لم أفاجأ بتحوّل المستشارطارق البشرى الذى وصف فى صحيفة الشروق ثورة شعبنا فى 30يونيوبأنها صراع بين الانقلاب العسكرى والديمقراطية. ومن عجائب اللغة الدينية قدرتها على تحويل المفكرمن حال إلى عكسه. فهوصاحب كتاب (المسلمون والأقباط فى إطارالوحدة الوطنية) الذى أثبت فيه أنّ شعبنا انصهرفى بوتقة النضال الوطنى ولم تفلح محاولات الإنجليزفى ضرب الوحدة الوطنية. كذلك كتابه (الحركة السياسية فى مصر1945/52) الذى عرّى فيه دورالإخوان المسلمين وتخاذلهم أمام الاستعمارالبريطانى وتحالفهم مع السراى وتراجع إهتمامهم بالمسألة الوطنية وتركيزهم على الاغتيالات السياسية وتربية الكوادرالمسلحة والعداء لمفهوم الوطن كما قال حسن البنا ((نحن نعتبرحدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية))
بعد هذا الجهد العلمى انتقل أ. البشرى إلى صفوف الإسلاميين وسأكتفى بذكرمثالين فقط :
الأول: فى عام 1994صدرتْ فتوى الجمعية العمومية لقسمىْ الفتوى والتشريع بمجلس الدولة برئاسة أ. البشرى وتضمّنتْ أنّ ((الأزهرهوصاحب الرأى النهائى فيما يتعلق بتحديد الشأن الإسلامى فى المصنفات السمعية والسمعية البصرية. وأنّ على جهة الإدارة أنْ تلتزم بما يراه الأزهرعند الترخيص بتداول تلك المصنفات)) بعد تلك الفتوى صدركتاب عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أدان فيه أ. نجاد البرعى الفتوى خاصة وقد سبقها مصادرة لجان مجمع البحوث الإسلامية سبعة كتب من أجنحة دورالنشربمعرض الكتاب الدولى دون سند من القانون. وكتب أ. عبدالعزيزمحمد المحامى أنّ هذه الفتوى ((تخالف المواد 47، 48، 49من الدستور والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية فى مادتها رقم19وهى جزء من النظام القانونى المصرى. وقال د. عاصم الدسوقى إنّ هذه الفتوى ((غيرمعزولة عن صاحبها المستشارطارق وتحولاته . بل غير معزولة عن فقه المالكية الذى ينتمى إليه جده الشيخ سليم البشرى. وهذا المذهب يوصف أصحابه بالجمود والتعصب))
المثال الثانى: فى عام 1925صدركتاب (الإسلام وأصول الحكم) ومنذ ذلك التاريخ توالى هجوم الأصوليين على مؤلفه الشيخ على عبد الرازق لمجرد أنه اختلف مع المُطالبين بعودة الخلافة الإسلامية، لأنّ الخلافة إنما قامتْ على ((أساس القوة الرهيبة. وأنّ تلك القوة كانت إلاّفى النادرقوة مادية مسلحة)) وكان من رأيه أنه ((لامعنى لقيام الخلافة على القوة والقهر. وإعداد السيف لمن يمس بسوء عرش (الخلافة) ويعمل على زلزلة قوائمها))
إنضم أ. البشرى إلى الأصوليين فكتب مقالامن جزءيْن بعنوان (الضال والحميد فى فكر الإصلاح الدينى) فذكرأمثلة من الإصلاح الدينى (الضال) فكتب ((عرفتْ مصرهذا النوع من الإصلاح الدينى الضال على يد على عبدالرازق فى كتابه (الإسلام وأصول الحكم) وهومن الكتب التى طرحتْ موضوع علمانية الدولة طرحًا صريحًا لتجريد الإسلام من أية نزعة لشمول أحكامه نظام الحياة. وحاول على عبدالرازق التأكيد على أنّ الخلافة ليست من صميم الدين والشريعة. ولما تعرّض الكتاب لنظام الحكم فى عصرالنبوة إلتوى به البرهان وإلتفّ به الدليل. وذكرأنّ النبى أنشأ وحدة دينية ليست سياسية.. إنّ على عبدالرازق بإنكاره حكومة الإسلام، فصل فصلا حادًا بين ولاية الرسول الروحية وولاية الحكومة والسلطة. وبين الهداية الإسلامية ونظام الحياة. وفصل بين الزعامة الدينية والزعامة السياسية.. إنّ فصله الدولة عن الدين يتضمن تجريدًا للدين من إمكانات تنظيم الحياة ومن إمكانات مقاومة الاستعمار)) (صحيفة العربى الناصرية- 27/3/95)
فإذا كان فصل الدين عن الدولة يتضمن ((تجريدًا للدين من إمكانات تنظيم الحياة ومن إمكانات مقاومة الاستعمار)) فإنّ سؤال العقل الحرهو: كيف تمكنتْ الشعوب القديمة (مصرواليونان إلخ) من التوصل إلى الإنجازالحضارى الذى تعلمتْ منه البشرية، رغم أنها موصومة بالحكم القيمى غيرالعلمى (وثنية) وفى العصرالحديث كيف تمكن الشعب اليابانى والصينى والهندى والكورى من امتلاك مفاتيح التقدم فى الفن والعلم؟ وهى شعوب (وثنية) أيضًا. أما عن مقاومة الاستعمار، فكيف انتصرالشعب الفيتنامى على أمريكا وهوشعب (وثنى) بلامرجعية دينية؟ وما هى المرجعية التى وحّدتْ جدودنا أثناء ثورة برمهات/مارس19ضد الإنجليز؟ رغم اختلاف الدين، وإذا كانت المرجعية الدينية هى الأساس فلماذا وقف المصريون المسيحيون ضد الإنجليزالمسيحيين مثلهم؟ ما غاب عن أ. البشرى أنّ الذى وحّد شعبنا هوالعمق الحضارى لمفهوم (الوطن) ويتضح موقف أ. البشرى من على عبدالرازق عندما نقرأ دعوته لتطبيق الشريعة الإسلامية (بإعتبارها الإطار المرجعى ومصدرالشرعية والحاكمة فى المجتمع) فى كتابه (بين العروبة والإسلام- دارالشروق- عام98ص29) كما أنّ هجوم أ. البشرى على الشيخ على عبدالرازق هوذات الخط الذى تبناه رشيد رضا فى مجلة المنارعندما وصف على عبدالرازق وطه حسين وغيرهما من التنويريين بالملاحدة والزنادقة.
فى الأسبوع التالى (3/4/95) نشرتْ صحيفة العربى الناصرية الجزء الثانى من مقال أ. البشرى عن (الإصلاح الدينى الحميد) ومنها الدعوة الوهابية المُعادية- ليس لمفهوم الوطن فقط ، ولا للحداثة فقط ، ولا للخصوصية الثقافية لكل شعب فقط ، وإنما هى معادية لأبسط حقوق الإنسان. ففى رسالة من محمد بن عبدالوهاب إلى الشيخ أحمد بن إبراهيم المطوع فى منطقة الوشم، أخبره بضرورة مهاجمة الكفار(رغم أنهم من المسلمين) ومصادرة ممتلكاتهم. وفى الوهابية فإنّ إعتناق المرء للإسلام والنطق بالشهادتيْن لايحميانه من تهمة (الكفر) كما أنّ محمد بن عبدالوهاب كان يأمربقتل الأسرى حتى ولوكانوا مسلمين ماداموا لم يُتابعوه على رأيه (خليل عبدالكريم- الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- سينا للنشرعام95ص52) أما الأزهرى المُستنير(عبدالمتعال الصعيدى) فكتب ((غالى الوهابيون فى دعوتهم، فكانوا يعتقدون أنّ العقال من البدع المُنكرة وجعلوه من لباس الكفار، ومقاطعة من يلبسه. وإذا وجدوا على شخص ثوبًا طويلا فإنّ المقص يعمل عمله فى الزائد تنفيذا لحديث “فضل الإزارفى النار” ويرون أنّ الحضرضالون وأنّ غزوالمجاورين واجب ألقى عليهم من الله. وأذاعوا عن الملك عبدالعزيزأنه يوالى الكفار. وعقدوا مؤتمرا سنة 1927أنكروا فيه على الملك عبدالعزيزإرسال ولده سعود إلى مصربلد الشرك. وأنكروا استخدامه السيارات والتلغراف والتليفون. وأصدروا فتوى بهدم مسجد حمزة. وكان الوهابيون كغيرهم من جمهورالمسلمين فى القرن18 يرون أنّ الإسلام لم يقم إلا بالسيف ، فلتقم دعوتهم أيضا بالسيف)) (المجددون فى الإسلام- هيئة قصورالثقافة عام 2007من ص437- 441) رغم كل ذلك يرى أ. البشرى أنّ الوهابية دعوة (حميدة) بينما كتاب على عبدالرازق دعوة (ضارة) لذلك لم أفاجأ بتحولاته.