قبل مايزيد علي أسبوعين اتصل بي الصديق العزيز السفير محمد رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وأسر لي بخبر توقيع الرئيس محمد مرسي القرار الجمهوري رقم 345لسنة 2013 بالترخيص بإقامة كنيسة الرسولين بطرس وبولس بمدينة النوبارية الجديدة بمحافظة البحيرة…
قبل مايزيد علي أسبوعين اتصل بي الصديق العزيز السفير محمد رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وأسر لي بخبر توقيع الرئيس محمد مرسي القرار الجمهوري رقم 345لسنة 2013 بالترخيص بإقامة كنيسة الرسولين بطرس وبولس بمدينة النوبارية الجديدة بمحافظة البحيرة…كان ذلك قبل نشر القرار في الجريدة الرسمية في أول يونيو الجاري,وكان الصديق الطهطاوي سعيدا بذلك الإنجاز الذي وصفه بأنه أول قرار في عهد الرئيس مرسي بالموافقة علي بناء كنيسة جديدة-لما في ذلك من مدلولات مهمة ترد علي اجتهادات كثيرة سلبية في هذا الخصوص-فسبق أن تردد بين الأقباط أن الرئيس مرسي لن يدخل كنيسة ولن يوافق علي بناء كنيسة.
شكرت رئيس الديوان علي اهتمامه وجلست أتامل الأمر…قرار جمهوري هو الأول من نوعه يصدر في عهد الرئيس مرسي بالموافقة علي بناء كنيسة وذلك بالقطع أمر إيجابي يجب أن يقابل بالترحيب والثناء…لكن الأمر لا يقتصر علي بناء هذه الكنيسة ولا ينسحب علي كنيسة واحدة علي الإطلاق,إن القضية شائكة وطويلة وطال انتظار مواجهتها بشجاعة وبإرادة سياسية لإخراجها من النفق المظلم الذي ترقد فيه….هي قضية تشريعات بناء الكنائس وما يكتنفها من تعسف وغبن وتمييز سلبي يتعرض له الأقباط منذ زمن طويل….قضية عدم المساواة بين المصريين في تشريعات بناء دور العبادة حني أن المساجد للمسلمين يكفل لها كل اليسر بينما الكنائس للمسيحيين يوضع في طريقها كل العسر الذي يبلغ مداه في ضرورة صدور قرار جمهوري بالموافقة علي بناء أي كنيسة جديدة…أليس في ذلك تمييز بين المصريين؟…ألا يعد احتفاظ رئيس الجمهورية بتلك السلطة وممارسته لها تكريسا للتمييز بين المصريين وترسيخا للتفرقة بينهم في حقوق بناء دور العبادة وانتقاصا من المعايير المتساوية للمواطنة؟
أعرف أني إذ أقول ذلك سيرد البعض قائلين:هو مافيش حاجة عاجبة الأقباط؟لو رفضنا بناء كنيسة يشتكوا, ولو وافقنا علي بناء كنيسة يشتكوا برضه؟…لكن الأمر ليس بهذه البساطة,فبينما كما أسلفت يجب أن يقابل القرار الجمهوري المشار إليه عاليه بالترحيب والثناء,لا يجب أن تختزل قضية بناء الكنائس في هذا القرار أو حتي في أي عدد لاحق له من القرارات الجمهورية المماثلة,لأن تلك القرارات الجمهورية الصادرة بالموافقة علي بناء كنائس هي في حد ذاتها أبلغ دليل علي بقاء المناخ المريض للتمييز بين المصريين تشريعيا فيما يخص دور عبادتهم.
كما أن التاريخ المرير والمهين للأقباط مع القرارات الجمهورية لبناء الكنائس ظل سمة من سمات تعامل رئيس الجمهورية مع الأقباط حتي ثورة 25يناير 2011 وبعد الثورة تطلع الأقباط إلي إصلاح وعلاج جميع أوجه الخلل وعدم المساواة بينهم وبين المسلمين ضمن أهداف الثورة في إعلاء الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية…فكيف غاب كل ذلك عن الرئيس محمد مرسي وهو يمسك القلم ليوقع أول قرار جمهوري في عهده بالموافقة علي بناء كنيسة؟…هل كان يزهو فخرا ويتيه فرحا بذلك دون أن يفطن إلي أنه يمضي في نفس طريق سلفه الرئيس السابق مبارك في فرض سطوة التشريع الذي يفرق بين المصريين؟!!
ألم يدرك الرئيس مرسي-أو لم ينتبه أحد مساعديه ومستشاريه- إلي أن هناك مشروع قانون موحد لبناء دور العبادة مقدم لمجلس الشعب المصري منذ عام2005 ينتظر إقراره وإصداره لبسط مسارات إجرائية واحدة يتبعها جميع المصريين لبناء دور عبادتهم؟…ألا يذكر الرئيس مرسي -أو أي من مساعديه ومستشاريه- أن ذلك القانون المستعصي علي مؤسسات الدولة يستمر يطفو علي السطح كلما انفجرت أزمة طائفية بسبب بناء أو ترميم كنيسة؟…هل فات عليهم تعهد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف ومن بعده المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالإسراع بإصدار ذلك القانون في أعقاب كوارث كنيسة أطفيح وكنائس إمبابة وكنيسة الماريناب؟ هل ذهبت أدراج الرياح تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان -قبل وبعد الثورة-وكلها تلح في ضرورة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة لعلاج أوجه عدم المساواة بين المصريين ولوضع حد للمناخ المريض المحتقن المتحكم في بناء الكنائس؟
لم يتذكر الرئيس مرسي ولا مساعدوه أيا من هذه الأمور وبدلا من أن يصدر توجيهاته لمجلس الشوري بسرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة-ضمن شهية المجلس المفتوحة علي التشريع-امتدت يده إلي القلم لتوقيع القرار الجمهوري الذي يؤكد علي حرصه علي استمرار نفس سياسات سلفه مبارك في الاحتفاظ بقبضة رئيس الجمهورية علي واحدة من أسوأ مظاهر التفرقة بين المصريين تشريعيا!!…وبالمناسبة لم يكن ذلك هو النهج الوحيد الذي شابه فيه الرئيس مرسي سلفه الرئيس مبارك,فكما كان مبارك يسكت علي مايتعرض له الأقباط ويساهم في ترسيخه بالسلطات التي يقبض عليها بيده ويكتفي بالتشدق دائما بأن لافرق عنده بين مسلم وقبطي,ها هو محمد مرسي يسكت علي مايتعرض له الأقباط وكنائسهم من تهديدات واعتداءات متلاحقة ويساهم في بقاء الأمور علي ماهي عليه بالمضي في إصدار القرارات الجمهورية التي تكرس التمييز,ويكتفي في حديثه إلي رئيس تحريرالأهرام عندما سأله عن ارتفاع نبرة الشكوي بين الأقباط عن الاضطهاد والتمييز في الآونة الأخيرة بأن قال:أقباط مصر أشقاء الوطن,أحباب الداخل والخارج,مصريون حتي النخاع,والمصريون أمام القانون سواء, وأمام الحقوق والواجبات سواء…ليس هناك في مصر مسلمون وأقباط,وأنما هناك مواطنون….
إني أقف أمام مشهد القرار الجمهوري لبناء كنيسة النوبارية الجديدة ومعه تصريح الرئيس مرسي في حواره فيالأهرام عاجزا عن أن أجد جديدا ولا اتساقا بين القرار والتصريح.