“من يصبر الى المنتهى فهذا يخلص” (مت24 – 13) هكذا حدثنا السيد المسيح منذ اكثر من الفى عام فى انجيل متى اصحاح 24 عدد 13 عن الصبر كضرورة ايمانية وحياتية فى عالمنا الحاضر بغية العبور الى العالم السرمدى
“من يصبر الى المنتهى فهذا يخلص” (مت24 – 13) هكذا حدثنا السيد المسيح منذ اكثر من الفى عام فى انجيل متى اصحاح 24 عدد 13 عن الصبر كضرورة ايمانية وحياتية فى عالمنا الحاضر بغية العبور الى العالم السرمدى، قد تقولون لى: إن هذا ليس وقتا للوعظ والنصح والارشاد، وحقاً انتم صادقون كل الصدق إذا جاء الحديث عن الصبر غير مقترن بالافعال الدالة على مقاومة الاذى بآليات انسانية وقانونية راقية وهادفة..
إن ما نعيشه نحن المصريون اليوم يستدعى إلى الاذهان والقلوب سيرة حياة السيدة مريم العذراء التى اختبرت الصبر منذ نعومة اظافرها، فهى الطفلة التى صبرت على التيتم والفقر وبقيت فى الهيكل تخدم الرب كما نذرها ابواها قبل ميلادها… فلما بلغت الثانية عشر كان لابد ان تغادر الهيكل كعادة شعب بنى اسرائيل (وهى الفتاة التى لم تكن تنعم بالحياة الطبيعية بين الاهل والاسرة) فتم تسليمها الى رجل غريب لا تعرفه.. القديس يوسف النجار.. ذلك الشيخ الذى تجاوز السبعين عاماً فصبرت راضية هادئة وقبلت ان يكون خطيباً لها…
وتمضى الايام والشهور..الى أن يأتى ملء الزمان ويرسل الله ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس (رسالة بولس الرسول الى أهل غلاطية الاصحاح الرابع عدد 4) ويكتب التاريخ اهم واخطر فصل فى تاريخ البشرية على مر العصور…
صبرت السيدة مريم العذراء على الظنون السيئة التى حاكت بها من قبل الشعب اليهودى… مشاعر الشك والريبة التى قد يضيق بها صدر خطيبها وماذا عساه ان يفكر فيها… وهى العذراء الطاهرة التى شهدت على عفتها الكتب المقدسة (التوراة، الانجيل، القرآن) الى ان اعلن الله الحقيقة كاملة ليوسف النجار.
صبرت السيدة العذراء على مشقة السفر فى ذلك الوقت بكل ما تعانيه المراة فى هذه الفترة الحرجة من الحياة… صبرت على الغربة والحاجة والعوز… فلما حضرتها الام المخاض افترشت الارض الصلبة بمزود حقير للبقر وسط اصوات وروث الحيوانات، حدث هذا فى قرية بيت لحم بفلسطين فى شهر كانون الاول (ديسمبر) اقسى شهور السنة بردا ومطرا… طوباك يا سيدتى… فاذا ما حل ختان ولدها الطفل يسوع ولم تجد يداها ما تقدمه من ذبائح حيوانية كما كان يتم حدوثه فى العهد القديم قبل مجئ السيد المسيح –نجدها اكتفت بفرخى (زوجى يمام) متمثلة ببسطاء الناس وفقرائهم… طوباك يا سيدتى… ويتجدد الصبر يوما بعد يوم فى كنف الرجل الكهل الذى يعمل نجارا بسيطا… حتى يصل الصبر منتهاه يوم الجمعة العظيمة عندما رات سندها ووحيدها معلقا على الصليب… ظمآنا.. مجروحا… جسده كله ينزف على شفا مقربة من الموت… اضافة الى الموت المعنوى ودلالة ما يحمله الصليب (كآداة للتعذيب والموت) من المهانة والعار… ونسمع انات نفسها الممزقة ونقرأها فى قطع الاجبية صلاة الساعة التاسعة فى قولها “اما العالم فيفرح لقبوله الخلاص اما انا فاحشائى تلتهب عند نظرى الى صلبوتك الذى انت صابر عليه من اجل الكل يا ابنى والهى”.
فلما راى الهها ووليدها هذا الالم الممزوج بالصبر والرجاء طلب من تلميذه يوحنا الحبيب أن يتسلم أمه ويتعهدها بالرعاية ، وقد كان التلميذ (الذى يقول عنه السيد المسيح فى الانجيل التلميذ الذى يحبه) محبا مطيعا لسيده وأخذ السيدة العذراء فى بيته حتى انطلاق روحها الطاهرة الى السماء…
صبرت السيدة العذراء زمنا طويلا الى أن عاينت مجد القيامة وأفراح الخلاص …. فتحقق قول الكتاب المقدس : ” هانحن نطوب الصابرين ” (رسالة يعقوب الاصحاح الخامس عدد 11)، “فانى أحسب أن آلام الزمان الحاضر لاتقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا ” (رسالة بولس الرسول الى أهل رومية الاصحاح الثامن عدد 18 ) اه يا مصر… ما احوجنا اليوم الى الصبر..الى الرجاء . حتى نصل الى أفراح القيامة .. طوباك يا سيدتنا كلنا مريم العذراء… صبر إلى المنتهى …