذا فهم من الشرق الصين واليابان والهند وما يتصل بها من الاقطار “
“مصر تنتمى إلى الحضارة الأولى. فلماذا إذن ينظر المصريون إلى أنفسهم على أنهم من أهل الشرق؟ يأتى هذا بسبب اللغة
والدين. والمشاركة في هموم الاحتلال والتخلف. وما دمنا متخلفين مثل دول الشرق, ونتحدث بلغتهم, فنحن مع حضارة الشرق.
ولكن تاريخ مصر يقول عكس ذلك.”##
“مصر كانت عبر التاريخ على إتصال بدول البحر المتوسط وبحر إيجة. وكانت هى نفسها مهد حضارة غمرت الآفاق آلاف من السنين. هذه الحضارة هى جذور وأصل الحضارة الغربية الحديثة. وخلال التاريخ, كان تأثير حضارة مصر على اليونان, وتأثير حضارة اليونان على مصر واضح ومستمر. وحتى عندما كانت مصر جزءا من الدولة الإسلاميه”
تاريخ من الاعتداءات
وحول ما تعرض له طه حسين وتراثه من اعتداءات مختلفة يذكرنا مفكرون وادباء بهذا التراث
حيث يرى الدكتور جابرعصفوروزير الثقافة الاسبق ، أن طه حسين يشكل رمزا فكريا وتاريخيا و هو عدو للجماعات الدينية فى مصر لأن فكره محافظ ومنفتح، وهذا ما جعله عدوا للأزهريين أنفسهم وكل كتب طه حسين أدت لمعارك وصدامات فكرية بدأت بما قاله فى كتابه “الشعر الجاهلى” ثم فى كتابه التالى عن الأدب الجاهلى الذى اشتمل على فصل مهم عن الحرية والأدب لا يزال يستفز معظم المحافظين حتى اليوم. وكذلك ما كتبه عن ضرورة إعادة النظر فى ميراثنا الإسلامى فى ضوء منظور عقلانى، والذى تضمنته أعماله “الوعد الحق” و”على هامش السيرة” واستمرت المعارك عندما قدم كتابه “مستقبل الثقافة المصرية ” سنة 1938 والذى تصدى له حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان بكتاب اسمه “ضد مستقبل الثقافة فى مصر” فالصدام كان جذريا بين طه حسين والمجموعات الإسلامية ذات العقل الظلامى سواء كانت أزهرية أو غير أزهرية، والذين شوهوا كتبه وحاولوا قطع رأسه يريدون إنهاء وجود أى مفكر مثل طه حسين فهم لا يحاربونه فقط، بل يحاربون من ينزع منزعه، ولا يريدون الاعتراف بأن طه حسين هو الرمز الأكبر للاستنارة فى تراثنا المصرى الحديث.
أيضا أكد الشاعر شعبان يوسف، مقرر ورشة الزيتون، أن تراث الدكتور طه حسين، يتعرض لتهميش واعتداء سافرين من قوى الرجعية، ففى نصف هذا العام الأول تم الاعتداء على تمثاله وفصل رأسه فى حديقة المنيا، ثم قرر بعد ذلك المسئولون فى وزارة التربية والتعليم إلغاء كتاب “الأيام” المقرر على الثانوية العامة، وهذا الكتاب تم الاعتداء عليه بضراوة بالحذف والإضافة والتعديل، مما يعد جريمة نكراء ارتكبتها الوزارة والقائمون على إدارتها. فقد قاموا بضم الأجزاء الثلاثة لرواية “الأيام” فى كتاب واحد وحذفوا من الجزء الأول تسعة فصول كاملة من أصل عشرين فصلا واعتدوا على الكتابة نفسها فحذفوا جملا وفقرات وغيروا وبدلوا واستبعدوا كل ما له علاقة بالمعارك الفكرية التى خاضها طه حسين مع الأزهر أى أنهم قاموا بمجزرة حقيقة لطه حسين، بالإضافة إلى أنه تقريبا لا أحد يطبع كتب طه حسين وله كتب كثيرة غير موجودة واستمرار ذلك معناه استمرار العدوان على طه حسين.
كما أدان الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، ما تعرض له طه حسين من اعتداء على يد وزارة التربية والتعليم التى قامت بحذف أجزاء من روايته الأيام ثم ألغتها من مقررات هذا العام واستعرض الاعتداءات الكثيرة التى تعرض لها طه حسين طوال حياته وبعد وفاته.
وأكد حجازى، أن الإخوان والحكومات المصرية ساهموا فى هذه الاعتداءات، وأن المشكلة الآن لم تعد طه حسين وحده بل أصبحت مشكلة التعليم كله فى مصر الذى أصبح فاسدا فسادا مطلقا، لأنه منذ ثلاثين عاما على الأقل أصبح فى يد الإخوان المسلمين منذ كرسوا جهودهم للسيطرة على كليات التربية التى تخرج المدرسين، وبالتالى سيطروا على المدارس عن طريق إفساد عقول المدرسين وإخراجهم من رسالتهم الحقيقية وهى التنوير فقد أصبح المدرس مسئولا عن تعتيم الحياة والعقول وكرس المدرسون جهودهم لتلبيس التلميذات الحجاب واضطهاد الطلبة المسيحيين مما جعل الإخوة المسيحيين يشعرون أنهم غرباء فى مدارس الحكومة فبدأوا فى عمل مدارس خاصة بهم وهكذا أصبحت المدارس تمزق نسيج الوحدة الوطنية بدلا من أن تلحمه وتقويه.
واستعرض حجازى ما تعرض له طه حسين على مدار تاريخه من اعتداءات بدأت منذ أن تقدم برسالته للجامعة المصرية لنيل الدكتوراه عن “أبى العلاء المعرى” وتواصلت فى العشرينات عندما أصدر كتابه فى الشعر الجاهلى، حيث واجهته حملة من أصحاب العقول المغلقة والمنافقين الذين كانوا يبتزون الجماهير البسيطة بالتظاهر بالدفاع عن الإسلام دون سبب فطه حسين لم يعتد على الإسلام فى شىء بل كان يسهم فى الدعوة لإنشاء فكر إسلامى جديد يميز بين الدين والعلم.
وأضاف حجازى، أنه بالرغم من الحملات التى واجهت أفكار طه حسين كان بمصر فى النصف الأول من القرن العشرين تيارات عقلانية قادرة على أن تحمى طه حسين وفكره وتقدم له الفرصة التى جعلته يرصد مستقبل الثقافة المصرية فى أحد كتبه عندما صار وزيرا للمعارف وأن يعيده جمال عبد الناصر لعمله بجريدة الجمهورية بعد فصله بحجة أنه غير منتظم فى الكتابة.