في الوقت الذي نادي فيه قاسم أمين ومن بعده الاتحاد النسائي – في ثلاثينيات القرن الماضي – بحق المرأة في العمل و التعليم و الاختلاط، كانت منيرة ثابت أول من نادي بحق المرأة في العمل السياسي ، عام 1920،
في الوقت الذي نادي فيه قاسم أمين ومن بعده الاتحاد النسائي – في ثلاثينيات القرن الماضي – بحق المرأة في العمل و التعليم و الاختلاط، كانت منيرة ثابت أول من نادي بحق المرأة في العمل السياسي ، عام 1920، ومن خلال جريدتها “الأمل”، التي صدرت باللغة العربية أولا، وصدرت أسبوعيا ، ثم أصدرت منها طبعة يومية فرنسية “Espoir”.
ولدت منيرة ثابت عام 1906، والتحقت بمدرسة ايطالية بالقاهرة وتعلمت فيها مبادئ اللغة الانجليزية والايطالية، ثم التحقت بمدرسة ابتدائية حكومية، وحصلت عام 1924، علي الشهادة الثانوية ، ولكنها لم تجد أي مكان لتواصل تعليمها العالي فى ذلك الوقت فالتحقت بمدرسة الحقوق الفرنسية وحصلت على ليسانس الحقوق. والتى تمنح شهاداتها من باريس ، فكانت أول فتاة مصرية حصلت علي هذه الشهادة، وقيدت أمام المحاكم المختلطة كأول محامية عربية.
صحيح أن منيرة ثابت لم تكن أول أمرأة تكتب بالصحف، ولم تكن أول أمرأة تصدر صحيفة أو مجلة، لكنها كانت أول صحفية نقابية، و أول كاتبة سياسية، وأول رئيسة تحرير لمجلة سياسية، انتقدت الدستور المصري الصادر في 1923، بأنه أغفل الحقوق السياسية للمرأة ، فكانت أول صوت يرتفع مطالبا بحق المرأة في ممارسة الواجبات والحقوق السياسية كناخبة، في مقالاتها الجريئة في الصحف ، التي أثارت قلق الحكومة، أنذاك، فما كان من وزير المعارف الا أن استدعي ناظر مدرسة الحقوق الفرنسية، وطلب منه منع منيرة ثابت من الكتابة في السياسة، فاعترض ناظر المدرسة مؤكدا أن مدرسته تسير علي نهج مدرسة الحقوق في باريس، التي تمنح طلابها حق الكتابة بالصحف، ومعارضة الحكومة، ومهاجمتها مهما كانت العواقب.
وفي السابعة عشر من عمرها اعترفت الدولة رسميا بها كصحفية، فقد كانت أول فتاة عربية تقف أمام النائب العام وهي دون السن القانونية، للتحقيق معها في جريمة سب و قذف صحفي، بأمر من دار المندوب السامي البريطاني ، الي رئيس الوزراء الذي حوله الي وزير العدل ، وكانت الجريمة مهاجمة “التدخل الاجنبي” في مصر ، ودار المندوب السامي، والاستعمار البريطاني، وعلقت وقتها منيرة ثابت “أنها تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه”.
وفي عام 1926، شهدت محكمة باب الخلق الحدث التاريخي المتمثل في محاكمة صحفية بأمر من الاستعمار، وتم إعفاؤها من المسؤولية الجنائية باعتبارها حدث، وفي صيف العام نفسه قيد أسمها كصحفية عاملة في النقابة الاهلية الاولي التي تأسست في التوقيت نفسه ، لذلك أطلق عليها لقب “عميدة الصحفيات المصريات”.
منذ أحداث 1926، عملت منيرة بالكتابة والخطابة، و أصدرت جريدتها السياسية الاسبوعية “الأمل” باللغة العربية، ثم صدرت يوميا باللغة الفرنسية، واستطاعت من خلالها المطالبة بحق مصر في الحرية والاستقلال ، وحقوق المرأة السياسية والاجتماعية ، كما قادت حملة الدفاع عن حق المدرسات في الزواج مع الاحتفاظ بوظائفهن كمدرسات، ونجحت الحملة و أقرت وزارة المعارف هذا الحق، ومن ثم تبنت قضية النساء العاملات واستطاعت منيرة ثابت أن تقنع القراء وبعض المفكرين والسياسيين بوجهة نظرها وحججها القوية، وعباراتها النارية بالدفاع عن قضايا المرأة واستطاعت أن تستميل بعض الشخصيات للوقوف بجانبها فى قضية تمثيل المرأة فى البرلمان مثل إسماعيل وهبى المحامى والأديب سلامة موسى وأنطون زكرى أمين المتحف المصرى.
نادت منيرة ثابت بحق المرأة في التصويت، والانتخاب ، وحق المرأة في عضوية جميع المجالس والهيئات النيابية ، والمساواة المطلقة مع الرجل ، خاصة في العمل بالوظائف الحكومية ، بل الاعمال و الوظائف الحرة .
السفور والحجاب
وعبرت عن موقفها من السفور والحجاب ، في حوار أجرته معها مجلة “الهلال” في أكتوبر 1925 قالت ” ليس فى مصر حجاب الآن، بل المصريات كلهن سافرات، وفقط يختلف شعورهن بحسب اختلاف عقلية وسط كل طائفة من المصريات. وإن كان للحجاب أثر فى مصر الآن كما يزعم البعض، فليس يوجد إلا فى بعض طبقات قليلة لا أهمية لها، ولحركة السفور تأثير كبير وجميل فى نفوس السيدات، حتى إن هذه الحركة السفورية كانت ومازالت من أهم أسس النهضة النسائية، إذ إن السفور عنوان للشجاعة الأدبية والنزاهة والصراحة، ولذلك كان تأثيره قاسياً شديداً على عقلية الرجل. ومازال السفور يقابل بشىء من الاضطراب فى نفس الرجل المطبوع بطابع القديم الذى لم يتعود فى وجه المرأة الصراحة والنزاهة”.
وفى نفس السنة- 1923 – خلعت السيدة هدى شعراوى البرقع ” النقاب ” أثناء عودتها من باريس وكان ذلك بداية سفور المرأة.
كما رأت منيرة ثابت أن الرجل والمرأة يجب أن يكونا علي قدم المساواة في الزواج والطلاق ، أن ” يتم الزواج برضى الطرفين الكلى ودون تدخل أى وصاية أو وكالة عن المرأة، بل لهذه -إذا أرادت- أن توقع بإسمها وبيدها عقد الزواج بجانب توقيع الرجل. والزواج يكون بواحدة فقط”. أي أنها نادت ، أيضا، بالاكتفاء بزوجة واحدة، وعدم تعدد الزوجات، و طالبت بحق المرأة في الخلع أو الطلاق ، علي الا ينفرد الرجل وحده بقرار الطلاق، وانما ” يحكم به بناء على رغبة أحد الطرفين على السواء. وللطرف طالب الطلاق أن يقدم البراهين على إخلال الطرف الآخر بأحد واجبات الزوجية عموماً. أما إن كان طلب الطلاق سببه الكراهية والنفور فعلى الطرف « الكاره» -إن كان الرجل- أن يدفع للآخر مع النفقة الشرعية تعويضاً مدنياً، أما إن كان الطرف «الكاره» هو «المرأة» فتتنازل عن جميع حقوقها فى ذلك” .
في عام 1927، توقفت “الأمل” عن الصدور لزواج رئيسة تحريرها منيرة ثابت، من الكاتب عبد القادر حمزة، وتفرغت للبيت تاركة ممارسة مهنة الصحافة، لكن سرعان ما انفصلا وعادت الي الصحافة ضمن أسرة تحرير جريدة “الاهرام”، وأعادت أصدار جريدة “الأمل” شهريا، وواصلت منيرة ثابت مقالاتها للمطالبة بحقوق المرأة على صفحات الأهرام ووصفها انطون الجميل رئيس التحرير بأنها الكاتبة الأولى بمصر فى عام 1948 وكانت أكبر شهادة من صاحب الأهرام لها.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو اندفعت منيرة بكل قوتها وحيويتها ونشاطها للوقوف بجانب رجال الثورة وواصلت مطالبها حتى تحققت فى عام 1957 ودخلت راوية عطية من الجيزة وأمينة شكرى من الإسكندرية مجلس الأمة لأول مرة.
وبصدور قانون 1960، الذي انتقلت بمقتضاه ملكية الصحف الي الاتحاد الاشتراكي، توقفت جريدة “الأمل” رسميا عن الصدور ، ومعها توقفت مسيرة منيرة ثابت ، التي فقدت بصرها، وسافرت للعلاج علي نفقة الدولة ، وعاد اليها بصرها عام 1964، وتوفيت بعد حياة حافلة في سبتمبر عام 1967.
تواريخ مهمة في حياتها:
– في سنة 1939 فكرت في إصدار كتابها الأحمر باللغتين العربية والفرنسية في موضوع فلسطين رداً على الكتاب الأبيض البريطاني، وتقول الأديبة وداد سكاكيني في كتابها سابقات العصر: “إنها شرحت فيه الظلم والعدوان اللذين أصابا أهل فلسطين حتى شردهم الطغيان”.
– في سنة 1936 كانت الوحيدة التي هاجمت معاهدة 1936 على صفحات الأهرام.
– في سنة 1946 كانت الصحفية الوحيدة التي هاجمت مفاوضات (بيفن و صوفي).
– في سنة 1948 فكرت في إعادة إصدار مجلة الأمل مرة أخرى ولكن كانت ريح الصحافة في مصر قد اتجهت اتجاهاً آخر لم تألفه ولم يألفها.
– في سنة 1957 رشحت نفسها لأول برلمان بعد الثورة عن الدائرة الثالثة بالقاهرة فاكتسحتها في 25 يوماً، فأشرفت على أبواب البرلمان، لكنها فوجئت في آخر لحظة بقرار قفل جميع الدوائر التي فيها وزراء، وكان فتحي رضوان قد انتقل إلى دائرتها فطبق عليها قرار الفصل.