منذ قيام ثورة 25 يناير لم يتردد تعبير أو مصطلح مثل ما ردد مصطلح “العدالة الاجتماعية”، ولعل ظهور هذا المصطلح بهذه القوة له أعظم تعبير على مدى احتياج المجتمع المصرى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية
منذ قيام ثورة 25 يناير لم يتردد تعبير أو مصطلح مثل ما ردد مصطلح “العدالة الاجتماعية”، ولعل ظهور هذا المصطلح بهذه القوة له أعظم تعبير على مدى احتياج المجتمع المصرى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
والسؤال الذى أود أن نفكر فيه هو.. أى عدالة اجتماعية يحتاجها الناس فى بلادنا؟ وما هو مفهوم العدالة الاجتماعية الصحيح الذى يجب أن نسعى إلى طلبه و تحقيقه؟
للاجابة على هذا السؤال أولا أحب أن أشير إلى مفهومى للعدالة الاجتماعية من خلال خلاصة قراءاتى و احساسى بهذا المفهوم، ثم اقدم لكم المفهوم الأمثل للعدالة الاجتماعية و هو مفهوم الرب يسوع…و ذلك من خلال بعض مواقفه و تعاليمه.
فى رأيى أن مفهوم العدالة الاجتماعية هو توفير معاملة عادلة واستفادة مشتركة من كل خيرات و امكانيات المجتمع لكل فئات وأطياف وعناصر المجتمع، فى كل المجالات وفى اطار سيادة قانون عادل.
اما عن العدالة فى فكر يسوع…
ابدأ أولا بالعدالة فى فكره من خلال مثل السيد والعبيد والوزنات الوارد فى (متى 25: 14) و فى هذا المثل يمكن اكتشاف مبادىء كثيرة مرتبطة بمفهوم العدالة الاجتماعية، منها:
1-اتاحة الفرصة للكل.. فلقد دعى السيد كل العبيد ولم يحرم ولا واحد منهم من وزناته فكانت الفرصة للجميع.
2-اتاحة الموارد بحسب الطاقة.. حيث قسم السيد وزناته ارتباطا بطاقة كل واحد كما يقول المثل (كل واحد على قدر طاقته)
3-اقل الموارد تكفى للحياة الفعالة.. فقد كان أقل نصيب هو الوزنه الواحده كافيا جدا لبداية تجارة عظيمه.
4-المكافأة كانت عادلة بالرغم من اختلاف الامكانيات.. كانت المكافأة عادلة جدا بالرغم من الربح المختلف باختلاف الامكانيات و نال كل منهما فتح باب جديد له للفرح بالحياة.
5-العدالة الإجتماعية لا تشجع الكسل بل تعاقبه و توبخه.. عاقب السيد العبد الثالث الذى دفن وزنته و لم يستخدمها مثل الاخرين، تأكيدا على أن العدالة الاجتماعية تدين و تعاقب الكسل والتراخى واهمال الطاقات.
6-العدالة الإجتماعية تتيح فرصا اكبر للمجتهدين.. أعطى السيد الوزنه التى دفنها العبد الثالث للعبد الأول لانه أظهر باخلاصه و اجتهاده أنه كفء ليربح بوزنات أكثر.
ثانيا العدالة الاجتماعية من خلال موقف الرب يسوع مع الكنعانية فى (متى 15: 21)
1-العدالة الاجتماعية تتحدى التمييز.. ففى الوقت الذى ميز اليهود بكل شدة بينهم و بين الكنعانين، تحداهم الرب يسوع بطريقة عملية، و بعد ما أعلن عن مفهوم اليهود للأمم وكأنهم مثل الكلاب، فعل الرب يسوع عكس هذا المفهوم تماما معلنا تحديه للتمييز.
2-العدالة الاجتماعية تكتشف ميزات عند المنبوذين.. استطاع الرب يسوع بمهاراته أن يكشف للتلاميذ أن هذه المرأة ليست مثلهم فقط كأممية، بل لديها من الميزات التى قد لا تكون موجوده بمثل هذا التميز فيهم، فعل ذلك عندما كشف الموقف عن ايمانها و مدح الرب يسوع هذا الإيمان.
3-العدالة الاجتماعية تمنح تسديد الاحتياج للكل.. لم يكتفى الرب يسوع بتغيير المفاهيم و مدح ايمان المرأة لكنه سدد احتياجها الملح.
4-العدالة الاجتماعية ترفع شأن الانسانية.. بهذا الموقف رفع الرب يسوع من شأن الانسانيه فى معناها الأشمل واكد على أن الإنسانيه يجب أن تتعدى كل الفوارق الاجتماعية والعنصرية.
ثالثا العدالة الاجتماعية من خلال لقاء السامرية الوارد فى (يوحنا 4)
1-العدالة الاجتماعية تتحدى الانغلاق على جماعة معينه.. تحدى الرب يسوع انغلاق اليهود على أنفسهم واصرارهم على عدم معاملة السامريين و اجتاز من السامرة التى كان يحرص اليهود بكل الطرق فى كل رحلاتهم ألا يمروا بها، حتى وان قطعوا مسافات اكثر، و لم يفعل هذا فحسب بل و تحدث مع السامرية.
2-العدالة الاجتماعية تتحدى التمييز ضد المرأة.. لم يكن التمييز فقط ضد الأمم أو السامريين، بل كان هناك تمييزا واضحا ضد المرأة، فلقد احتقر للأسف اليهود المرأة ووضعوا عليها قوانين و تقاليد كثيرة، حتى أن الحديث مع امرأة بالشارع كان يعد عملا مهينا، تحدى الرب يسوع هذا و تحدث مع السامرية و لم يخشى لوم المجتمع له وأعلن أن المرأة مثل الرجل يجب التعامل معها كانسان ومنحها كل المعطيات التى تمنح للرجل كإنسان.
3-العدالة الاجتماعية تعطى للمرأة حقها و دورها.. لم يتحدث الرب يسوع مع السامرية فحسب لكنه سمح لها ومنحها دورها فى الحياة عندما ذهبت كارزة به و متحدثه عنه، فلم يعاتبها بل بالعكس قبل أن تكون كارزة له وقامت بأروع دور كان يمكن أن يقوم به شخص تجاه مدينته.
4-العدالة الاجتماعية تتحدى الثقافات الخاطئة الموروثه.. موقف الرب يسوع مع السامرية و قبوله لما فعلته السامرية بأن تكرز بشخصه ورد فعل أهل المدينه أكد بكل المعانى أن العدالة الاجتماعية يجب أن تتحدى و بقوة كل الثقافات الخاطئة الموروثه مهما كانت قوية و متغلغلة فى المجتمع.
رابعا العدالة الاجتماعية من خلال مثل رب البيت و الفعلة، الوارد فى (متى 20 )
1-العدالة الاجتماعية تجعلنا نبحث دائما و باجتهاد عن هؤلاء الذين ينتظرون من يوظفهم ليجدوا لقمة العيش الضرورية، خرج رب البيت عدة مرات و فى كل مرة كان يجد شخص يحتاج من يوظفه ليجد لقمة عيشه مع اولاده ليومه الذى يعيشه.
2-العدالة الأجتماعية معناها توفير الحد الأدنى للحياة الكريمة للانسان حتى و لو لم تتاح له الفرصة ليعمل بنفس الطاقه التى تعادل أجر معيشته طالما عنده الاستعداد للعمل.. و هذا ما فعله رب البيت عندما اعطى كل واحد دينار بالرغم ان هناك من لم يشتغل الا ساعة واحدة. و ذلك لأن رب البيت كان يعلم ان الدينار هو الاحتياج الاكيد لمعيشة يوم كريم، و كان يعلم أيضا أن المشكله لم تكن فى العله للذين عملوا ساعات أقل، لكنها كانت فى من لم يختارهم ليعملوا من أول النهار.
3-العدالة الاجتماعية تجعلنا نقيم الأمور من جوانب مختلفة و متنوعة و يراعى فيها الجانب الانسانى و النفسى والمعنوى.. فلقد استطاع رب البيت بتصرفه هذا ان يقيم مدى المعاناة النفسية التى عاناها هؤلاء الفعلة و هم ينتظرون من يوظفهم و كيف أن كل ساعة كانت تمر عليهم كانت تهدد لقمة عيشهم الضرورية لحياة اسرهم لمدة يوم واحد. و بالتالى ان كان الاولون قد ارهقوا جسديا أكثر من الاخرين الا أن الاخرين أرهقوا جدا نفسيا أكثر من الأولين.. و بالتالى لا يجب أن نلوم رب البيت لأنه ساوى بينهم.
حقا ما أروع مفهوم العدالة الأجتماعية عندما نفهمه بمعانيه الشاملة.. وفى رأيى أننا نحتاج لأن نؤمن بالعدالة الاجتماعية فى مفهومها الأشمل و نسعى كل يوم جاهدين مصررين متحدين فى المجتمع لكى نعيشه و نتيحه لكل من يمكن أن تصل أيدينا اليهم.. و على مستوى الكنيسة يجب أن نتبنى الكثير من القضايا التى تتحدى العدالة الاجتماعية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1-تنمية الموارد المتاحة للكنيسة و اتاحة فرص عمل للشباب.
2-احتواء الفئات المهمشه و اكتشاف طاقاتهم و تفعيلها.
3-المرأة و منحها كل الادوار الانسانية التى منحها الله لها كأنسان………….مثل رسامة المرأة.
4-تنمية الوعى لدى الافراد للمطالبة بحقوقهم وأداء واجباتهم نحو العدالة الاجتماعية.