أُصيبت إبنتهما الصغيرة بمرض إشتد عليها مع مرور أيام. حاول علاجها أطباء بأساليب العصر والزمان. البيت كله يقف على قدم وساق لخدمة الصبية التي ذبلت قواها وانطفأ لمعان عينيها. كانت قبلاً تشع بالحياة وتملأ البيت بهجة
أُصيبت إبنتهما الصغيرة بمرض إشتد عليها مع مرور أيام. حاول علاجها أطباء بأساليب العصر والزمان. البيت كله يقف على قدم وساق لخدمة الصبية التي ذبلت قواها وانطفأ لمعان عينيها. كانت قبلاً تشع بالحياة وتملأ البيت بهجة، لكنها ها هي الآن طريحة الفراش تأخذ أنفاسها بصعوبة وتصارع لكي تبقى على قيد الحياة. ماذا يفعل والداها وقد فعلا كل ما في أيديهما أن يعملاه. لكنهما لا يستطيعا أن يستسلما للفكر الذي يلح عليهما بأن هذه هي النهاية لابنتهما. لا، لا يريدان أن يخسراها، لا لن يتركاها تضيع منهما، فما العمر والحياة بدونها. يذكران ما سمعاه عن يسوع، ربما هو الأمل الوحيد والأخير لابنتهما. يجري الأب مسرعاً يحاول أن يسابق الزمن لكي يأتي بيسوع قبل ما تلفظ إبنته أنفاسها الأخيرة. يرتمي عند قدميه والدموع تجري من عينيه، يتوسل: «ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا». يستجيب السيد لطلبته ويسيران معاً نحو منزله. يزداد أمل الرجل في شفاء صغيرته مع كل خطوة يقتربان بها للمنزل، وفي نفس الوقت يحسب حسابات الزمن ويتمنى أن تسرع المسيرة ليصلوا قبل فوات الآوان.
فجأة يتوقف الرب ويسأل الجموع التي تزحمه من كل جانب سؤالاً غريباً: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟» تتوقف المسيرة لبعض الوقت حيث يتبين أن إمرأة مريضة بنزف دم لمدة إثنتي عشر سنة قد شُفيت من دائها إذ جاءت ولمست هدب ثوب السيد بإيمان للشفاء. معجزة ترفع التوقعات عند والد الصبية في قدرة يسوع على شفاء ابنته إن كانت بعد حية.
بينما تتأهب المسيرة لإستكمال طريقها نحو المنزل، إذا برسالة صاعقة تصله من داره: «ابْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ الْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟». هذا هو الخبر الذي كان يخاف أن يسمعه، ومعه ضاع الأمل ولم يبقى سوى صوت الموت الرهيب يغيم على النفس بحزن كئيب يهز أعماقه من الداخل ليجهش في بكاء شديد. يتكلم إليه يسوع بصوته الحاني: «لاَ تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ». لا يستطيع الرجل أن يفهم تماماً الذي يعنيه يسوع، لكن كلام السيد يهدئ روعه ويعيد الأمل لقلبه وإن كان أقرب إلى الوهم منه لإحتمالات واقعية. يسير الرجل في صحبة المسيح نحو البيت ولا يعلم ماذا ينتظره هناك. لكنه يحاول أن يتعلق بأي أمل، وكل الأمل في يسوع الذي يرافقه. وعندما يصلان للمنزل إذا بضجيج بكاء وعويل. إذاً قد ماتت الصبية، قد ضاع الأمل. لكن الغريب أن يسوع يصر أنها لم تمت، فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ». وأخذ أبا الصبية وأمها ودخل بهم حيث كانت الصبية مضطجعة، “وَأَمْسَكَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا: “يَا صَبِيَّةُ لَكِ أَقُولُ قُومِي”. قامت الصبية، تجري حولهما، يحتضنها والداها، يقبلانها ودموع السعادة تنهمر من عيونهما. تحول البكاء إلى فرح، وامتلأ البيت بهجة، بهجة تحقيق الأمل وعودة الحياة.
إختلف تقدير الأهل للموقف عن تقدير يسوع له. رأوا موتاً ونهاية أما يسوع فرأى نوماً تنهض منه لحياة. لا نستطيع أن ننكر أن الكثيرين مصابون الآن بشعور من الإحباط ليس بقليل. فالأمل الذي لاح بعهد جديد من الحرية والكرامة يتبدد أمام عيونهم كالبخار. تعلقنا بالأمل في شفاء للبلاد لكن الوضع ذهب من سيئ لأسوء. إن الحلم الذي بدا قريباً مع تنحي الرئيس مبارك يبدو الآن أبعد ما يكون عن الإمكان. لقد تحول الحلم الجميل لكابوس مخيف، والأخطر أن الكابوس تتحقق معالمه أكثر فأكثر مع أحداث الأيام. يرى الكثيرون أننا نهوي نحو نهاية لن يكون منها قيامة. شعورنا مثل شعور ذلك الرجل الذي جاءته الأخبار أن إبنته قد ماتت. هذه هي النهاية ولا مكان بعد لأي أمل.
لكني أسمع صوتاً سماوياً، الصوت هادئ لكنه يملأ النفس أملاً وأماناً. لا أعرف ماذا سيكون وكيف سيكون، لكن الصوت الإلهي يؤكد أن هذه ليست النهاية. نحن نصارع في أعماقنا مثل والد الصبية. من نصدق، هل نصدق صوت الموت الذي حولنا أم صوت الحب الإلهي الذي يهمس في أذاننا. ربما أمامنا خياران لا ثالث لهما. إما أن نصدق صوت الموت في الواقع المرير الذي نعيش فيه فنعيش في إحباط كبير أحزانه، أو نصدق صوت الحياة فنسير طريق الأمل مع المسيح. إني أؤمن أن هذه ليست النهاية ولن تكون أبداً كذلك. أؤمن برب الحياة والقيامة وأن له في الموت مخارج. فتعال نسير معاً طريق الأمل. قد يطول الطريق لكن رفقة السيد تبقى لنا نعمى العون والأمان. سيبقى صوته: «لاَ تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ، لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ» يجدد عزائمنا في مسيرتنا نحو إدراك الأمل. سنراه يوماً حيث يصبح حقيقة. سيبذغ فجر عصر جديد يتمتع بنوره شعب مصر الحبيب.