العصب الحساس فى نسيج الأمة المصرية إنما هو فى وحدته الوطنية ، لأنه أرهف عصب يمثل الاستقرار لهذا البلد ، ولذا لن نعدم محاولات مستميتة من أعدائه لزعزعة سكون هذا العصب وإضعاف خيوطه لتقويض لنسيج الوطنى .
والشعب المصرى هو نسيج واحد حتى من الناحية الجسمية البيولوجية ، فقد أجرت العالمة الأمريكية (مرجريت كاندل) بحثا على جينات الشعب المصرى إستمر خمس سنوات إختارت عيناتها من كل طوائف الشعب ، وتوصلت بعد ذلك إلى نتيجة مبهرة تقول : إن 97% من جينات المصريين واحدة وملائمة ، وهو ما يؤكد أن الشعب المصرى فعلا نسيج واحد وشعب واحد على مر التاريح.
فى هذا المجال أصدرت دار المعارف كتابا ضمن سلسة الكتب الثقافية تحت عنوان :
الوحدة الوطنية قصة إبداع مصرية . تأليف الكاتب والسيناريست : محمد السيد عيد . يقول المؤلف :
(شاءت الأقدار أن أولد فى حى غيط العنب بالأسكندرية ، وهو حى تسكنه نسبة عالية من المسيحيين ، وحين أدركت ما حولى وجدت نفسى أسكن فى منزل صغير مكون من أربع شقق ، ثلاث منها يسكنها مسيحيون ، وليس بالمنزل كله من مسلمين سوى أسرتى . كانت الأسر كلها ترتبط بعلاقات جميلة ، إلى حد لا أكاد معه أن أشعر بفرق ، ولم يكن يفصل بين هذا البيت وكنيسة مارجرجس غير بيت واحد . وحين صرت فى سن المدرسة أدخبتنى أسرتى إلى مدرسة شباب الاصلاح القبطية الأرثوذكسية . وأذكر أنى وجدت معظم التلاميذ فى هذه المدرسة من المسلمين .
كانت بنت صاحبة المنزل الذى نسكنه مدرسة فى المدرسة ، ولذا إختارتها أمى لتقوم بالتدريس لى ولإخوتى ، وقد ظللت على علاقة بهذه المدرسة طوال عمرها ، كنت أعاملها باعتبارها خالتى وتعاملنى باعتبارها أمى ..).
هكذا يصف الكاتب محمد السيد عيد طفولته وكيف كانت مصر أسرة واحدة والشعب نسيج واحد ؟ وهى ظاهرة وحقيقة يعرفها كل من عاش هذا الزمن الجميل .
وعن العلاقات الاجتماعية القوية بين الأسر المختلفة يقول المؤلف : أذكر أن سكان البيت كانو لايأكلون حلوى يصنعونها وحدهم بل ترسل الواحدة منهن طبقا مما صنعته لكل جارة ، فتجهز الجارة الطبق لديها حتى تصنع شيئا من الحلوى ثم تعيده مملوءاً .
يذكر المؤلف ذكريات كثيرة عديدة عن الأخوة والصداقة التى ربطته وتربط كل المصريين ببعضهم سواء كانوا مسلمين أو مسيحين ففى الواقع كلنا مصريون ، وقد كانت هذه الذكريات والتاريخ والعلاقات الطيبة من أهم الأسباب التى دفعته لكى يكتب هذا المؤلف الذى بين أيدينا ونستعرضه معا وهو كتاب :
الوحدة الوطنية قصة إبداع مصرية ..
وهو يذكر أن هناك سببان آخران لذلك هما :
أولا : اعتقادى أن وحدتنا الوطنية مهددة ، وأية ذلك ان رئيس المخابرات الاسرائيلية السابق حين أنهى خدمته ألقى كلمة قال فيها :أن ما فعله بشأن خلق توتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر يزول أثره إلا بعد عشرات السنوات .
ثانيا : إحساسى بخطورة الأحداث المتتالية التى تضرب مصر ، وبخاصة بعد ثورة يناير ، حيث يريد أعداء ، هذا البلد أن يدخلوه فى صراع لا ينتهى من خلال الفتنة الطائفية . الكتاب من القطع الصغير ويقع فى 200 صفحة وينقسم إلى ستة فصول :
الفصل الأول: المسيحية والمسيحيون فى القرآن الكريم والسنة النبوية .
الفصل الثانى : السيدة العذراء والمسيح عليهما السلام فى القرآن والسنة .
الفصل الثالث : مسيحيون فى تاريخ مصر الإسلامية .
الفصل الرابع : مسلمون فى تاريخ المسيحيين المصريين.
الفصل الخامس : الاحتفال بالأعياد المسيحية فى مصر .
الفصل السادس: المسيحيون وثورة 1919.
يشرح الكتاب معنى كلمة قبطى التى يخلط الكثيرون بينها وبين كلمة مسيحى ، فالواقع أن كل المصريين أقباط ، لأن الأقباط هم أهل مصر جميعا مهما كانت ديانتهم ، أو حتى قبل نزول الأديان .
إن الأثوريين عرفو مصر بأسم (سيكوبتاح) وهو الأسم الذى كان يطلقه المصريون على عاصمة ملكهم (منف)، ومعناه : بين روح بتاح ، فلما سمع اليانيون هذا الاسم نطقوه حسب لغتهم ( إيجبتوس) وقد ورد هذا الاسم كثيرا فى شعرهوميروس أكبر شعراء اليونان ، فاذا حذفنا علامة اليونانية فى آخر الكلمة ، ةهى أوس نتجت لنا كلمة إيجيبت ، المستعملة فى اللغات الأوروبية كناية عن مصر ، وهى مركبة من كلمتين هما “إى” بمعنى أرض أودار، وجيت أى فقط ، فيكون معنى الكلمتين أرض القبط.
ويستشهد محمد السيد عيد بالقرآن الكريم على حسن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بما جاء فى سورة المائدة الأية 82:
(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنو الذين قالو إنا نصرى)
كما أن القرآن الكريم يسمى إحدى سورة باسم (مريم) تأكيدا لقيمتها واحترامها . وأن الله سبحانه وتعالى يصفها فى القرآن بقوله :
وإذ قالت الملكة مريم إن الله آصطفك وطهرك وآصطفك على نساء العلمين .
يحفل الكتاب بذكر نماذج تاريخية ، إسلامية ومسيحية ، حافظت على روح المحبة والحفاظ على النسيج الوطنى وتقويته ، فهاهو الليث بن سعد يكاتب هارون الرشيد لعزل والى مصر ، الذى أمر بهدم الكنائس التى بنيت بعد دخول الإسلام ، وهذا هو الأب بنيامين يرحب بدخول عمر بن العاص مصر ، وذاك مهندس مسيحى بين جامع ابن طولون. وهل ينسى التاريخ أحمد بن طولون الذى اعتنى بمصر وتقدم بها وجعلها دولة مستقلة وحبه للمسيحيين وإنصافهم وزياراته المتكررة لدير القصير المعروف الآن بدير العريان الموجود فى المعصرة قريب من حلوان ، كذلك أشتهرت الأميرة ست الملك ابنة الخليفة العزيز بالله الفاطمى ، والأخت الكبرى للحاكم بأمر الله بأنها نصيرة النصارى .
لا يستطيع أى كاتب ومؤلف أو مؤرخ أن يكتب عن الوحدة الوطنية فى مصر دون ذكر ثورة 1919 التى كانت علاجا لاحتقان طويل ساديين المسلمين والمسيحين ، حيث شعر المسيحيون بأنهم شركاء فى الوطن ، بلا تمييز ، ولا تفرقة .وارتضى المصريون جميعا شعار : الدين لله والوطن للجميع ..
ويذكر المؤلف بعض الأسماء المسيحية المهمة التى اشتركت فى الثورة من قادة الرأى واعضاء الوفد ززمنهم :
سينوت بك حنا .. ويصابك واصف
فهمى بك حنا ويصا .. أمين بك خياط .. عزيز مشرقى زز شكرى بك بطرس .. سامح أخنوخ فانوس . راغب اسكندر ابراهيم تكلا .. وليم مكرم عبيد.
الدكتور نجيب اسكندر باشا.. الدكتور ابراهيم فهمى المنشاوى باشا .
فى نهاية الكتاب يقول مؤلفة محمد السيد عيد: فى رأيى أن أهم أركان الحياة فى مصر المعاصرة هى النيل ثم الوحدة الوطنية ثم تبنى مشروع النهضة .. فالنيل سر الحياة ، والوحدة الوطنية هى سر الاستقرار ، والتعاون ، والبناء ، والتنمية .أما أساس النهضة فهو وجود مشروع قومى يلتف حوله الناس ، ويبذلون كل غال ورخيص ونفيس من أجل تحقيقه.