كتبت خلال الشهر الماضي عن سوء الفهم الذي يكتنف الإعلام الغربي والسلطات الحاكمة في أمريكا والمجموعة الأوروبية إزاء ثورة الشعب في30يونية للإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين ثم ما تبع ذلك من اعتصامات من جانب أنصار الجماعة بدأت في صورة تظاهرات احتجاجية علي إقصاء محمد مرسي عن السلطة ولكن سرعان ماتحولت إلي موجات بشعة من الترويع والإرهاب والعنف المسلح الذي ماتزال تعاني منه مصر إلي الآن…
كتبت خلال الشهر الماضي عن سوء الفهم الذي يكتنف الإعلام الغربي والسلطات الحاكمة في أمريكا والمجموعة الأوروبية إزاء ثورة الشعب في30يونية للإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين ثم ما تبع ذلك من اعتصامات من جانب أنصار الجماعة بدأت في صورة تظاهرات احتجاجية علي إقصاء محمد مرسي عن السلطة ولكن سرعان ماتحولت إلي موجات بشعة من الترويع والإرهاب والعنف المسلح الذي ماتزال تعاني منه مصر إلي الآن…بالرغم من تلك الموجات الإرهابية الرهيبة وقف أقطاب النظام العالمي يعاندون ويتعامون عن حقيقة الأمور التي يدركونها تمام الإدراك ويصرون علي أن ماحدث في مصر هو انقلاب عسكري علي السلطة الشرعية المنتخبة مقترن بعنف مفرط من جانب الجيش والشرطة في مواجهة المتظاهرين السلميين المطالبين بعودة الشرعية!!
ذلك المشهد الذي أغضب المصريين وجعلهم يتقبلون بسهولة نظرية المؤامرة التي تربط الولايات المتحدة بالإخوان المسلمين بهدف إضعاف وتفتيت مصر,فجر ردود أفعال متباينة بعضها أفرط في الانفعال والدعوة لقطع الصلة بأمريكا وبعض دول المجموعة الأوروبية,بينما البعض الآخر انحاز إلي التروي والحكمة واللجوء إلي التواصل مع تلك الدول لإيضاح حقيقة الأمور وماقد يكون ساء فهمه من جانبها…ولحسن الحظ أن هذا التوجه حقق نجاحا ملحوظا لأن التواصل والحوار هما السبيلان لتصحيح المفاهيم المغلوطة وليس العداء والقطيعة,وها نحن نقطف ثمار ذلك التوجه,فالمتابع للخطابات الصادرة عن الإدارات السياسية والمنابر الإعلامية في هذه الدول سوف يلحظ تغيرا واضحا في المواقف نحو قبول واحترام مافعله الشعب المصري في30يونية واعتراف بمعركته التي يخوضها ضد الإرهاب في الوقت الحالي…بل الأكثر من ذلك ما ينشر في الإعلام الغربي بين الحين والآخر عن ممثلين برلمانيين يفتحون النار علي حكوماتهم ويهاجمون رئاساتهم بقسوة لتعاطفها مع مافعلته وتفعله جماعة الإخوان المسلمين بمصر…كما لا يخلو هذا الإعلام نفسه من مقالات للسياسيين والمفكرين والكتاب الذين يقومون بتحليل السياسات الفاشلة التي تحالفت مع صعود تيارات الإسلام السياسي في مصر وفي منطقة الربيع العربي وما أدت إليه من كوارث تهدد شعوب المنطقة كما تضر بالمصالح الاستراتيجية لدول العالم الغربي.
وضمن النماذج التي استرعت انتباهي في هذا الإطار مقال نشر بتاريخ 22أغسطس الماضي في موقعنيوزماكس للكاتب والسياسي فرانك جافني الذي يرأس مركز السياسات الأمنية في العاصمة واشنطن كما يكتب عمودا في صحيفةواشنطن تايمز…المقال جاء تحت عنوان ملفت يقول:لا تنقذوا الإخوان المسلمينوهو تحليل للواقع من وجهة نظر أمريكية وجاء فيه الآتي:
منذ مجئ الرئيس أوباما إلي السلطة قامت إدارته بتعزيز العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين بشكل ملفت وصل إلي حد إعطائها الشرعية وتقويتها وتدعيم وصولها للسلطة,بل تجاوز ذلك كله إلي تمويلها وتسليحها…الأمر الذي جعل أمريكا تبدو وكأنها تبدل مواقفها في حربها ضد الإرهاب ومن أجل العالم الحر.ولعل من أهم الأسباب وراء هذا التحول الإستراتيجي الكارثي غير المبرر,هو نجاح جماعة الإخوان منذ فترة طويلة تعود إلي إدارة الرئيس بيل كلينتون في اختراق بعض المؤسسات في بلادنا وشن عمليات مؤثرة ضد مصالحنا…الجماعة تطلق علي هذا الاختراقالجهاد مع الحضارة ومن خلال ذلك تمكنت من تأسيس مجموعات تابعة لها تسللت إلي الوكالات الحاكمة في أمريكا علاوة علي منظمات المجتمع المدني حيث استطاعت تجميل نفسها وإخفاء حقيقة نواياها والتهديد الذي تمثله لأمتنا الأمريكية ومصالحنا وحلفائنا.
ومن أبلغ صور نجاح ذلك الأختراق والتسلل مانراه الآن من ردود الأفعال الصادرة عن الإدارة الأمريكية حول الأحداث التي وقعت في مصر,خاصة من جانبي بعض السياسيين ذوي الثقل والتأثير وفي مقدمتهم الرئيس أوباما نفسه وبعض أعضاء مجلس الشيوخ مثل السيناتور جاك ريد(الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند) وزملائه الجمهوريين جون ماكين,وليندساي جراهام,وكيلي أيوت(ممثلي ولايات أريزونا,ساوث كارولينا,ونيوهامبشير علي التوالي),هؤلاء جميعا عبروا عن ضرورة قطع المعونات التي تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الحالية في مصر واصفين تلك السلطة بأنها تحارب الإخوان المسلمين,وزاعمين أن تلك السلطة أطاحت برئيس مصري منتخب بناء علي مسار ديمقراطي وأن جماعته تملك تفويضا من الشعب المصري بإدارة وحكم مصر.
الأوضاع الآن في مصر محتقنة,وبينما يصورونها هنا(في أمريكا) علي أن السلطة تلجأ إلي القوة المفرطة في البطش بجماعة الإخوان,يبدو أن الحقيقة علي الأرض تشهد بأن الجماعة تفعل كل ما في وسعها لإجبار السلطة لاستخدام القوة في فرض النظام والقانون في ربوع مصر.وتكمن الأزمة في مسلسل إراقة الدماء الذي تشهده مصر- وذلك يشمل وقوع المسيحيين ضحايا إرهاب الإسلاميين الذين هاجموا وحرقوا ودمروا نحو80(ثمانين) كنيسة في الأسابيع المنقضية,وذلك ليس سوي جرعة مبدئية مما سوف يحدث إذا استمر قادتنا متشبثين بما يدور بعقلهم من ضرورة إنقاذ جماعة الإخوان المسلمين ووقتها لايمكن إعفاؤهم من مسئوليتهم عما يراق من دماء.
إن ما أدي بنا إلي هذا المأزق فشلنا عبر فترة طويلة في الالتفات إلي المخطط الخفي وراء تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في دول كثيرة في العالم-وفي بلادنا أيضا-وهو فرض النظام الإسلامي وتطبيق أحكام الشريعة بغض النظر عن طبيعة المكان أو الزمان…ولمن لايستطيع استيعاب ذلك أحيله إلي نص بيان جماعة الإخوان المسلمين في أمريكا في عام1991حول أهدافها ورسالتها حيث يقول:الجهاد المقدس من أجل إزاحة وإسقاط الحضارة الغربية وتدمير بنائها من الداخل,وذلك يتأتي بأيدي المسلمين والمؤمنين حتي تتم نصرة دين الله وغلبته فوق سائر الأديان الأخري….هذه العبارة والمخطط الذي حملها سبق الكشف عنهما خلال التحقيقات الفيدرالية التي جرت عام2008 مع ممثلي الإخوان المسلمين في دالاس بولاية تكساس لارتباطهم بنشاط جمع الأموال لصالح الجناح الإرهابي الفلسطيني للجماعة والمعروف باسممنظمة حماس.
إن ماجري بفضل مجهودات أمثال السيناتور ماكين والسيناتور جراهام من استيلاء هؤلاء الإسلاميين علي السلطة في ليبيا ومحاولاتهم تحقيق ذلك في سوريا,لهو يثير القلق إلي حد كبير بأن الغطاء السياسي جار إعداده لتدخل أمريكا في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا وذلك حتما سيكون من شأنه مساعدة وتمكين جماعة الإخوان-ومن خلفها القاعدة-من الانقضاض علي هذا البلد…وليكن معلوما أن استمرار تلك السياسات من جانب صناع القرار في أمريكا للضغط علي مصر وقطع المعونات عنها لن يؤدي إلي توقف القتال والعنف الدائر هناك حاليا,بل سيؤدي إلي مزيد من الإضرار بشعب مصر والمزيد من استقواء الجهاديين الذين يضمرون لنا شرا.
الواضح أن عشرات الملايين من المواطنين المصريين ومعهم القوات المسلحة لن يستسلموا أبدا لهذه السياسات أو التهديدات وقد وضحت إرادتهم القوية للخلاص من نظام وجماعة استخدموا الانتخابات للوصول للسلطة ثم للإطاحة بالديمقراطية وفرض حكم الشريعة بطريقة استبدادية.وبعد أن تيقنت الجماعة من فقدانها للسلطة نهائيا وفشل مخططها تحولت بشراسة إلي معاقبة المصريين ومحاولة سحقهم بتأجيج العنف والإرهاب واستدراج البلاد نحو الحرب الأهلية,ولا يساعدها في ذلك أكثر من المواقف السياسية الأمريكية والتلويح بقطع المعونة…والأسوأ من ذلك كله أن المواقف العدائية التي تبديها الإدارة الأمريكية تجاه القوات المسلحة المصرية قد تدفع هذه القوات للتحالف مع روسيا- ومن بعدها الصين-وهما قوتان تتوقان لتعزيز صداقتهما مع مصر لما لها من موقع استراتيجي يتحكم في شريان دولي مثل قناة السويس.
إن جماعة الإخوان المسلمين تعد بمثابة عدو لنا في أمريكا,والإصرار علي إعادتها إلي السلطة قسرا في مصر سيكون مهلكا لنا ولشعب مصر علي السواء.
***تكمن أهمية هذا المقال في أنه يتجاوز تسطيح الواقع وينفذ إلي العمق بتحليل المواقف الأمريكية من وجهة النظر الأمريكية ويحذر من مغامرات السياسة الأمريكية ومغبة نتائجها علي المصالح الأمريكية…أما مصر فيؤكد الكاتب أن شعبها يدرك جيدا مايريد ولن يتزحزح عنه.