الله من صفاته أنه لا يعتريه تغيير. هو كامل مطلق لذا يصفه الكتاب المقدس: ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع1:17).
إذا من الخطأ أن نقول أنه بالتجسد طرأ تغيير علي اللاهوت, لأن التجسد ليس إلا أحد أعمال الله العظيمة التي أتمها ويتمها علي مدي الأزمان.
67- وهل طرأ علي الله تغيير بالتجسد
الله من صفاته أنه لا يعتريه تغيير. هو كامل مطلق لذا يصفه الكتاب المقدس: ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع1:17).
إذا من الخطأ أن نقول أنه بالتجسد طرأ تغيير علي اللاهوت, لأن التجسد ليس إلا أحد أعمال الله العظيمة التي أتمها ويتمها علي مدي الأزمان. فإنه إذا رأي الله فساد الإنسان لم يشأ هلاكه بل صار كلمة الله جسدا بغير خطية يقبل الموت لكي يخلص الإنسان الفاسد.
فالكلمة المتجسد مات وقام, واللاهوت لا يموت, وهكذا تم عمل الفداء, واللاهوت لم يتغير.
68- وكيف يسكن الله غير المحدود في الإنسان المحدود؟
يجب أن ندرك أن اللاهوت لم يحد بالناسوت. فهو لا يحده مكان وإن كان هو يحوي كل الأشياء وحاضرا في كل الخليقة, لكنه متميز عنها في الجوهر.
مثل زجاج المصباح لا يحد نوره, بل نجد إشعاعات النور تنبعث من خلال المصباح في كل ناحية دون عائق. كذلك لم يحد الناسوت النور الإلهي.
ولمزيد من الإجابة نسوق الأمثلة التالية تقريبا للأذهان:
* إن الهواء يغلف الكرة الأرضية ولكنه موجود هو نفسه في رئات كل البشر.
* إن اتحاد الله بالإنسان يشبه اتحاد الحرارة بالماء في الماء الساخن.
* كما يشبه اتحاد الكهرباء بالسلك في السلك المكهرب.
69- وكيف يتحد الله القدوس بطبيعة الإنسان التي هي أحط؟
إن التجسد لا يعني أن الله تحول إلي إنسان, بل أن الله تنازل واتحد بكل مكونات الإنسان, وفي نفس الوقت يظل هو الإله القادر علي كل شئ. تماما كما تبقي الشمس كما هي بنورها وطاقتها برغم أن أشعتها تسطع علي أماكن القاذورات وما بها من عفونة وجراثيم.
الله ضابط الكل هو يؤثر في الأشياء ولا يتأثر بشئ منها ولا يمكن أن يتدنس بل هو يقدس النجس.
70- وكيف يستطيع البشر أن يروا الله الذي لا يري؟
رؤية اللاهوت مجردا أمر مستحيل, ولذا قال الله لموسي: لا تقدر أن تري وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش (خر33:20). لذا كان تمهيد الأنبياء للبشرية للإعلان الأكبر عن حلول الله بيننا (عمانوئيل=الله معنا).
إن بعض الآباء يشبه العهد القديم بالخطوبة, والتجسد بالزواج, لأن الله ختم إعلانه عن نفسه بالتجسد.
لذا كان بالحري أن يستخدم الله الجسد حتي نراه, ويقول القديس يوحنا الرسول: وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد, فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي, والآن هو في العالم (1يو4:3).
71- قرأت في بشارة يوحنا آية تقول: الله لم يره أحد قط (يو1:18). وفي نفس البشارة قرأت آية أخري يقول فيها السيد المسيح: الذي رآني فقد رأي الأب (يوحنا 14:9). هل هناك تناقض بين الآيتين؟
لا يوجد أي تناقض, لأن الله روح, ولا يستطيع أحد أن يراه, ولكن بما أن السيد المسيح حبل به من الروح القدس (روح الله), وأنه من نفس جوهر وطبيعة الآب. فالذي يري المسيح (أقنوم الابن) يكون قد رأي الآب: الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر (يوحنا 1:18).
إن الله ظهر في الجسد. لذا نقول عنه: كلمة الله المتجسد.
كما يؤكد ذلك يوحنا الرسول في صدر بشارته:
في البدء كان الكلمة, والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة الله.. والكلمة صار جسدا وحل بيننا, ورأينا مجده, مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا.. (يوحنا1:1-5, 14-18).
حقاك بالإجماع عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد.
(تيموثاوس الأولي 3:16)
72- إذن هل كان إرسال الأنبياء قبل مجئ السيد المسيح بمثابة تمهيد؟
نعم. فقد أرسلهم الله ليعدوا البشرية لمجئ المخلص الحقيقي. والنبي كما يدل اسمه كانت مهمته أن ينبئ بإرادة الله. أي أن يعلنها بقوة داعيا البشر إلي تقويم ما اعوج من سيرتهم والرجوع إلي الله.
والملاحظ أن تكرار ظهور الأنبياء في حد ذاته كان يعني أن البشرية تحتاج إلي شئ أقوي من مجرد رسالات هؤلاء الأنبياء الشفوية والمكتوبة.. كانت تحتاج إلي الخالق ذاته.
73- وهل مفهوم: مجئ الله إلي الإنسان امتياز تختص به المسيحية فقط؟
تنفرد المسيحية بذلك. فالبعض يعلم أن قهر الخطية هو في طاعة الله وحفظ أحكامه وشرائعه, والتدين السليم عندهم هو في سعي الإنسان نحو الله. أما المسيحية فتري أن الخطية والشر هما مرض الروح, وأن الإنسان بدون الله مريض, لذا أتي السيد المسيح إلي البشرية كالطبيب الحقيقي الوحيد.
لقد سعي الله نحو الإنسان ليشفيه ويعافيه وينقذه من كل وجعه. وهذا هو امتياز المسيحية الفريد عن الآخرين.