لم يمضي علي العدوان الثلاثي علي مصر أو حرب السويس كما يحلو للغرب تسميتها، سوي نصف قرن وعدة سنوات، حتي عادت مصر الي بؤرة الاحداث العالميه مرة اخري وبقوه.
انها لعنة الجغرافيا كما علمنا الراحل العظيم الدكتور جمال حمدان والذي جعلنا ندرك جميعا الاهميه الاستراتيجيه لهذا البلد ،الذي كان وسيظل مطمعا للقوي العظمي عبر التاريخ ، فعندما ادركت مصر جمال عبد الناصر هذه الاهميه وآمنت بها استطاعت ان تحطم مؤامرات القوي العظمي التقليديه في ذالك الوقت وهي بريطانيا وفرنسا علي صخرة ثقل مصر التاريخي والجغرافي .
فقد خَلُصَ عبد الناصر بعد حسابات دقيقه ان معركة تأميم قناة السويس وإنعكاستها هي معركه سياسيه من الدرجه الاولي وليست عسكريه فاذا أُديرت بنجاح سوف يخرج منتصرأ فيها لا شك ، وهنا يكمن سر عبقريته لانه ادرك مبكراً توازنات النظام العالمي الجديد الذي كان قد بدأ يتشكل فعليا في ذالك الوقت وبالفعل قد كان له ما اراد واكثر.
ومره اخري و منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ومجئ جورباتشوف ثم سقوط البريسترويكا، وتفرد قوه واحده في مصائر العالم ادركت مصر مبارك طبيعة المرحله وقوانين وأحابيل لعبة الامم فتعاملت مصر معها بواقعيه سياسيه شديده بل استطيع ان اقول انها استطاعت ان تستغلها لصالحها و ان تبحر بسلام ووعي كاملين في وسط عالم يموج بالصراعات و الحروب والثورات الملونه وظلت هكذا حتي جائت احداث الحادي عشر من سبتمبر وهنا تيقنت مصر وفي قلبها جيشها العظيم ما يحاك للمنطقه من مؤامره كونيه جديده فاتبعت سياسه التعقل و امتصاص غضب الثور الامريكي المُفتعل في صبر وحكمه وترقب شديدين ، فبعد كل ما سمعناه من مصطلحات اخذت تتردد في ذالك الوقت مثل الفوضي الخلاقه والشرق الاوسط الكبير و فرض الديموقراطيه علي الشعوب ، بات من الواضح جدا ان هناك نية لاعادة رسم خريطة المنطقه كما يترائي للامريكان وحلفائهم وان المؤامره كبيره جدا ومن ثم لابد من الانحناء للريح حتي تمر الازمه بسلام .
ومع نهاية العقد الاول من القرن الواحد والعشرين جائت ساعة الصفر لتحقيق هذا المخطط ودخوله في حيز التنفيذ فبدئنا نري القلائل تظهر علي السطح في اكثر دول الشرق الاوسط استقرارا وهي مصر تمهيدا للحظه الحاسمه وهي اسقاط الانظمه القديمه التقليديه والقضاء عليها من الداخل بعد ما استنفذت اغراضها واصبحت عبئا علي شعوبها وعلي من يحركها وتمهيدا لاستبدالها بأنظمه اخري غير تقليديه تتعطش الي السلطه وقادره علي خدمة النظام العالمي الجديد بما يتناسب و متطلباته ، وفي نفس الوقت تكون هذه الانظمه الجديده مقبوله شعبياً من الشارع !! ( وهنا وقعت الولايات التحده وأجهزتهاالتخابراتيه والبحثيه كالعاده في خطأ تاريخي رهيب ) .
وهنا ادركت مصر المترقبه دائما لحركة التاريخ بحس حضاري رائع للحظه الفارقه مره اخري كما حدث في العدوان الثلاثي وقررت ان تفوت الفرصه علي الجميع وهذا يفسر لنا قبول مبارك واجهزته الامنيه العليا للتنحي بهذه الطريقه وتسليمه للأمر الواقع لانهم كان يعلمون جيدا قواعد اللعبه الجديده وما هي شروطها واهدفها وما كان يحاك من مؤامرات لمصر .
فقد كان التعنت من قبل مبارك واجهزته سوف يقود مصر الي احد من السيناريوهات ، اما سيناريو العراق و صدام حسين (الذي هو بل مناسبه لم يستجيب لاكثر من اربعين نداء وخطاب من مبارك يطالبه فيه بل تنحي لتبقي العراق كما هي دون تقسيم )، او كان السيناريو الاخر وهو كان الاقرب للتطبيق وهو السيناريو السوري المتعنت ايضا مثل صدام حسين، وهذا معناه فوضي شامله و حرب اهليه تحت اي زريعه و من اطراف ما انزل بها الله من سلطان وهؤلاء هم الذين رأيناهم يعبثون في سيناء بعد ذالك ، ولهذا قررت مصر ان تلعب اللعبه هذه المره ولكن بذكاء ودهاء الفلاح المصري الفصيح الذي لا يضاهيه دهاء في العالم ، وقررت مصر ان تقبل بل سيناريو الامريكي حتي تستطيع ان تسقطه من الشارع وليس من قبل اجهزتها او جيشها، فالولايات المتحده وحلفائها تستطيع ان تحارب وان تسقط انظمه وجيوش ولكنها لا هي ولا اي قوه علي الارض تستطيع ان تسقط شعب باكمله قوامه ٩٠ مليون وطني مخلص يذوب في حب بلده عشقا وهيامًا .
وهنا وصلنا الي بيت القصيد… الجيش المصري ، ابن الوطنيه المصريه كما يحلوا للاستاذ هيكل ان يسميه، انه جيش احمد عرابي وجمال عبد الناصر وانور السادات ومبارك ، انه الجيش الذي انجب عبد الفتاح السيسي ، انه جيش الفصل في القول ، انه جيش وطني الذي لو شغلت بل الخلد عنه لنازعتني اليه في الخلد نفسي .
ان ما فعله عبد الفتاح السيسي كان شئ متوقع للذين يعرفون ما هو الجيش المصري وما هي الحركه الوطنيه المصريه جيدا، فما فعلته مصر علي يد جيشها واجهزتها الامنيه العليا هذه المره، وتحديدا في اليوم الذي القي فيه الفريق السيسي البيان التاريخي، فانه بهذا المشهد لا يختلف كثيرا عن مشهد خطاب عبد الناصر يوم تأميم قناة السويس وهو ايضا يعيد للاذهان مشهد الهزيمه السياسيه للقوي العظمي في ذالك الوقت ووضعها امام امر واقع لامفر منه وقبول العالم كله تباعا لهذا الامر حتي مشهد ظهور الدب الروسي بوتين هذه المره في المشهد يذكرنا بل السوفيتي خرشوف، ونفس طريقة محاولة الاستثمار لهذه الهزيمه الامريكيه افضل استثمار ومحاولا مغازلة مصر ولكنه علي ما يبدوا انه تذكر ان مصر هي مؤسِسة عدم الانحياز، وان مصر هي مصر ولن تتغير ولن تدور في فلك احد. ولهذا كان هذا كله بل تاكيد يعني اعادة الحسابات الامريكيه التي استمرت عشر سنوات في انتظار لهذه المرحله لاعادة رسم خريطة الشرق الاوسط من جديد ، ولكنه الان اصبح واضحا لجميع المعنيين بل امر ان تحقيق هذا المشروع قد بات في حكم المستحيل نظرأ لما تمخضت عنه الثوره المصريه والنتائج الاستراتيجيه المترتبه علي ذالك والتي قد تغير الكثير من التوازنات في العالم نظرأ لفشل المشروع الامريكي في الشرق الاوسط ، ولهذا كانت روسيا ترقص طربا، وبات العالم كله يتسائل عن هذا الشاب المصري الاسمر ،، من هو ؟
انه عبد الفتاح السيسي الذي كتبت له الاقدار ان يكون قول الفصل في النظام العالمي الجديد.