حذر مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية من محاولة تمرير مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد دون أن يتم مراجعة منظمات المجتمع المدني المعنية بشأنه وفي ظل حالة الهرج والمرج التي تمر بها البلاد هذه الأيام
حذر مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية من محاولة تمرير مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد دون أن يتم مراجعة منظمات المجتمع المدني المعنية بشأنه وفي ظل حالة الهرج والمرج التي تمر بها البلاد هذه الأيام. إن مسودة القانون التي ينتوي مجلس الشورى تمريرها غداً تحمل انتهاكات واضحة للحق في حرية التنظيم وتسمح للدولة بخنق منظمات المجتمع المدني وفرض مزيد من القيود عليها.
واستنكر المركز وجود مساعي حقيقية نحو إقرار القانون، علي الرغم من أن المنظمات طرحت مبادرات عديدة، وأكثر من قانون بديل لتنظيم عمل الجمعيات، يضمن عدم تدخل الحكومة في قراراتها أو الدخول في إجراءات معقدة للحصول علي تراخيص، وأن تكون الجمعية العمومية هي من لها السلطة علي المجتمع المدني.
قالت داليا زيادة المدير التنفيذي لمركز بن خلدون “في ظل إنهيار أعمدة الدولة واحداً تلو الآخر منذ تولي الرئيس مرسي، يبقى المجتمع المدني هو المؤسسة الوحيدة التي ما زالت محافظة على تماسكها وقوتها وما زالت هي الحامي الرئيسي لحقوق وحريات المصريين ضد أي انتهاكات يرتكبها أي نظام ديكتاتوري سواء النظام الذي سقط بالفعل أو الجاري تأسيسه حالياً.”
وتساءلت زيادة “كيف لمجلس الشورى أن يمرر قانوناً عن الجمعيات دون حتى استشارة الجمعيات؟!” وأضافت “بدون المجتمع المدني لن تقوم في مصر ديمقراطية. في الدول الديمقراطية تقام الجمعيات وتمارس أنشطتها بالإخطار. لكن ما يحدث الآن من تعقيدات تحت مسمى القانون ما هي إلا محاولات للقضاء على المجتمع المدني تمهيداً لقيام دولة ديكتاتورية لا تحترم الحقوق والحريات.”
وقد اهاب مركز ابن خلدون بكافة منظمات المجتمع المدني، لا سيما المنظمات الحقوقية، بالوقوف يداً واحدة في مواجهة محاولات الخنق والتقييد التي تمارسها الدولة تحت إدعاء تطبيق القانون. ويناشد المركز المجتمع الدولي بالضغط على الرئيس مرسي والحكومة المصرية لمنع تمرير هذا القانون في هذه الظروف وقبل استشارة الجمعيات المعنية.
اما عن الملاحظات التي ابداها المركز في هذا الشان فقد ذكر:
إن مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي طرحته وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية كبديل عن القانون الحالي رقم 84 لسنة 2002، والذي تتم مناقشته الآن في مجلس الشوري-الذي يتولى التشريع حالياً- تمهيدا لإصداره يثير لغطاً كبيراً، لاسيما أن كل المؤشرات تؤكد أنه أشبه بالقانون الذي تم اقتراحه في ظل حكم مبارك، فضلاَ عن أنه قانون يرسخ لمزيد من الهيمنة والتسلط والمزيد من القيود علي العمل الأهلي. فالقانون لايضيف جديداً عن ذلك المشروع القديم الذي تمت صياغته قبل الثورة، والذي يقيد عمل منظمات المجتمع المدني ويفرض عليها رقابة السلطة التنفيذية للدولة، وهو ما يتعارض ومبادئ الثورة حيث تحرير قطاع المجتمع المدني بعد تحرير القطاعين الحزبي والنقابي، اللذين اكتسبا حرية كبيرة لا تحظى بها منظمات المجتمع المدني.
ولعل مايثير الدهشة، وجود مساعي حقيقية نحو إقرار القانون بهذا الشكل، علي الرغم من أن عدداً من المنظمات قد طرحت مبادرات عديدة وأكثر من قانون بديل لتنظيم عمل الجمعيات، يضمن عدم تدخل الحكومة في قراراتها أو الدخول في إجراءات معقدة لممارسة نشاطها، وأن تكون الجمعية العمومية هي من لها السلطة على المجتمع المدني.
ومن دون شك إن مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد يعد هجوماً على قلب المجتمع المدني المصري، إذ لم يراع الدور الذي يقوم به المجتمع المدني، باعتباره أحد الأركان الأساسية في عملية التنمية والتطوير في مصر. وتتلخص أهم الانتقادات والاعتراضات التي يراها مركز ابن خلدون، في قيام القانون علي عدة مبادئ مقيدة للحقوق والحريات المكفولة بموجب الدستور، وأيضاً بموجب نصوص المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، أهمها:
أولاً: يعتبر القانون تأميماً للعمل الأهلي في مصر، ما يقضي علي استقلالية عملها، فهو يفقد منظمات المجتمع المدني أحد أهم أدوارها وهو دورها الرقابي علي أداء الدولة في جانب الخدمات التي تقدمها، وكذلك الموازنة العامة والإنفاق والقروض والمنح. إذ يقوم القانون علي مبدأ الهيمنة والوصايا علي الجمعيات الأهلية بشكل أكثر ضراوة من القانون الحالي 84 لسنة 2002. من خلال عدد من النصوص من أهمها اعتبار أموال كل الجمعيات الأهلية والمؤسسات “أموال عامة”، واعتبار موظفيها في حكم الموظفين العموميين وأوراقها في حكم الأوراق والأختام الرسمية، وكلها أمور تتناقض مع الجوهر الحقيقي لأموال الجمعيات وهي أموال خاصة وفقاً لمبادئ قانونية مستقر عليها. كما أن الأموال الممنوحة لمنظمات المجتمع المدني تخضع لرقابة الجهات المانحة، فضلا عن بعض المؤسسات الحكومية كالجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، ولذلك فليس ثمة حاجة لمزيد من القيود علي أموال منظمات المجتمع المدني.
ثانياً: قيامه علي مبدأ الاقصاء سواء كان بواسطة فرض القيود على إنشاء وإشهار الجمعيات أو تحديد ميادين محددة للعمل الأهلي، بهدف تصفية منظومة العمل الأهلي واختزالها في الميادين التنموية والخيرية في تحد صارخ لحرية التنظيم المكفولة بموجب الدساتير والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. مستبعدًا العمل الحقوقي، حيث سمح بممارستها بشرط عدم تلقي الجمعية لأية منح خارجية لتنفيذها، وهو الأمر الذي يعني محاصرتها، كما ألزم مشروع القانون بعدم الجمع بين أكثر من ميدان عمل إلا بموافقة الجهة الإدارية.
وبحسب القانون الجديد سوف يتم في المستقبل منع المنظَّمات غير الحكومية، من ممارسة أي شكل من أشكال المشاركة السياسية. ولن يُسمح لها في المستقبل إجراء دراسات واستطلاعات أو عمليات بحث ميدانية إلا بإذن من الدوائر الحكومية المختصة، وبالإضافة إلى ذلك هناك مادة تمت صياغتها بصيغة هشة، وتنص على أنه يجب على المنظمات غير الحكومية أن تتجنب جميع النشاطات التي تهدد “الوحدة الوطنية” أو تنتهك “الأخلاق العامة”، وكذلك يتعين بحسب هذا القانون على المنظمات غير الحكومية أن تتوقع فرض قيود شديدة على تمويلها. ولن يسمح للمنظمات غير الحكومية بقبول أية تبرعات من دون موافقة هيئة رقابة حكومية يشارك فيها ممثلون عن أجهزة الأمن أيضًا.
ثالثاً: مزيد من الهيمنة والحصار من جانب الجهات الإدارية متمثلة في الاتحاد الاقليمي للجمعيات ووزارة الشئون علي منظومة العمل الأهلي. وأيضا من خلال ربط عمل المنظمات بحصولها علي تصريح مسبق أسند إلي لجنة مستحدثة “اللجنة التنسيقية”، واشترط أن ينحصر نشاطها علي ماهو متفقا واحتياجات المجتمع المصري وفقا لأولويات خطط التنمية ومراعياً النظام العام والآداب، وهي شروط مطاطية لايمكن ضبطها بأي حال من الأحوال، كما أنه أعطي الحق لموظفي الجهة الإدارية في الدخول إلي مقر الجمعية وفحص أعمالها ومستنداتها دون أن يحدد عدد مرات مقبولة بالعام أو ضوابط وشروط لذلك.
ومن جانب آخر، فبدلا من سعي القانون إلي التخفيف من الإجراءات الإدارية والبيروقراطية، نجده يتشدد بها ويضيف جهة جديدة تلتزم الجمعيات بالتعامل معها، وهي الاتحادات الإقليمية، حيث اشترط ضرورة قيام الجمعيات بالانضمام الإجباري لها، والالتزام بارسال تقرير نشاط سنوي لها، كما اشترط إخطارها أيضا بالمنح التي تحصل عليها الجمعية من الداخل.
وفي ضوء الإشكاليات السابقة التي تعتري نصوص مشروع القانون، فإن المطلوب هو ضرورة النص علي أن ترفع الحكومة يدها عن المجتمع المدني، وأن يكون دورها إشرافيا تنظيميا، والنص أيضاً علي عدم تدخل الجهات الإدارية في عمل الجمعيات وأن يكون الإشهار للجمعية بمجرد الاخطار. كما نريد تشريعاً يؤكد استقلالية المنظمات الأهلية، ويلغي هيمنة الجهتين الإدارية والأمنية علي هذه الجمعيات، وأن يتم إلغاء جميع القيود التي يفرضها القانون الحالي علي الجمعيات بدءاً من موافقة الجهة الإدارية علي التأسيس مروراً بإجراء انتخابات مجلس الإدارة وممارسة النشاط وتمويل النشاط وانتهاء باعطاء سلطة حل الجمعيات للجهة الإدارية والتي تعاني منها آلاف الجمعيات، وهو مايفضي إلى تعديل فلسفة القانون فى إطار ديمقراطي مفتوح، لأن الفلسفة الحالية لا تشجع علي حرية العمل المدني.
في الأخير، يمكن القول إن النظام الجديد يستخدم عقلية تحصين نفسه مثل نظام حسني مبارك، وذلك لأنها لا تفهم عمل المجتمع المدني على أنه تعزيز للديمقراطية، بل كتهديد لحكمها، فهي لا تزال أسيرة الفكر القديم، وهي تريد السيطرة على كل شيء، وبهذا الشكل سوف تخنق المجتمع المدني.