يُعد العلامة رفاعة رافع الطهطاوي (1801- 1873م) رائد التنوير في مصر الحديثة، كما أنه صاحب مدرسة فكرية أصيلة فيها، وذلك بما بما قام به من أعمال علمية جليلة وبما ترجمه للغة العربية وبما أنتجه من مؤلفات عديدة حملت الكثير من الرؤى العصرية والأفكار التنويرية.
امن رفاعة بضرورة ترقية المرأة المصرية ومن ذلك أنه نادى بحق الفتيات في التعليم مثلهن مثل الفتيان، وله هنا كتاب مهم عنوانه “المرشد الأمين فى تربية البنات والبنين” ألفه للتدريس في مدرسة البنات.
وساعدت الكثير من أفكار رفاعة الطهطاوي على نمو مبدأ القومية (الوطنية) المصرية، إذ عمل الطهطاوي على تنمية معنى حب الوطن والانتماء إليه، ومن الأفكار المهمة التي عمل ترسيخها “حُب الوطن من الإيمان”، كما إنه آمن بالوحدة الوطنية بين المواطنين المصريين على مختلف تنوعاتهم، ومن بين الأقوال الشائعة التى تُنسب له قوله “ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا نبنيه معاً بالحرية والفكر والمصنع”. ومن أشعاره قصيدة شعر قال فيها:
يا صاح حب الوطن حلية كل فطـــــن
محبة الأوطــــــــان من شعب الإيمان
في أفخر الأديـــــان آية كل مؤمــــــن
ويُذكر أنه كان لرفاعة الطهطاوي تلاميذ كثيرين، اهتموا بالتأليف والترجمة، والكتابة في الصحف، نذكر منهم مثلاً عبد الله أبو السعود صاحب جريدة (وادي النيل) والتي يعدها مؤرخو الصحافة المصرية أول صحيفة أهلية (خاصة) تعرفها مصر وقد أصدرها بالقاهرة فى سنة 1867م، ومن تلاميذ رفاعة أيضاً ميخائيل عبد السيد الذى أصدر صحيفة (الوطن) سنة 1877م وهو يُعد أول مواطن قبطى يعمل بالصحافة.
درس الطهطاوي، نسبة إلى مدينته طهطا بصعيد مصر، في الأزهر الشريف، وتتلمذ على يد الشيخ حسن العطار، وكان متفوقاً بين أقرانه. ولما أرسل محمد على باشا والي مصر (1805- 1848م) بعثة علمية إلى فرنسا سنة 1826م، فإنه وقع الاختيار على رفاعة ليكون إماماً لتلك البعثة للوعظ والصلاة، فتعلم الفرنسية وأتقن الترجمة عنها، وظل في فرنسا لمدة خمس سنوات. ومن ثم فقد جمع الطهطاوي في داخله بين الثقافتين المصرية والفرنسية، وهو ما يعني لدينا التواصل مع العالم الخارجي وتبادل الخبرات والثقافات. حيث عاد بعدها إلى الوطن ليشارك بحضور واضح في بناء مصر الحديثة.
عمل رفاعة بعد عودته إلى مصر مُترجماً في مدرسة الطب، وتولى الإشراف على صحيفة (الوقائع المصرية)، كما تولى الإشراف على مدرسة الألسن التي تأسست سنة 1835م. لتبدأ من هنا المدرسة المصرية في مجال الترجمة، ولعل من بين المظاهر الجيدة أن يهتم المركز القومي للترجمة- والذى أسسه د. جابر عصفور انبثاقاً من المجلس الأعلى للثقافة- بوضع تمثال نصفي للطهطاوي في مدخل المركز.
لما جاء عباس باشا والياً على مصر (1848- 1854م)، ولم يكن مهتماً بالإصلاح والتحديث، فإنه نقله- أو بالأحرى نفاه- إلى السودان لتولي نظارة مدرسة الخرطوم، وعاد الطهطاوي إلى مصر في عهد سعيد باشا والي مصر (1854- 1863م)، كما عاصر الخديوي إسماعيل (1863- 1879م)، حيث تنقل بين عدة مواقع منها وكالة مدرسة الحربية ونظارة مدرسة الحربية بالقلعة ونظارة قلم الترجمة، وتولى الإشراف على تحرير صحيفة (روضة المدارس المصرية) التي صدرت بالقاهرة سنة 1870م وكان ابنه على فهمي رفاعة مباشراً لتحريرها.
قدمه جولد شميت الابن- فى كتابه (قاموس تراجم مصر الحديثة) والذي ترجمه للعربية وحققه الدكتور عبد الوهاب بكر وصدر عن المجلس الأعلى للثقافة سنة 2003م- باعتباره “كاتب ومصلح تعليمي.. ركز على التطوير الزراعي، وتعليم البنات فضلاً عن الصبية، وتنمية المجتمع الوطني (الوطن)”.
واليوم كم نحتاج إليك يا رفاعة ونحن نتطلع إلى بناء مصر الحديثة.. وطناً حاضناً للجميع وناهضاً بالجميع دون تفرقة أو تمييز.
إ س