أثارت استقالة البرادعى ردود أفعال أغلبها ليست فى صالحه، فمن هم ضد الإخوان إعتبروا موقفه نوعا من التخاذل، أما أنصار الإخوان فقد إعتبروا أن استقالته جاءت متأخرة ولن تغفر له تحالفه مع سلطة 30 يونيو. وكان رد فعل الدولة متحفظا بالقول أن الإستقالة مسألة شخصية يُسال عنها البرادعى. ومع ذلك هناك من يرى أن موقف البرادعى يعكس تمسكه بمبادئه وهو ما يستحق الإحترام والتوقير. وفى كل الأحوال، فإن الحقيقة أن البرادعى قبل أن يكون فى السلطة وبالتالى فقد استقال من جبهة المعارضة، وأنه استقال من هذه السلطة، فهل فى مقدوره أن يجد له موقعا فى المعارضة أو فى السلطة مستقبلا؟.
يمكن النظر إلى استقالة البرادعى من منظورين: أولا: أنه، كأحد الحاصلين على جائزة نوبل للسلام، يعارض استخدام العنف، وهذا حقه ولا يمكن لأى أحد أن ينكر عليه هذا االحق، بل ثمة كثيرون يشاركونه هذا الموقف بدون أن يحصلوا على جوائز للسلام وبدونيكون لهم مواقع فى السلطة أو حتى المعارضة. أما المنظور الثانى، فهو أن البرادعى ارتضى أن يكون لاعب سياسى، بل إرتضى أن يكون فى السلطة، وبالتالى فإن موقفه يجب النظر إليه من منظور سياسى.
وفى الحقيقة أن مشكلة البرادعى لا تتعلق باستقالته بل بقبوله أن يكون فى السلطة؟ هل البرادعى كان لديه ضيق أفق سياسى عندماقبل أن يكون نائبا للرئيس للشئون الخارجية. وهل لم يكن يعلم أن المواجهة العنيفة مع الإخوان حتمية؟ فإذا كان يعلم فقد أخطأ إذنفى قبول ما لن يرغب فى تبعاته لأنه يتعارض مع مبادئه. وإذا لم يكن يعلم فهذا معناه أنه، سياسيا، أقل من مستوى توقعات داعميه. فاذا كان أشخاص عاديون يعلمون أن المواجهة بين السلطة والإخوان حتمية، فلن يكون مقبولا لرمز من رموز “الثورة” ألا يكون لديه هذا الحس السياسى. وثمة فرضية أخرى وهى أن البرادعى كان يعلم ولكنه تصور أن فى مقدوره التأثير على القرار داخل السلطة، بحيث يكون هناك سيناريوهات أخرى للتعامل مع إعتصامات الإخوان. أيضا فإن هذه الفرضية ليست منطقة ولا يمكن لسياسى محترف أن يفترضها. فالبرادعى، ليس له تأثير كبير داخل السلطة، كما أن موقعه الذى ارتضاه، هو فى النهاية منصب هامشى ورمزى، أقرب للعلاقات العامة منه إلى الموقع المؤثر داخل أروقة السلطة. ومن ناحية أخرى فإن تأثير البرادعى على جماعة الإخوان وحلفائها غير موجود أصلا، وبالتالى فلم يكن يصلح حتى كوسيط.
وهنا يبقى السؤال هل ثمة مستقبل للبرادعى فى حلبة السياسة فى مصر؟ بشكل محايد تماما أعتقد أن البرادعى، بقبوله موقعا هامشيا فى السلطة، خسر إمكانية أن يلعب دور قيادى فى المعارضة، وللأسف فإن هذا لن يؤثر فقط على البرادعى كشخص أو رمز سياسى، بل سوف يؤثر على حزب الدستور، وربما جبهة الإنقاذ. إن الخريطة السياسية التى تشكلت بعد يناير 2011 تهتز بعد يونيو 2013، ليست فقط بسبب الموقف الدرامى للإخوان، بل وعلى مستوى جماعات ورموز القوى الليبرالية، وأتصور أن الحراك الهائل الذى يشهده المجتمع المصرى، سيكون عبارة عن دواماتتحوم حول السلطة بلا مراكز قوية.
وأخيرا أكرر أن مشكلة البرادعى ليست فى استقالته ولكن فى قبوله المشاركة فى السلطة. ومع ذلك فإن البرادعى، من الناحية الإنسانية، لن يفقد احترام الكثيرين له، ولكنه، من الناحية السياسية، لن ينال تأييدا أوتعاطفا، ليس بسبب أنه إنسان يعارض العنف، ولكن بسبب أنه سياسى ضيق الأفق.