كشف مؤخراً فريق من علماء الآثار عما يقرب من 300 قطعة جلدية أثرية استخدمت فى تصنيع عربة مصرية قديمة بالمتحف المصري. ويسعى الفريق إلى إعادة بناء العربة الملكية من خلال دراسة التقنية والمواد المستخدمة في بناء مثل هذه العربة، واستخدام التقنية ذاتها التي استخدمها القدماء المصريون
كشف مؤخراً فريق من علماء الآثار عما يقرب من 300 قطعة جلدية أثرية استخدمت فى تصنيع عربة مصرية قديمة بالمتحف المصري. ويسعى الفريق إلى إعادة بناء العربة الملكية من خلال دراسة التقنية والمواد المستخدمة في بناء مثل هذه العربة، واستخدام التقنية ذاتها التي استخدمها القدماء المصريون.
تقول “سليمة إكرام” أستاذ علم المصريات وعضو فريق علماء الآثار الذي يعمل على حل اللغز وراء تلك البقايا الجلدية التي تم اكتشافها مؤخراً، “يعتبر اكتشاف مثل هذه القطع الجلدية أمراً فريداً واستثنائياً للغاية حيث يوجد عدد ضئيل من العربات الكاملة من مصر القديمة التي لدينا علم بها. إحدى هذه العربات قد تم ترميمها ترميماً هائلاً في مدينة “فلورنس”، والأخرى هي لتويا ويويا في المتحف المصري، وقد احتوت العربتان على قطع كبيرة من الجلد. بالإضافة إلى ذلك، لم تحتو العربتان على الكثير من الزخرفة ولم تكونا بالحالة الجيدة ذاتها التي وجدنا عليها قطع العربة الجلدية.”
بالرغم من تكرار ظهور العربات التي تجرها الخيول في الفن المصري القديم، إلا أن الأدلة الأثرية التي توضح وجود عربات أخرى غير العربات الخشبية تعتبر قليلة للغاية. وبالتالي، نادراً ما تتبقى الآثار الجلدية نتيجة لطبيعتها العضوية. وتقول إكرام “كانت القطع الجلدية في حالة جيدة فاقت توقعاتنا، وتمكننا من معرفة كيفية بسط الجلد فيها. وتشير الحالة الجيدة التي وجدنا الجلد عليها إلى احتمالية حفظها داخل مقبرة. وعادة ما يظهر على البقايا الجلدية التي يتم العثور عليها بالمناطق الحضرية – مثل تل العمارنة – علامات التحلل وتكون هشة وفي حالة سيئة بوجه عام، وذلك بالرغم من حالتها الجيدة نسبياً مقارنة بالبقايا التي يُعثر عليها في الكثير من المواقع حول العالم”.
تسعى إكرام وفريق العلماء إلى فهم التقنية المستخدمة ونوع الجلد المستخدم في صناعة العربة أثناء عملية بناء نسخة مطابقة للعربة المذكورة، هذا بالإضافة إلى اختبار الافتراضات التي تتعلق باستخدامات قطع الجلد المختلفة، والتي تعتبر عملية مليئة بالتحديات. تقول إكرام “طويت بعض القطع الجلدية بصورة جعلتها مجعدة، وقد تكون عملية إعادة بناء بعض الأجزاء مع محاولة الحفاظ على الدقة ذاتها المستخدمة في تقنية صناعة العربة أصعب كثيراً مما توقعنا.”
بدأت إكرام العمل مع “أندريه فيلدمير”، رئيس قسم علم المصريات بالمعهد الهولندى الفلمنكى بالقاهرة، في مشروع بعنوان “Ancient Egypt Leatherwork Project” في عام 2008، حيث صادفا كتاب “روبرت جاكوبز فوربز” الذي صدر خلال فترة الخمسينيات، بعنوان “Studies in Ancient Technology”. وقد تحدث الكتاب عن صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود لأغطية مزخرفة لسروج وألجمة الخيول، والتي تبدو سليمة بصورة جلية، ويقال أنها موجودة بالمتحف المصري في القاهرة.
سعت “إكرام” و”فيلدمير”، نتيجة لإهتمامهم الشديد بنتائج “فوربز”، إلى الحصول على مساعدة أمناء المتحف للعثور على مخبأ من القطع الجلدية الخاصة بعربة مصرية، والتي تضمنت أجزاء من حافظة الأقواس.
وعملت “إكرام” و”فيلدمير” على توثيق وفحص التقنية والموارد المستخدمة في صناعة العربة، بالإضافة إلى إجراء دراسات تحليلية لها. وقد قاما بتصنيف القطع الجلدية إلى مجموعتين رئيسيتين وفقاً لألوانها ومتانتها كما يلي: جلد أملس باللونين الأحمر والأخضر، وآخر قوي باللونين البيج والأخضر. وقد تميزت بعض القطع الجلدية بالكثير من الزخارف المليئة بالتطريز الجلدي، بينما كانت بعض القطع الأخرى أكثر بساطة. هذا، وقد قاما بترقيم وتوصيف القطع الجلدية، والتي تضمنت أطواق للعجل، وشرائط للرقبة، وقفازات واقية، وأجزاء من حافظة الأقواس. فمن الواضح أن هذه البقايا تُكون جميع أجزاء العربة.
وتؤكد إكرام “تعتبر جميع الأجزاء الجلدية التي رأيناها جديدة. فقد أوضحت لنا كيف تمت صناعة العربة، بالإضافة إلى التقنيات والمواد التي تم استخدامها في صناعة هذه العربة. وقد كشفت أيضاً دراستنا عن كيفية تثبيت الأربطة للمكونات الجلدية بهيكل العربة.”
ومن خلال إمعان النظر في هذه النتائج، تأمل “إكرام” أن تتمكن من استخدامها في سياق تاريخ العربات المصرية. وتتوافق نتائج مشروع “The Egyptian Museum Chariot Project” مع مشروع بحثي ضخم شامل ومتعدد الجوانب حول الأعمال الجلدية في مصر القديمة، والذي يتضمن أيضاً دراسة لقطع أخرى من عربات، مثل التي تم الحصول عليها من مقبرة تحتمس الرابع (كارتر ونيوبيري عام 1904)، ومقبرة أمنحوتب الثاني (داريسي عام 1902)، ومقبرة أمنحوتب الثالث (ليتاور وكرويل الأعوام 1985 و1968 و1987)، هذا بالإضافة إلى قطع جلدية من فترة العمارنة (فيلدمير عام 2010). ويدير كل من فيلدمير وإكرام هذا المشروع.
تقول إكرام “لقد غيرت العربات من نظرة القدماء إلي الطرق وكيفية تفاعلهم معها. كانت وسائل المواصلات في مصر القديمة، قبل ظهور العربات، تنحصر فى القوارب، والدواب، والسير. فقد قدمت العربات فكرة جديدة باعتبار الطرق تعتبر أفضل وسيلة تتيح التحرك السريع بالعجلات، وبالتالي، تغيرت طريقة تنقل المصريين من مكان لآخر لتُحدث ثورة في وسائل المواصلات والحروب.”
بالإضافة إلى الاستخدامات السلمية للعربات، فقد ارتبطت بالجيوش والحياة العسكرية بصورة وثيقة، حيث وفرت لرامي السهام منصة متحركة يمكنه من خلالها التصويب على العدو. أما الصيد، فإنه كثيراً ما صُور كرياضة مفضلة لدى الأسر الملكية والنبلاء الذين يظهرون وهم يمارسون الرياضات الصحراوية أثناء ركوب عرباتهم. وقد بدأت شعبية مواكب العربات منذ الأسرة المالكة الثامنة عشر إلى ما بعد ذلك، حيث يظهر الفرعون المنتصر عائداً بمفرده من ساحة القتال.
وبدءا من العصور القديمة وحتى الأوقات المعاصرة، تعتقد “إكرام” أن العربات تعكس إحدى أقدم وسائل المواصلات التي عرفها الإنسان. تقول إكرام “تعد العربة هي سالفة السيارة. فقد استخدم القدماء المصريون العربات بالطريقة ذاتها التي استخدمنا بها السيارات في أوائل ظهور لها.”