من المعروف أن مؤسسة الرئاسة لها أهمية خاصة فى النظام السياسى المصرى بطبيعته المركزية، ويقع رأس الدولة أو مؤسسة الرئاسة فى مركز هذا النظام، وهى التى تعطيه قوته وتحافظ على توازنه
. ولكن بعد ما شهدته هذه المؤسسة على مدار الأعوام الثلاث الماضية، بات الشك يساورنا بشأن إمكانية أن قدرات هذه المؤسسة وقوتها كمحور لنظام سياسى بات مضطربا إلىى حد كبير. والمعادلة الصعبة لا تتمثل فى استعادة المؤسسة بشكلها القديم ولكن فى التوفيق بين قوة المؤسسة وديمقراطيتها. وفى حين أن قوة أى مؤسسة تنبع من ديمقراطيتها، إلا أن الحالة المصرية قد لا تسمح بهذا الدمج أو التوفيق بسهولة. فهل سيتم التضحية بالديمقراطية من أجل القوة؟ ربما… وعلى أى حال، فإن هذا الوضع لا يؤرق إلا القلة. فغالبية الشعب تتطلع لصورة الرئيس القوى، أما الأخوان المسلمون فهم يصارعون من أجل استعادة رئيسهم وليس من أجل الديمقراطية.
وفى هذا الصدد، فإن المجتمع المصرى يشهد استمرارا لحالة تتسم بالإرتباك وعدم اليقين. فللمرة الثالثة يعيش المجتمع المصرى توترات ظاهرة ما بات يعرف بـ “الرئيس القادم للبلاد”، فى المرة الأول عاش المجتمع المصرى توترات سيناريو “التوريث والذى كان جمال مبارك محوره؛ والثانية توترات عملية انتخاب أول رئيس للبلاد من خارج المؤسسة العسكرية والتى انتهت بفوز مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى ليبدأ التوتر؛ ثم المرحلة الراهنة والتى تشهد توترات من نوع آخر وهى شرعية أو لا شرعية الرئيس القادم.
وفى ظل هذه التوترات ربما نكون قد تخيلنا أن أبواب مؤسسة الرئاسة باتت أكثر انفتاحا بعد رحيل مبارك، إلا أن الواقع يؤكد أنها ربما تكون أكثر انغلاقا ولن تستجيب إلا لمن يدرك شروطها ويمثل توازناتها. فلا شك أن حراك 25 يناير 2011 قد أطاح بمبارك، وقد نعتبر أن حراك 30 يونيو 2013 سببا فى الإطاحة بمرسى. ولكن فى الحقيقة أن كل من مبارك ومرسى، كانا قد أخلا بشروط مؤسساتية جعلت مؤسسة الرئاسة تتنكر لهما، وبالتالى سهلت إمكانية الإطاحة بهما. فمن ناحية أولى، لم تكن هذه المؤسسة صديقة لسيناريو التوريث، فلفظت الوارث والموروث. ومن ناحية ثانية، ظن الرئيس المعزول محمد مرسى أن فى مقدوره إدارة هذه المؤسسة الذاتية من خارجها وبمنطق الأهل والعشيرة، فلفظته هو الآخر. ونبقى فى انتظار الرئيس القادم لنرى ما يمكنه أن يفعل مع مؤسسة لا تقبل غير شروطها. وفى تجاهل لطبيعة مؤسسة الرئاسة، يتواصل الجدل حول الرئيس القادم بدرجة كبيرة من الشخصنة، وكأن شخص الرئيس هو الذى يصنع المؤسسة وليس العكس. وعلى ما يبدو أن غالبية الشعب تتطلع إلى رئيس قوى، قد تمثله الصورة العسكرية للفريق عبد الفتاح السيسى. وهى الصورة التى يسعى أنصار الإخوان إلى كسرها رغبة منهم فى استعادة صورة مرسى التى لا تتمتع بأية جاذبية إلا لأنصار الإحوان.
وأياً كانت الصورة، فثمة شبه إجماع على أن مصر فى حاجة إلى رئيس قوى. ولكن معنى القوة المرغوبة لا يمكن شخصنته، فالقوة الحقيقة هى قدرة الرئيس على تمثيل المؤسسة والتعامل مع منظومة معقدة من علاقات القوى المتضاربة وغير المستقرة. ولن يكون فى مقدور الرئيس القادم فعل ذلك لأنه شخصية قوية أو جذابة فقط، ولكن لأنه يجسد مصادر قوة، أولا: من خلال مؤسسات الدولة المختلفة وفى مقدمتها المؤسستين العسكرية والأمنية شئنا أم أبينا، وثانيا: من خلال دعم شعبى، وهو دعم لن يأتى فقط من الرطانة السياسية، بقدر ما سيأتى من القدرة على القيادة وتحقيق قدر معقول من الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى.
لا شك أن مهمة الرئيس القادم، كأى رئيس، هى أن يحكم، ولكن لأنه يأتى بعد كل ماحدث ويحدث، فإن أحد التحديات التى تواجهه ليس فقط الحكم ولكن إعادة الإعتبار لمنصب الرئيس فى مجتمع ظهرت عليه أعراض عقدة أوديب. ولعل أسخف ما يحدث الآن هو شخصنة السلطة وتجاهل أن الرهان الرئيسى يجب أن ينصب على الرئاسة كمؤسسة، ومع الأسف فهى الآن ليست فى حالة مستقرة بعدما شهدت خلال الأعوام الثلاث الماضية ما لم تشهده طوال تاريخها.