في عام 1923، قدّمت فرقة علي الكسار مسرحية من تأليف أمين صدقي عنوانها الانتخابات تطرقت إلى قضية تحرير المرأة وضرورة المطالبة بحقوقها والمشاركة بصوتها في الانتخابات.
قومي اصحي من نومك بزياداكي نوم
وطالبي بحقوقك واخلصي من اللوم
ليه مانكونشي زي الغربيّة ونجاهد في حياتنا بحرية
شطارة شاطرين، قدارة قادرين
مين في خفتنا ودردحتنا مين؟
معانا شهادات ودبلومات
ونعرف بوليتيكا بالسبع لغات
ليه مانكونشي بقى ليه زي الراجل ليه
قولولنا هو زايد عننا ايه
إشمعنا في أوروبا الستّات لهم صوت في الانتخابات
إحنا كمان لازم نفوقهم هنا في بلادنا ونبقى فوقهم
.
وتشهد هذه الكلمات للتحول الكبير الذي عرفته مصر في الربع الأول من القرن العشرين حيث صار سفور المرأة شعارًا يرمز إلى التقدم والنهضة والانفتاح والتجديد. وفي عام 1915، اختار عبد الحميد حمدي عبارة السفور عنوانًا للجريدة الأسبوعية التي أصدرها، وسرعان ما تحولت هذه الجريدة الأدبية إلى منبر لأدباء المدرسة الحديثة، أبرزهم الشيخ مصطفى عبد الرازق وشقيقه علي عبد الرازق وطه السباعي. صدم عنوان هذه الصحيفة الذوق العام وأثار حفيظة الكثيرين، واستهدف صاحبها بكثير من المطاعن لكنه صمد وفتح صفحات جريدته لدعاة النهضة مدى ثلاث سنوات. في العدد الرابع، كتب الشيخ مصطفى عبد الرازق تحت عنوان نقد السفور .
علامات السفور
هدى شعراوي
وجدت هذه الدعوة الكثير من المناصرين، وتمثّل انتصارها بعدد من المحطات التاريخية التي باتت في الذاكرة الجماعية رمزًا لنهضة المرأة المصرية. في عام 1920، عادت هدى شعراوي من فرنسا بصحبة ابنتها وزوجها على متن الباخرة التي ركبها سعد زغلول، وعند وصولها إلى المرفأ، نزلت الأم وابنتها سافرتي الوجه أمام الجموع التي احتشدت لاستقبال الزعيم سعد، ورفعت من يومها الحجاب، وسار على مثالها الكثيرات من سيدات ذلك الزمن. تظهر هدى شعراوي برفقة سيزا نبراوي في صور فوتوغرافية التقطت في المؤتمر النسائي الذي انعقد في جنيف في السنة نفسها، وتظهر السيدتان مرة أخرى في روما حيث انعقد المؤتمر الدولي للمرأة في عام 1923. في تلك السنة، تجاوزت “أم المصريين” صفية زغلول التقاليد وظهرت في مجلة اللطائف المصورة مكشوفة الوجه والرأس في صورة التقطها مصور المجلة زولا، مما دفع صحيفة أبو الهول إلى انتقادها بشدة. ردّ أحد قراء اللطائف على هذه الحملة برسالة .
خرجت المرأة المصرية من الظل في عهد ثورة التاسع عشر وكشفت عن وجهها. في عام 1925، شهدت القاهرة ولادة “اللجنة السعدية للسيدات”، وهي جمعية نسائية تهدف إلى انتزاع حقوق المرأة بالسلم، وتضم “طائفة من أنجب سيدات مصر وأكثرهن غيرة على مصلحة الوطن”، كما جاء في خبر صحافي يعود إلى تلك المرحلة. يرافق هذا الخبر صورة لسيدات هذه الجمعية، والغالبية العظمى منهن سافرات الوجوه على مثال هدى وسيزا. في الثلاثينات، بدا انتصار السفور جليًا في مختلف حقول الحياة المصرية. وفي الأربعينات، تجاوزت المرأة هذه القضية “القديمة” لتطالب بحقها في الانتخاب والترشيح.
بنات النيل
لطيفة الزيات
تردد صدى دعوة بنت الشاطئ للنهوض بالمرأة. في عام 1944، ووُلد الحزب النسائي الوطني المصري على أيدي مجموعة من النساء، وكان هدفه الأول المطالبة بحق المرأة في الانتخابات وفي تمثيلها في البرلمان. رفض البرلمان المصري الاعتراف بهذا الحق، وخرجت هدى شعراوي من الجلسة لتقول:
كنت أول من طالب بهذه الحقوق للمرأة المصرية منذ سنوات طويلة، ولن يثنيني ما حدث في البرلمان الآن عن الكفاح والجهاد والسعي الحثيث لتحقيق الهدف الذي أسعى إليه. وإنه ليدهشني حقًا أن الرجعية تمتزج بالديموقراطية، فأرى من يقومون لينكروا على المصرية حقها الشرعي، في الوقت الذي شهدوا فيه تقدمها ولمسوا ما يمكن أن تقوم به من أعمال نافعة، فرفضوا أن يعطوها هذا الحق في الوقت الذي يعطونه للجهلة من الرجال.
بعد عامين، أقامت رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية مؤتمرًا في قاعة الليسيه وطالبت بحقوق المرأة السياسية بصوت عال. تحدثت لطيفة الزيات في هذا المؤتمر وقالت:
لقد قمنا بحركتنا في اكتوبر عام 1945، وانضمت إلينا الفتيات المثقفات. وفي غدنا سنضم النساء المصريات، فلاحات وعاملات. إننا نود أن نردّ على أولئك الذين يزعمون أن المرأة لا تستطيع أن تجمع بين واجب بيتها وواجبها كمواطنة. سنعمل على أن يكون للمرأة حق الانتخاب والنيابة والمساواة مع الرجل في الأجور والأعمال. سنمكّن المرأة من أن تلعب دورها في الإنتاج القومي.
تجاوزت المرأة في تلك الحقبة ثورة السفور وباتت تطالب بحقوقها كاملة، ولم تعد هذه المطالبة حكرًا على النخبة. يشير طه حسين إلى هذا التطور في مقال كتبه بالفرنسية، وفيه يقول:
لم تعد نساء الطبقة البورجوازية يكتفين بموقف المتفرج في المناقشة الدائرة بشأن حريتهن، وإنما أخذن تلك الحرية أخذًا. فقد طرحن الحجاب، وخرجن من بيوتهن وتظاهرن مع الرجال في الشوارع ضد الإنكليز، بشأن حريتهن، وإنما أخذن تلك الحرية وطالبن بنصيبهن من الخطر في النضال.
لا ينحصر السفور في نساء الطبقة البورجوازية التي تبنّت الطرق الغربية في الحياة. تظهر زوجة الشيخ مصفى ياسين قارئ القصر الملكي في صور فوتوغرافية من غير حجاب، وتظهر ابنته الشابة انجي في لباس بنات جيلها. كذلك تظهر زوجة الشيخ أبو العينين شعيشع، “خليفة” الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في فن القراءة. أضحى السفور حالة طبيعية، ولم يعد خروجًا على الأعراف والتقاليد.
عائشة عبد الرحمن “بنت الشاطئ”
خاضت المرأة المصرية معارك أخرى في السنوات الأخيرة من العهد الملكي. ترأست درية شفيق “اتحاد بنت النيل” وقادت في عام 1951 تظاهرة في شوارع القاهرة توقفت أمام البرلمان المصري للمطالبة بحق المرأة في الدخول إليه. بعد عام، انبثقت “كتيبة بنت النيل” من هذا الاتحاد وحاصرت “بنك باركليز” البريطاني لمنع الناس من التعامل معه. انتهى العهد الملكي مع قيام ثورة تموز، واستمرت معركة المرأة المصرية. في عهد جمال عبد الناصر.
كما وصفها المتشددون
ويعرف حركة تحرير المرأة او السفور من قبل بعض الكتاب الاسلاميين المتشددين انها : أن حركة تحرير المرأة هي حركة علمانية، نشأت في مصر، ومنها نشرت في أرجاء البلاد الإسلامية، وهدفها هو قطع صلة المرأة بالآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها كالحجاب، وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل شيء. ويعتبر كتاب المرأة في الشرق لمرقص فهمي المحامي، وتحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين من أهم الكتب التي تدعوا إلى السفور والخروج على الدين، وتمتد أهداف هذه الحركة لتصل إلى جعل العلمانية واللادينية أساس حركة المرأة والمجتمع.
ويرجع الحركة الى صفية زغلول، زوجة سعد زغلول وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في تلك الأيام وأشهر صديق للإنكليز عرفته مصر ، وهدى شعراوي، ابنة محمد سلطان باشا الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب الأمة ( حالياً الوفد ) ومن أنصار السفور ، سيزا نبراوي ( واسمها الأصلي زينب محمد مراد )، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية. وهما أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923م ، درية شفيق، من تلميذات لطفي السيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه، ثم إلى إنكلترا، وصورتها وسائل الإعلام الغربية بأنها المرأة التي تدعوا إلى التحرر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات ، والتى لما عادت إلى مصر شكلت حزب ( بنت النيل ) في عام 1949م بدعم من السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية ، سهير القلماوي، تربت في الجامعة الأمريكية في مصر، وتخرجت من معهد الأمريكان، وتنقلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية ، أمينة السعيد، وهي من تلميذات طه حسين، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر . ترأست مجلة حواء. وقد هاجمت حجاب المرأة بجرأة – ومن أقوالها في عهد عبد الناصر: ” كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق ؟ “. تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية -وسخرت مجلة حواء للهجوم على الآداب الإسلامية ، وهي لا تزال تقوم بهذا الدور .
ملحوظة : الصور الملحقة لنساء حركة السفور او التحرير بعد خلع البرقع .