د.محمود عزب: رهبان بيت الحكمة هم من وضعوا أسس العلوم للمسلمين والعرب
أقيم أمس الأحد 9 يونيو احتفالية بمناسبة مرور 60 عاما على تأسيس معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان وذلك بحضور قداسة البابا تواضروس الثاني
أقيم أمس الأحد 9 يونيو احتفالية بمناسبة مرور 60 عاما على تأسيس معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان وذلك بحضور قداسة البابا تواضروس الثاني، والدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر ممثلا عن بيت العائلة، والقاصد الرسولي بمصر، والأب جان جاك بيرنيس مدير المعهد، وأمير جاجيه النائب الإقليمي للدومينيكان في المنطقة العربية. قال الأب رينيه فنسان دو جراندلونيه مدير مكتبة المعهد لوطني: “لقد تأسس دير الدومينيكان بالدراسة في العام 1930 وكان يعمل بإرسالية موجهة إلى المسيحيين، وبعد الحرب العالمية الثانية جاء ثلاثة من الآباء الدومينيكان هم الأب جورج شحاتة قنواتي والأب جاك جوميه والأب سيرج دي بوركوي إلى الدير ليؤسسوا معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان ليكون ذو هدف رئيسي وهو الحوار مع المسلمين من خلال الدراسات العلمية، ويهتم المعهد بدراسات كل ما يتعلق بالإسلام في العشر قرون الأولى وهي الفترة التي شملت كل المؤلفين الكبار الذين أسسوا الحضارة الإسلامية، ونحن نحاول جلب الكتب المحققة والدراسات عن هذه النصوص المؤسسة للحضارة الإسلامية.”
وخلال الاحتفالية قال البابا تواضروس: ” إن الذين يعملون في مجال الدراسات ومجال البحث والقراءة الأعوام تزيدهم معرفة وتزيدهم عمقا على المستوى الروحي والإنساني، وأنا سعيد انه على ارض بلادنا مصر يوجد مثل هذا المعهد البحثي الذي يقدم هذه الخدمة الجليلة التي تربط بين المعرفة المسيحية والمعرفة الإسلامية على المستوى الإنساني. في الفلسفات اليونانية القديمة كان يطلق على الله العالم الكبير أما الإنسان فيطلق عليه العالم الصغير، فكل إنسان منا خلقه الله جعل منه عالما فريد، لذا عندما تتواصل هذه العوالم معا إنما يزداد نزداد الثراء الإنساني والغنى في المعرفة.
وقد جئت مبكرا لزيارة مكتبة المعهد والتي قد افتتحها قداسة البابا شنودة الثالث قبل 11 عاما، وفي هذه المكتبة بضخامتها وإمكانياتها، يقولون بيت بلا مكتبة مثل جسد بلا روح. وأحدى علامات تقدم الدول وتميزها هي أنها تحتضن مكتبات على مستوى راقي كما تحتضن بلادنا مكتبة الإسكندرية. وهذه الصورة الإنسانية الجميلة تجعلني أقف أمام كلمة نستخدمها جميعا مسلمون ومسيحيون وهذه الكلمة تعتبر احد النوادر وهي كلمة أمين، نحن نستخدم هذه الكلمة في كل صلواتنا ويستخدمها تقريبا كل شعوب الأرض، تلك الكلمة التي استقرت في المعرفة الإنسانية المعنى اللغوي لها فليكن أو فليستجيب الرب، ولكن في المعنى الرمزي لها فهي تشير إلى الأمانة فالإنسان الذي يريد أن يحيا إنسانيته ويريد أن يعيش صحيحا – دون النظر للدين- فهذه الإنسانية لا تتحقق إلا بأمانة الإنسان في فكره وفي عمله ومع نفسه وفي داخل أسرته وأمانة في اعتقاده وفي الأرض التي يعيش عليها وفي الوطن الذي يعيش فيه، لذا عندما نحتفل بمرور 60 عام على إنشاء المعهد أن أردتم أن تبحثوا عن خيط رفيع يربط هذا التاريخ الطويل فلن تجدوا إلا الأمانة فان كان راهب فيجب أن يكون أمينا في رهبنته وإن كان عاملا فيجب أن يكون أمينا في عمله.
إن هذا الاحتفال يحي فينا أهمية ومحبة الدراسة ومحبة البحث والأكثر من ذلك محبة التواصل، فإن وجد في مكان ما عنف أو عدم قبول الآخر، فإذا رجع الإنسان إلى إنسانيته سيجد أن الله خلق فيه قدرة على التواصل وقدرة على التحاور.”
أما الأب أمير جاجيه فأشار إلى أن الرهبنة الدومينيكانية منذ تأسيسها في القرن الثالث عشر كان هدفها الأساسي البحث عن حقيقة غنى الآخر المختلف في ثقافته وقناعته ومعتقداته، ولهذا طلبت الرهبنة في مصر من هذا الدير العريق برهبانه في عام 1953 أن يقوموا بهذا الدور الجوهري من خلال الدراسة والبحث والنشر والتعمق في معرفة الآخر وتقديم صورة أكثر موضوعية من خلال العيش مع الآخر وفهمه واكتشافه. ثم وجه حديثه لرهبان الدومينيكان قائلاً: “هذا المجهود الجبار وهذه الرسالة النبيلة التي أوكلتكم إياها الرهبنة هي في الحقيقة دعوة رائعة ثمارها الحقيقية هي أولا الكم الهائل من العلاقات الذي تربطكم بالمسلمين أصدقاء وأخوة في الإنسانية من جهة وبالأعداد الكبيرة التي يقدمون إليكم من مدن مختلفة من مصر وكافة أنحاء العالم من جهة أخرى، إن روعة هذا العمل هو ثمرة جهود الرهبان الدومينيكان عبر الأجيال الذين أحبوا مصر وأهلها وكرسوا حياتهم من أجل رسالة هذا المعهد ونخص بالذكر الآباء المؤسسين الذين تركوا لمستهم الإنسانية العميقة في هذا المعهد وفي تاريخه منذ بدايته وحتى يومنا هذا.”
وقال دكتور محمود عزب: “هذا المركز يذكرنا ببيت الحكمة ببغداد والذي عمل فيه رهبان في أرض الرافدين نقلوا العلوم من أمهات كتب ميتة إلى لغات حية وأسهموا بقوة وإجلال وبكرامة عظيمة في وضع أسس العلوم للمسلمين والعرب، إن معهد الدومينيكان بالقاهرة قلعة علم حقيقية ونحن نعرف قدرها ويأتيها الطلاب والباحثون من كل مكان لينهلوا منها، ولذلك فالكل يضعها نصب عينيه. ونحن نعرف إن الأب قنواتي مؤسس المعهد جاهد لمدة ثلاثين عاما ليؤسس كرسي الحوار مع المسلمين لدى الفاتيكان، فهو من مؤسسي الحوار ومن قادته ومِن مَن يعرف آدابها. ويقف هذا المعهد وراء بيت العائلة والذي يضم الأزهر الشريف وكل الطوائف الكنسية ليقوم بضبط الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي كي تعود لمصر قيمها وليسمع المسلمون والمسيحيون خطاباً يركز على القيم العليا المشتركة.”