اختيار السيد المسيح لرسله الاثني عشر حدثٌ خطير في حياة الكنيسة . فهو بمثابة إرساء حجر الأساس لبناء صرح كبير .
والرسل كالأعمدة ترتفع عليها المباني الضخمة . وفيما نحاول أن نتبيّن الظروف التي قادت السيد المسيح إلى اختيار رسله وتسميتهم بهذا الإسم ، نسأل الله تعالى ،إذا سمعنا نداءه يوماً، أيّاً كنّا شباباً أو شابات ، رجالاً أو نساء ، مثقفين او جهلاء أن يعطينا من الشجاعة والقوة ما يكفي لتلبية النداء عن إيمان وطيد وقلب سخي لنخدم الكنيسة رغم كل ما تطلبه الرسالة من تضحيات ولو كانت قاسية .
١ – واختار منهم اثني عشر :
عرف السيد المسيح أنه سيأتي يوم يعود فيه إلى أبيه ، وعرف ايضاً أنه إذا اراد أن يضمن البقاء ارسالته السماوية ، لا بدّ أن يختار لها رجالاً أتقياء مخلصين يتعهدونها بالسهر والرعاية والعناية بقوة ما يخوّلهم الرب يسوع يتناقلونه خلفاً عن سلف عبر الأجيال ، فتدوم الرسالة وتستمر من جيل إلى جيل . وعرف أن عليه أن يُحضّر هؤلاء الرجال لرسالتهم ، فيثقفهم ويقوّم ما اعوجّ من أفكارهم ويصقل عقولهم وأخلاقهم ويمرّسهم على طريقته الإلهية في نشر ملكوت الله ، والرسل لم يكونوا قد أخذوا من العلم والثقافة بنصيب ، فلا يقوم به إلاّ من عُوّد على بذل الكثير.من الصبر والجهد والوقت معتمداً قبل كل شيء على معونة الله . وهذا ما صنعه يسوع المسيح عندما حضّر تلاميذه للرسالة .
اختار السيد المسيح من تلاميذه اثني عشر ، بعد أن قضى ليله في صلاة واتحاد مع الله منفرداً على الجبل ، واصحت هذه الصلاة ، عادةً جرى عليها الرسل قبل اختيارهم متيّا الرسول مكان يهوذا الخائن الذي اسلم ربه ومعلمه إلى أعدائه ( أعمال الرسل ١: ١٥-٢٠)، وما زالت الكنيسة تقيم الصلاة قبل اختيارها الأساقفة ومعاونيهم الكهنة . وكذلك يفعل كل من عمّر قلبه الإيمان ، يرفع الصلاة قبل إقدامه على عمل له شأن في حياته.
” ولما كان الصباح دعا يسوع تلاميذه واختار منهم اثني عشر ” وكان هو الذي اختارهم كما قال لهم : ” انا اخترتكم ، ولستم انتم اخترتموني “( يوحنا ١٦:١٥). الله يختار وعلينا أن نلبي النداء .
اختار اثني عشر ، وهذا يرمز إلى أسباط إسرائيل الاثني عشر . وكما كان أبناء يعقوب الاثنا عشر آباء الشعب الإسرائيلي ، هكذا يعتبر الرسل الاثني عشر آباء الشعب المسيحي . فهؤلاء كاؤلئك أركان ينهض عليها الصرح المقدس : الكنيسة .
٢ – وسمّاهم رُسُلاً :
اختارهم وسمّاهم رسلاً او سفراء ، كما يقول القديس بولس : ” نحن سفراء المسيح ” او مندوبيه ، او معتمديه إلى العالم ليحملوا إليه نور الإنجيل . وقد زوّدهم لرسالتهم هذه سلطاناً لم يحصل عليه غيرهم من الناس ، فوكل اليهم الكلام باسمه وطرد الأرواح النجسة وشفاء الأمراض وإتيان العجائب والمعجزات ( مرقس ١٦:١٨)، ونشر المحبة والوقوف بجانب الضعفاء ضد الأقوياء الظالمين ، وسيخوّلهم فيما يعد سلطاناً لحل وربط الخطايا ( متى ١٨-١٨). وقد ارادهم مثله وكالكنيسةالتي هم أركانها ” نوراً للعالم وملحاً للأرض ( متى ٥: ١٣-١٦) ، وطريقاً إلى الصلاح والسعادة ، وينابيع تتفجّر منها ينابيع الخلاص .
وسماهم رُسلاً أي قادة للشعوب ، ليس للسيطرة عليهم بل لخدمتهم . إنها لجرأة غريبة وعجيبة من السيد المسيح أن يؤسس كنيسته على أمثال هؤلاء الرجال فيجعل منهم نوراً للعالم وملحاً للأرض ، واكثرهم صيادو سمك . عمل السيد المسيح هذا جرأة لا نزال نراها تتمثل على مسرح الكنيسة كل يوم ، وكثيراً : ” يختار الله الضعفاء والبسطاء ، ليخزي الأقوياء ” كما يقول القديس بولس في رسالته الاولى إلى اهل قورنتس ( ١: ٢٧). وها هو خوري آرس القديس ، لم يكن على شيء من العلوم والثقافة ، بل كان رجلاً يحب الله والقريب بصدقه و صراحته وخدمته ومثاله الصالح ، وبرناديت الفتاة البسيطة التقية التي ظهرت لها العذراء في لورد ، وغيرهم كثير من النفوس القديسة المتواضعة والتقية التي ما تزال في سماء الكنيسة كواكب لامعة تهدي الأجيال إلى طريق السعادة والخلاص .
دعاء : اللهم يا من اخترت رسلك الأطهار الأثني عشر هداةً للبشرية جمعاء ، الهمنا وخاصةً الشباب منّا ، إذا سمعنا النداء مثلهم ان نلبيه دون خوف رغم ضعفنا وجهلنا ذاكرين أنه ليس نحن من نختار ، بل أنت من تختار ، فنستخرج من التواضع عظمة ومن الجهل معرفة ومن الضعف قوة .